مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

المهدي عليه السلام حقيقة قامت عليها الأدلة


الشيخ جعفر السبحاني ..

اتفق المسلمون قاطبة - إلا من شذ منهم - على أنه يقوم في برهة من الزمن قائد يعمل على إصلاح المجتمع الإنساني قاطبة، وينشر راية العدل في ربوع الأرض بعد ما ملئت بالجور والطغيان.
وهذا القائد المثالي العظيم من سلالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقد جاء نبأه وثورته العارمة على الفساد في الكتب السماوية، قال سبحانه: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
إن زبور داوود عليه السلام الموجود في العهد العتيق يحتوي على مضمون هذه الآية بصراحة.
هذا ما اتفق عليه المسلمون وأهل الكتاب جميعاً، غير أن هنا نكتة لا محيص من إلفات نظر القارئ إليها وهي:
اإن الإمام عليه السلام وإن كان يخرج بالقوة، ويجابه الفساد بمنطق الشدة والعنف، ولكنها ليست العماد الوحيد لثورته وسلطته، بل هناك عماد آخر وهو بلوغ الإنسان عبر القرون إلى ذروة الكمال من حيث الصناعات والعلوم، وتقدمه في معترك الفنون والثقافة إلى حد يؤمن إيماناً  كاملاً بأن الظروف الحاضرة لا تستطيع أن تلبي حاجاته، وتعطي له حياة طيبة، وأن المنظمات البشرية مع دويها وعناوينها الفخمة لا تسعده أو تنقذه من محنته ومشكلته، ولأجل ذلك ظل يتربص بصيصاً من الأمل حتى تمده عناية غيبية في إصلاح المجتمع، وإسعاده.
ولأجل هذ الأمل والتفتح العقلي لقبول الدعوة الغيبية، فإنه إذا ظهر القائد - الذي وعد الله به الأمم - لباه كثير من الناس بالإيمان والبيعة والتضحية والفداء بلا شك وتردد، ويستقبلونه بصدور رحيبة.
إن هذا التهيؤ النابع من صميم الإنسان، هو الذي يسهل لقائد الإصلاح أن يصل إلى الغاية التي أمر بتحقيقها بسرعة. وإلى ذلك العامل المؤثر يشير الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : (إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم).
إن الشيعة قاطبة وكثيراً من أهل السنة يرون أن ذلك القائد هو الإمام الثاني عشر عليه السلام ومن ذرية الإمام الحسين عليه السلام، ونجل الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام، ولد عام ٢٥٥ هـ، وظل في أحضان والده خمس سنين حتى توفي الإمام العسكري عليه السلام، فتعلقت مشيئة الله تعالى بغيبته عن أعين الناس لا عن بيئاتهم، بل يحيى حياة إنسانية كاملة من غير أن يعرفوه إلى أن يأذن له الله تبارك وتعالى بالظهور.
والناظر في حياة الأمم يقف على أن ذلك ليس بأمر بديع، وبلا مثال متقدم، فقد كانت بين الأمم غيبة للأنبياء والأولياء حتى أنه سبحانه يأتي بأنموذج واضح من ذلك في سورة الكهف، ويعرّف إنساناً كان ولياً راشداً من أوليائه عائشاً بين الناس، حالاً لعقدهم إلى حد، لم يكن الناس يعرفونه، وحتى النبي موسى عليه السلام قال سبحانه : (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) (الكهف :٦٥) .
غاب الإمام الثاني عشر عليه السلام على إثر ضغط الحكومة العباسية المصممة على قتله بسبب اطلاعهم على ما شاع بين الناس على أن المهدي المصلح نجل الإمام العسكري عليه السلام، وهو الذي يقوض عروش الجبابرة والطواغيت، فلأجل ذلك لما انتشر نبأ وفاة أبيه، توالت حملات التفتيش على بيت الإمام العسكري عليه السلام لكي يعثروا على الوارث الوحيد لإمامته ولكنهم رجعوا خائبين فقد حالت مشيئة الله تعالى بينهم وبين ما وعد الله به الأمم في كتب السابقين واللاحقين ، فحفظه عليه السلام وصانه عن كيدهم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة