
المسألة:
يحدثا القرآن الكريم عن قوم عيسى (عليه السلام) عندما سألوه عن إنزال المائدة من السماء، فذكَّرهم بقدرة الله تعالى ولكنهم أصروا على ذلك فدعا نبيُّ الله عيسى (عليه السلام) ربَّه بإنزالها وقد استجاب الله تعالى له كما في قوله تعالى: ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾(1).
السؤال:
هل إنَّ عذاب ابن ملجم ومعاوية ويزيد وشمر بن ذي الجوشن هو أقل من هؤلاء الذين حدَّثنا عنهم القرآن الكريم من قوم عيسى (ع) الذين لم يُؤمنوا بعد نزول المائدة لأنّ الله تعالى يقول ﴿لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾؟
الجواب:
معنى الآية المباركة:
الظَّاهر أنّه ليس المراد من قوله تعالى: ﴿لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾، التَّعبيرَ عن أشدّ العذاب وإنَّما المُراد هو نوعٌ خاصّ من العذاب لا يُعذِّب به أحدًا غيرهم، والقرينة على ذلك أنّ الضّرورة قائمة على أنّ الله تعالى سيعذِّب بعض عباده بعذابٍ أشدّ من عذاب هؤلاء ممّن كفر بهذه الآية كإبليس مثلاً، وذلك يمثِّل قرينة على استظهار ما ذكرناه من أنّ المُراد من قوله: ﴿لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾، هو جنسٌ خاصّ من العذاب لا يُعذِّب به آخرين من عباده وإن لم يكن هذا العذاب أشدَّ ما يُعذِّب به عباده.
هذا وقد أفادت بعض الرّوايات الواردة عن أهل البيت (ﻉ) أنّ ما عُذِّب به هؤلاء ممّن كفر بعد مُشاهدة هذه الآية هو أنّه تعالى مَسَخهم إلى خنازير(2) ثُمّ أهلكهم بعد ثلاثة أيّام من مَسخهم، وعلى ذلك يكون العذاب الذي توعَّدهم به إنْ هُمْ كفروا هو عذابٌ في الدّنيا.
لم يعذِّب به أحدًا غيرهم، إذ إنَّ أصحاب السبت من اليهود مُسخوا كما أفاد القرآن قردة ولم يذكر أنهم مُسخوا خنازير إلا أنَّه لو صحَّ ما ورد في بعض الروايات أنَّ أصحاب السبت مُسخوا قردة وخنازير(3) فحينئذٍ لن يكون لأصحاب المائدة اختصاص وهو ما ينافي ظهور الآية في الاختصاص بعذابٍ دون غيرهم وكذلك لو صحَّ ما رُوي من أن أصحاب المائدة مُسخوا قردة وخنازير(4) فإنَّ مَن مُسخ منهم إلى قردٍ لا يكون عذابه مما لم يُعذَّب به أحد من العالمين.
ويمكن أن يُعالج هذا الإشكال بأحد احتمالَين:
الاحتمال الأوَّل: أنَّ المُراد من العالمين في قوله: ﴿لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾ هو عالمهم وزمانهم، فهم اختُصُّوا دون غيرهم بهذا العذاب في زمانهم وعالمهم دون مُطلق الأزمنة والعوالم.
ويمكن الانتصار لهذا الاحتمال بما ورد عن الرّسول وأهل بيته (ﻉ) في تفسير قوله تعالى في مريم (ع): ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾(5)، فقد ورد عنهم (ع) أنّ المُراد هو عالمها وأنّ سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين هي السّيّدة فاطمة (ع) (6).
الاحتمال الثَّاني: هو سقوط الرّوايات التي أفادت أنّ اللذين اعتدوا في السّبت قد مُسخوا قردة وخنازير، وذلك لأنَّ القرآن الكريم أفاد أنّهم مُسخوا قردة ولم يَذكُر أنّهم مُسخوا خنازير، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾(7)، فلو كانت الآية ظاهرة في أنّهم قد مُسخوا قردة فحسب فإنّها تكون منافية للرّوايات المَذكورة وبه تسقط عن الحجّية لأنّ كلّ ما خالف كتاب الله فهو باطل ولم يصدر عن أهل البيت (ﻉ).
وكيف كان فليس المُراد من الآية مورد البحث أنّ العذاب الذي توعّد الله به مَن كفر بعد نزول المائدة هو أشدّ العذاب وإنّما المُراد هو نوع خاصّ من العذاب لا يعذِّب به غيرهم من عباده العصاة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة المائدة آية رقم 115.
2- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج3 ص454، الخصال- الشيخ الصدوق- ص494، مسائل علي بن جعفر- ابن الإمام جعفر الصادق (ع)- ص333، علل الشرائع- الشيخ الصدوق- ج2 ص486. وأشارت بعض الروايات الى انَّهم مسخوا على هيئة حيوانات اخرى غير القرود والخنازير، لاحظ علل الشرائع- الشيخ الصدوق- ج2 ص486.
3- مستدرك الوسائل- الميرزا النوري- ج 12 ص 192، الإيضاح- الفضل بن شاذان الأزدي- ص 248، تأويل مختلف الحديث- ابن قتيبة- ص 232، تفسير جوامع الجامع- الشيخ الطبرسي- ج 1 ص 524.
4- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج3 ص454.
5- سورة آل عمران آية رقم 42.
6- علل الشرائع- الشيخ الصدوق- ج1 ص182، معاني الاخبار- الشيخ الصدوق-ص107، دلائل الامامة- محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)- ص152،149،81، مناقب آل أبي طالب- ابن شهر آشوب- ج3 ص105، الإصابة- ابن حجر- ج8 ص102 وغيرهم.
7- سورة البقرة آية رقم 65.
التحيّة الإلهيّة
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
معنى (سأل) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
العلم المقصود للعمل
الفيض الكاشاني
وجه رب الكون
السيد جعفر مرتضى
الواقع الاجتماعي والسياسي حين تولى الإمام علي (ع) الحكم
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
لماذا ينبغي استعادة أفلاطون؟ (2)
محمود حيدر
ماذا يحدث داخل الدماغ أثناء لحظة الإلهام والكشف المفاجئة؟
عدنان الحاجي
الصدقات وعجائب تُروى
عبدالعزيز آل زايد
صفة الجنة في القرآن الكريم
الشيخ محمد جواد مغنية
معـاني الحرّيّة (4)
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
التحيّة الإلهيّة
معنى (سأل) في القرآن الكريم
العلم المقصود للعمل
أمسية للحسن بعنوان: (نحو قراءة أدبيّة أفضل)
وجه رب الكون
الواقع الاجتماعي والسياسي حين تولى الإمام علي (ع) الحكم
لماذا ينبغي استعادة أفلاطون؟ (2)
ماذا يحدث داخل الدماغ أثناء لحظة الإلهام والكشف المفاجئة؟
معنى (وفق) في القرآن الكريم
الصدقات وعجائب تُروى