لقاءات

الأربعون في ذكريات الزوّار


إنّها شهاداتٍ لأشخاص منَّ الله عليهم بزيارة الأربعين وعاشوا تجربة "أيام الحسين" عليه السلام والمشي في درب النور. طريقٌ ترى فيها نفسك محلّقة حول عرش الله، بل لا ترى فيها نفسك أبداً. تعبُرُها مواسياً الحوراء زينب عليها السلام التي سُبيــت من كربلاء إلى الشــام، طوائف مختلفة وشعور واحد، كلٌّ يُعبّر على طريقته. وحتّى لا نطيل الكلام، نترك الحديث لهم ليبوحوا بما اختلج في وجدانهم من مشاعر وما اكتسبوه من معارف وأنوار وحقائق.


* زائرة إيطالية: هيمن الحسين عليه السلام على مشاعري
بعد زيارتها إيران في محرّم الحرام، أبدعت تلك المصوّرة الإيطالية، في تصوير معالم محرّم، وأقامت معرض صور "عاشوراء في إيران" في روما عاصمة إيطاليا، الذي أظهر جوانب من مراسم العزاء في عاشوراء الحسين عليه السلام.
وعن هدفها من إقامة المعرض، تقول: "كان هدفي تعريف الإيطاليّين على الإمام الحسين عليه السلام وواقعة عاشوراء وقضية الشهادة في الإسلام في سياق جهاد الإمام الحسين عليه السلام في سبيل إقامة العدل ضدّ الظلم. إنّ مراسم العزاء في عاشوراء قد هيمنت على مشاعري بحيث بكيت أنا أيضاً على الإمام الحسين عليه السلام. ولقد عرضتُ في هذا المعرض ما يقارب الأربعين صورة عن مراسم عاشوراء والأربعين في إيران".


* أرى الحسين عليه السلام طريق حياة
وقد تشرّفت "كلوديا" بالمسير من النجف إلى كربلاء في مناسبة الأربعين، محقّقة أمنيتها، تقول: "لقد جئت من إيطاليا إلى هنا بدعوة من الإمام الحسين عليه السلام، كما يقولون. فأنا مسيحيّة كاثوليكيّة. وكانت إحدى أمنياتي أن أكون في أعماق التاريخ كما الآن. يشرّفني كثيراً أن أكون جزءاً من هذه الجماهير المليونيّة".
فيما تشرح كلوديا كيف ترى الإمام الحسين عليه السلام بعـدما شاركت هذه الحشود من محبّيه: "بدأتُ أدرك للتوّ أنّ الإمام الحسين عليه السلام لــيس شخصاً واحداً، وليس إماماً فحسب، وإنّما هو طريق حياة، الحياة من أجل الحقيقة! وهذا هو الشيء الذي أحبّه وأبحث عنه؛ وهذا ما يجعلني أشعر بالسرور والسعادة".


* المشي واكتشاف الحقائق
تضيف المصوّرة الإيطالية: "عندما تمشي ستكتشف حقائق جديدة وكثيرة عن نفسك وعن الإمام الحسين عليه السلام. إنّ المشي صعب، ولكنك إنْ مشيت وحيداً ولم تتحدّث مع أحد، ستُحدِّث نفسك، وأنت تسير، وستُطهِّر ذهنك وتُفرِّغه. إنّ حضوري في هذا المكان هو من أفضل الأشياء التي حصّلتها إلى الآن".


* إنّه قصّة حُبّ
"رشيد بن عيسى" عالم اجتماع ومفكّر إسلامي ومناضل ضد الاستبداد منذ أربعين سنة. يتقن اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والفارسية، كما يتكلم اللغات البوسنية والروسية والعبرية والألمانية. كان أحد أعضاء اللجنة العلمية في جامعة فرنسا وأستاذ علم الاجتماع. عمل في الإدارة المركزية في "يونسكو" في باريس 25 سنة. يحدّثنا عن ذكريات زيارته في الأربعين:
"هذه أول زيارة لي إلى العراق. كنت أتمنى منذ مدّة طويلة أنْ أزور هذا البلد. أعتقد أنّ ما نراه هو تفانٍ. إنّه عشق، إنّه قصّة حُبّ، هنا ليس لدينا أيّ إمكانية لصرف المال! فكلما قُدِّم لنا شيء، أحاول أن أدفع ثمنه فيقولون: كلّا! هذا زادُ الحسين!
كنت أظنّ أنّ هذا الاستقبال في الأربعين تنظّمه الحكومة؛ ليتبيَّن لي أنّها إجراءات خاصّة. هنا جميع الأهالي هم عشّاق الحسين عليه السلام ويودّون أن يقدّموا شيئاً له. الكلّ يعبّر عن حبّه للحسين عليه السلام وترى الملايين من الناس يمشون وملؤهم العشق، يمشون 70 كيلومتراً ليلاً ونهاراً باسم الحسين عليه السلام، وحبّاً به عليه السلام. وهذا يعني أنّ رسالة الحسين عليه السلام قد وصلت".


* الروح بنَفَسٍ جديد
يضيف رشيد: "كنتُ قد شاهدت هذه التجربة عبر التلفاز مراراً، أمّا أن تعيشها بنفسك وتتحمّل صعابها فهذا شيءٌ لا بديل عنه. لا بدّ من أن تكون بين هؤلاء الناس، وأن تنام معهم في هذه المواكب وتخطو قربهم وتنظر إلى أعينهم. إنّها لتجربة منشّطة جدّاً، وتشحن روحك بنَفَس جديد.
الآن، أنا في حرم الإمام الحسين عليه السلام. هذه زيارتي الأولى لهذه المكان المقدّس، حيث أعيش مشاعر عظيمة وجيّاشة لم أختبرها من قبل".


* الإسلام... لم يكن مستحيلاً
هذه السيّدة أتت من هولندا مسلمةً لتزور الإمام عليه السلام في أربعينه.
"لم أكن أصدّق أنّه يمكن لغير المسلم أن يصبح مسلماً! ولكن، بحمد الله، رأيت رؤيا في ذلك الوقت. ففي عصر ذلك اليوم كنت أبكي بشدّة وأتساءل في نفسي: كيف يعيش الناس في بلدان عانت الحروب كأفغانستان والعراق وغيرهما، دون أن تحكمهم الكآبة والهموم والحزن وذرف الدموع؟ إنّهم أكثر سروراً منّي بكثير! كنت أتمنّى أيضاً أنْ أعيش هذا الشعور بالفرح، وأن أشعر بقوّة دين الإسلام ورصانته".


* حجابي: ثقتي بنفسي
تقصّ السيّدة: كانت الرؤيا في شهر رمضان وفي ليلة القدر حيث رأيت في المنام رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطاني مصحفاً، وقال لي: "لا تخافي فإنّكِ ستصبحين مسلمة صالحة، وسيغفر الله سبحانه وتعالى لك ذنوبك". بعد شهر، التقيت امرأة أندونيسيّة، فأهدتني قرآناً. فبدأت تلاوة القرآن، فإذا بأحزاني كلّها قد تلاشت، عندها عزمت على أن أسلم، واستعدتُ ثقتي بنفسي بعدما كنت قد فقدتها مدّة طويلة. يظنّ بعض الناس أنّكِ إذا سرّحتِ شعركِ بهذه الطريقة أو تزينت فهذا يعني أنّكِ سعيدة ومبتهجة، ولكنّي لم أكن أشعر بالبهجة قطّ؛ كنت قلقةً على مظهري دائماً هل أبدو بشكلٍ حسن؟ وما هو انطباع الناس عنّي؟ ولكن الآن، وبعدما ارتديت الحجاب، لم يعد يهمّني سوى رضى الله تعالى. منذ سنتين أو ثلاث كنت أتمنّى الذهاب إلى كربلاء، ولكن لم تتوفّر الفرصة، فكان بودّي أن أقوم بعملٍ عوضاً عن تخلّفي عن زمن الإمام الحسين عليه السلام وعدم إدراكه، فإنّي لم أستطع أن أنصره في ذلك الزمان، ولكن الآن لم يفت الوقت عن نصرته".


* قليلٌ من حال زينب عليها السلام
وتضيف السيِّدة أثناء سيرها إلى كربلاء في الأربعين: "نحن الآن في طريقنا إلى كربلاء وقد اقتربنا منها إن شاء الله. انطلقنا مشياً من النجف. في الواقع، لم أتوقّع أنّي سأتمكّن من اجتياز كلّ هذا الطريق مشياً إلى كربلاء؛ لأنّي أشكو دائماً من آلام في قدميّ، ولا أستطيع أن أمشي كثيراً أو أحمل شيئاً، أمّا الآن فلا أشكو من ألم، بحمد الله. إنّ المشي في هذا الطريق لأمر خاصّ جدّاً، ويشعرني بشيء يسير من حال السيدة زينب عليها السلام. لا يحظى الإنسان بهذه المشاعر والروحيّة في أيّ مكان آخر. فالسكينة المتوفّرة في هذا الطريق لا توجد في مكان آخر من العالم".


* سفر الحبّ
وبين الحشود الأربعينية تلمح زوّاراً ما كنت تتوقع أن تجدهم هنا، حيث تصف سيدة أمريكية شعورها بفرح العاشق الذي وجد معشوقه للتوّ، وهي تمشي نحو كربلاء ليومين ونصف: "أشعر كأنني في بيتي، أتمنى لو كنت أعيش هنا وأمشي في هذا الطريق يوميّاً. إن زيارة الحسين عليه السلام لتجربة رائعة في حدّ ذاتها، والمشي من جانب آخر كان تجربة أخرى".
أمّا عن صعوبات مسيرة الأربعين لغير المعتادين عليها، تروي السيدة: "إنّه لسفر معنويّ، وتجسيد للحبّ الذي تذوب أمامه الصعاب والآلام، فلا أهمية لها هنا".
لم يكن صعباً فهم سرّ تلك الجذوة حينما قالت: "إنّه لأمر مثير للعجب أن يرى الإنسان كيف جمع الإمام الحسين عليه السلام كل هؤلاء الملايين. أعتقد أنّ عشقه هو الذي جذبهم إلى هنا، وهو سيكون السبب في ازدياد العدد أكثر من ذلك".

لكن مسير هؤلاء الزوّار إلى الحسين عليه السلام لم يتوقف عند آخر عمود، فهو ينطلق في الحقيقة من الحسين عليه السلام إلى قضية أخرى: "إنّ الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف سيظهر. وقد بدأ العالم بالتغيّر، ففي أمريكا مثلاً بدأ الكثير من الناس بتغيير نظرتهم إلى الأمور، وأنا حديثة العهد بارتداء الحجاب، والناس هناك باتوا يحترمونني أكثر من قبل لأجل ذلك".

كل هذا الحبّ يروي أن المسير إلى الحسين عليه السلام الذي يبدو كخطوات، يمتدّ بعيداً بقلوب هؤلاء، إلى آخر الزمن.

إنّها مسيرة الحسين عليه السلام.
ـــــــــ
مجلة بقية الله

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة