قراءة في كتاب

لحوار حضارات هادف


ربى حسين ..

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن حوار الحضارات في ظلّ صراعات قاتمة أفسدت لبّ الحديث وثماره. وكان أول من تكلم بهذا، المفكر الفرنسي روجيه جارودي عبر نظريته الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة على أساس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض وسماه بـ"حوار الحضارات".
ويدور المفهوم حول التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب، والقدرة على التكيف مع الأفكار المخالفة والتعامل مع جميع الآراء الثقافية والدينية والسياسية. تتعدد أهداف الحوار الحضاري، ومنها التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك الحضاري.
وفي هذا الإطار كتب الدكتور علي قائمي كتاب "حوار الحضارات في المنظار الإسلامي" للإضاءة على هذه المسألة، وشرح الأرضية التي يبدأ منها هذا الحوار الحضاري، وليكون وسيلة أساسية لتجنب الصراعات الدّائرة.


الحاجة لحوار إنساني جامع
درس الكاتب في مستهل حديثه مسألة الحاجة لوجود حوار أكان مع النّفس، أو الأهل، أو حتى مع الله عزّ وجل. وعن الإمام علي (ع) أنّه قال: "اضربوا بعض الرّأي ببعض، يتولد منه الصّواب". وفي ظلّ اتّساع دائرة العلاقات الدّوليّة لا يمكن العيش بنزعة انفراديّة وفقًا لرغبة النفس، وهنا تبرز خاصّية مميزة للحوار تتمثل بالحيلولة دون وقوع موجات ضارّة ورفع التّناقضات، بل إنّها تدفع الأفراد نحو مبادئ مشتركة تنسجم مع الفطرة لتكون بلك أساسًا ثابتا يمكن البناء عليه.


في العالم الإسلامي
أما في هذا الإطار، فقد أكّد الكاتب على أنّ الأنبياء سعوا عبر التّاريخ إلى دفع النّاس الّذين كانو يوالون حضاراتهم الخاصة، نحو الحضارة الإلهيّة بالحوار. والقرآن الكريم يذكر حوار نوح (ع) مع قومه حيث كان يدعوهم لترك الجهل والشّرك، وحوار إبراهيم مع رموز الحضارة النّمروديّة القائمة على عبادة الأوثان، والكثير من حوارات شعيب ولوط وموسى وغيرهم من الأنبياء عليهم السّلام.
وهذا الفصل من الكتاب هو بحث بشأن قضيّة الايديولوجيّات القائمة، اختلافاتها وخصائصها للضّرورات في اتجاه الوحدة وخطر الصّمت عند بعض المفارق الدّقيقة لدى الفكر الإسلامي الّذي يلقي مسألة الحوار على عاتق كل مسلم يهدف إلى تقريب النّاس من الإسلام السّمح.


دور الحوار وأهدافه
يقول تعالى"إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"، وتحت هذا العنوان بحث الكاتب في الحاجة الشّرعيّة والعقلانيّة للحوار، كالتّعارف والتّآلف ونشر الحقائق. فهذا الحوار يعنى بالاهتمام بأمور المسلمين وبناء وحدتهم، وقد خصّص فصلًا كاملًا  للحديث عن المسؤوليّة الملقاة على الإنسان على ضوء مبدأ الكراهة والتّوجيه والدّفاع عن الحقوق وبناء الجانب الرّوحي لديه.
أمّا عن التأثير في الحوارات المطروحة، فاعتبر الكاتب أنّ تداخل عوامل مهمّة كالفطرة العّامة الّتي كانت سبب نجاح حوارات الأنبياء، والّتي كانت تدعو إلى الحق والصّدق والعدل ورفع الحاجات الأساسيّة المشتركة، ورفع المشاكل والصّعاب وبناء حالة الألفة والصّفاء ورفع الأحقاد وجذور الاختلاف وغيرها، من واجبها خلق احتكاك حضاري يهدف إلى انجاح هذا الحوار الواعد.


مضمون حوار الحضارات
وتحت هذا العنوان يقسّم الكاتب أفكاره إلى عناوين عديدة، فبالدّرجة الأولى يكون الحوار في المناهج العقائديّة والّتي تشمل إحياء التّفكير الدّيني، التّربية الإيمانيّة، والتّعاون الفقهي والحقوقي للمذاهب وغيرها. وإذا كان الغرض من الحوار النّجاح في طرح برنامج التّفاهم والتّعايش وحل ورفع المشكلات، فيؤكّد الكاتب أنّه لا بد من مضمون سياسي يرتكز على القواسم المشتركة للمجتمعات العالميّة وأهمها إعادة النّظر في ميثاق حقوق الإنسان المتّبع دوليًّا.
كما لفت النّظر في المجال الثّقافي إلى ضرورة الحوار للتغيير الفكري وإلغاء الالتزامات المثيرة للخوف وإصلاح حالة الاتّصال الجماعي.
فحين يكون الغرض هو القوّة والاستبداد وخداع العوام بدلًا من اكتشاف الحقيقة، فعليه التّخلّي عن ذلك التّباحث. كما أتى على ذكر صعوبة مسألة التّعصّب لدى بعض الّذين لا يستعدون للتخلي عن نهجهم، وبهذا الشّكل إذا سادت الأغراض السّلبية وبقيت التّبعيّة للحق غريبة، يجب القول آنذاك "لا أعبد ما تعبدون.........لكم دينكم ولي ديني".


أساليب الحوار
أمّا عن أسلوب الحوار المتّبع، فيعتبر الكاتب أنّ الدّعوة كانت على مبنى الحكمة والموعظة الحسنة وكذلك على مبنى الجدل الأحسن فعن النّبي الأكرم (ص): "قل هذه سبيلي ادعو إلى الّله على بصيرة". وقد بحث في الأساليب المتّبعة كالإشعار والإبلاغ والإخبار، وفيه تحدّث عن مفهوم إيصال النّداء وتوعية الأفراد غير الواعين بالقضيّة. وكما أشار إلى أساليب الاستدلال والبرهان والحجّة والكسب والجذب.


إمكانيّة الحوار والرّساميل
وفي الفصل الأخير تحدّث الكاتب عن الاستعداد العالمي، وفيه بحث بشأن نهضة الأنبياء والمدارس الفكريّة الّتي ظهرت بعد الثّورة الصّناعية، والّتي زرعت بعدًا إنسانيًّا وآمالًا في القلوب المستضعفة.
"اليوم هو يوم حوار ومباحثة ويوم الإتيان بالبراهين والرّساميل اللّازمة. ولماذا لا يطرح الإسلام كلامه من المنظار العقلاني في عالم تعرض فيه مئات النّظريات المخالفة للعقل والفطرة على الصّعيد الدّولي عن طريق وسائل الاتّصال العامّة". ويؤكّد الكاتب أنّ هناك موارد وشروطًا أساسيّة في طريق الدخول إلى موضوع الحوار في مجال عرض الحضارة الإسلاميّة كالوعي والاعتقاد والتفاؤل والشّعور بالواجب.


ما هو مستقبل الحضارات؟
أمّا عن مستقبل الحضارات، فاستهل حديثه بالآية الشّريفة "كلّ من عليها فان" على قاعدة أنّه كلّ شيء إلى زوال، والمهم هو استمرار وبقاء الحضارات مدّة أكثر، وهو يرتبط بالنّواحي التّالية: النّمو والفخر الذّاتي لتلك الحضارة، انسجامها مع الفطرة، التّكلم من عمق وجود الإنسان، عناصر الجذب المادّية وغير المادّية، والقدرة على الإنماء والازدهار في الإنسان.
يبقى الحوار وإبلاغ الرسالة الوظيفة الأساسية في إطار السّعي في سبيل الحق. والعامّة  ترغب في الحوار والحصول على معلومات تفيد في التّوعية، لكن الزّعماء والشّخصيّات تضع العراقيل في هذا الصّدد، وهذا بلاء عظيم للبشريّة. وفي هذه الحالة لا يصح السّكوت، ويجب إيصال الكلام إلى أسماع النّاس في قوالب أخرى، فقد تمثّل إعلام الإمام السّجاد بقالب الدّعاء رمزًا لهذا الأسلوب والطّريق، وفي عصرنا هناك أساليب أخرى جديرة بالتّطبيق والعمل.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة