لقاءات

عباس اللواتي: كلما زادت التحديات كلما زادت الفرصة للرقي


نسرين نجم ..

 من القلة المؤهلين عالميًّا في مجال الاستشارات الإدارية من قبل "المجلس الدولي لجمعيات الاستشارات الإدارية" (ICMCI)، الخاضع للأمم المتحدة، تم منحه لقب Fellow الممنوح لأقل من ألف شخص على مستوى العالم حتى سنة 2009. ونال العديد من الجوائز والألقاب والأوسمة مثل نيله وسامًا دوليًّا لا يمكن إلا للمدراء المحترفين الحصول عليه. إلى جانب هذه المؤهلات الأكاديمية والمهنية العالمية في مجالات الإدارة والمحاسبة والتدقيق والتدريب وتطوير الموارد البشرية، أبدع في مجال الكتابة عن المفاهيم الإسلامية الدينية الراقية بأسلوب سلس مرن، فأصدر العديد من الكتب منها "الاستراتيجية الإسلامية"، "النفس المطمئنة: خطوات عملية لتحقيق السعادة والنجاح". إنه الكاتب والباحث عباس آل حميد اللواتي الذي أجرينا معه حوارًا حول أحوال الأمة الإسلامية شؤونها شجونها:


* الإنسان بلا قيم يتحول إلى مسخ بشري:

كتب وقيل الكثير عن حال الأمة الإسلامية، ووضعت الكتب والدراسات التي دقت ناقوس الخطر عن وضعها وشؤونها، إلا أن الأستاذ عباس اللواتي يرى العكس: "في الواقع حال الأمة الاسلامية بتصوري هو حال ممتاز، نحن في أحسن حال بشكل عام، صحيح بأنه تواجهنا مشاكل جسيمة وضخمة جدًّا وتحديات لم نمرّ بها من قبل، الأمر الذي تطلب المقاومة والوقوف في وجهها وهذا ما حصل لذا نحن بأحسن حال، ولو رجعنا إلى سير الأنبياء والأئمة والأولياء لوجدنا بأنهم كلما ازدادوا ورعًا وتقوى وإيمانًا زادت البلاءات عليهم. وأنا على يقين بأننا بإذن الله قريبون من تحقيق الوعد الإلهي ألا وهو بأن الأرض سيرثها عبادي الصالحين. أما بالنسبة للآخر غير المعترف بالسلطة الإلهية فسيبقى يواجهنا بالتحديات وسيقف في وجه أي تطور أو تقدم للأمة الإسلامية، أما أسباب تقدم الأمة الإسلامية فمن جهة هناك تضحيات ومن جهة ثانية فإن الإنسان هو في رقي دائم من حال إلى حال أفضل، فالبشرية تزداد علمًا ومعرفة ووعيًا ونضجًا".

هذه النظرة التفاؤلية لواقع الأمة الإسلامية دفعتنا لسؤاله: كيف عمل الإسلام على تطوير الإنسان وتنميته في القرن الحادي والعشرين؟ يرى الأستاذ اللواتي بأن: "الإسلام هو آلية، نظام عملي وسلوك وتفكير، يتفاعل مع نمط الحياة الذي نعيشه وفي أي عصر وفي أي قرن أو ثقافة، أينما حلّ الإنسان يتفاعل الإسلام معه، فالإسلام بتعاليمه بمبادئه بقيمه يعطي الحلول لكل الصعوبات والعوائق تحت أي عنوان انتمت، وبرأيي المتواضع فإنه كلما زادت التحديات كلما زادت الفرصة للرقي".

ما تحدث عنه الأستاذ عباس آل اللواتي حول تطور الإنسان المعاصر واكتسابه للمعرفة وللعلم جعلنا نسأله، إلى أي حدّ بنى الإنسان علاقة سليمة مع الله عزّ وجلّ؟ وهل سوء العلاقة من قبل البشر ولدت حالة القلق الدائم لديه؟ يجيب: "في الواقع أرى الآن بالذات بأن البشر استطاعوا أن يبنوا أفضل العلاقات مع الله سبحانه وتعالى على مرّ التاريخ، نعم في بداية العصر الرأسمالي سيما في الستينيات والسبعينيات مرّ الإنسان بمرحلة المادية البحتة ضاعت فيها الكثير من القيم التي تمخض عنها مشاكل لا تعدّ ولا تحصى، الأمر الذي دفع البشرية للبحث أكثر عن القيم النبيلة والسامية الدينية وتوجهوا نحو الله عزّ وجل ونحو الإنسانية، فالله ليس محجوبًا عن أحد، فحب الله موجود في فطرة الإنسان، بعقله. أما بموضوع القلق فهو موجود نتيجة انتشار الأمراض المادية والتي تعود أسبابها إلى عدم قدرة البعض على مواجهة التحديات، أو بسبب وسوسات الشيطان، أو بسبب النفس الأمارة بالسوء. لكن هذا القلق يجب أن يدفع الإنسان للتوجه نحو الله عز وجل لكي يحصل على الطمأنينة: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، حتى أن القلق بحدّ ذاته هو حالة إيجابية، حالة مثل العطش والجوع تدفع الإنسان لإشباعها، وكذلك القلق عبر التوجه نحو القوة الكبرى نحو الرحمة الإلهية ليشعر بالأمان".

للأستاذ عباس آل حميد اللواتي كتاب يحمل عنوان: "الاستراتيجية الإسلامية" تحدث فيه عن جوهر هذه الاستراتيجية التي تنطلق وفق المنظور الإسلامي الشامل والمتوازن لئلا يتحول الإنسان إلى مسخ بشري، فسألناه عن خطوات هذا المنظور وما المقصود بألا يتحول إلى مسخ بشري؟ يقول: "المنظور الإسلامي الشامل هو تطوير الإنسان سلوكًا ومعرفيًّا وروحيًّا، تطوير الإنسان بقدراته وبقيمه بكل حيثياته، أما المقصود بتحويله إلى مسخ بشري، ففي حال تطور الإنسان وتطورت قدراته من دون قيمه فإنه سيتحول والعياذ بالله إلى شيطان، فالشيطان كان مقتدرًا قدرة عظيمة وقد وصل إلى مراحل كبيرة من الكمال والمعرفة، لكن بسبب عدم التطور الروحي لديه والعبودية لله عز وجل، ونتيجة عدم تطور قيمه بحيث أصيب بالعُجب وبالغرور وبالتكبر فسقط إلى أسفل القاع، فالخوف بأن الإنسان في حال طوّر قدراته دون قيمه ينقلب إلى شيطان، لذا ما هو مطلوب إيجاد التوازن وتطور القيم والإحساس بالعبودية لله عزّ وجلّ والارتباط به سبحانه وتعالى". وفي هذا الكتاب ذكر الأستاذ اللواتي مصطلح: "تحقيق عالمية الإسلام" فهل هذا يعني بأن الإسلام ليس دينًا عالميًّا ولم يصل إلى العالمية؟ يرى: "الإسلام لم يصل إلى العالمية لإننا ما زلنا مليار و500 مليون شخص من أصل سبعة مليارات ونصف،  يعني نحن نسبة أقل من 20% تقريبًا، طبعًا لا أدعي بأنني أريد من الكل بأن يصبحوا مسلمين، لا بل ما يهمنا بأن يكون العالم أجمع قد سمع بمبادئ وأحكام وقيم الدين الإسلامي، لذا المسؤولية الملقاة على عاتقنا لا إجبار الآخرين على الدخول في الإسلام "لا إكراه في الدين" بل تعريف البشرية على معنى الإسلام وعقائده".


* السعادة نعمة أما الطموح فنقمة:

هناك جهات تعمل منذ عقود إن لم نقل منذ قرون على ضرب القيم الإسلامية وتفتيت المجتمع الإسلامي وقد وضعت الخطط والاستراتيجيات للقيام بمثل هكذا خطوة وتوجهت أصابع الاتهام إلى الغرب، حول هذه النقطة يعلق الأستاذ عباس اللواتي بالقول: "بتصوري وبعقيدتي هذه ليست باستراتيجية غربية بل هذه استراتيجية شيطانية صهيونية، أما الغرب فبراء منها فالكثير من القيم والأمور غير واضحة وغير مدركة أمامهم، لكن بالفعل هناك استراتيجية ليس فقط لتفتيت العالم الإسلامي وإنما السيطرة على العالم كله، وبنظري إننا بالفعل استطعنا أن نقف في وجه هذه الهجمة".

في روايته "رحلة كادح" طرح مسألة مهمة جدًّا تتعلق بفكرة البلاء التي ينظر إليها الإنسان على أنها من الله لكن الأستاذ عباس اللواتي ينظر إليها من جانب آخر: "البلاء تارة يكون من الله عزّ وجلّ وتارة يكون من الإنسان نفسه وتارة لا من الله ولا من الإنسان بل نتيجة حركة الكون، حركة الحياة الطبيعية، وفي أحيان كثيرة يأتي البلاء من الله كهبة ليرتقي بالإنسان المؤمن أو حتى الإنسان العادي ليخلصه من ضعفه.. في أي حال من الأحوال الثلاثة البلاء موجود لنتغلب وننتصر عليه ونحوله إلى راحة، وهذا هو المطلوب من الإنسان، المقصود بأن يصمد الإنسان ويصبر على التحديات والصعوبات ويعالجها ويحول الفشل والهزيمة إلى نجاح".

وهنا ننتقل للسؤال عن مفهوم السعادة، كيف يمكن الوصول إليها وما هي مفاتيحها؟ "السعادة هي حالة من الاطمئنان ومن الراحة، وكثر يتصورون بأن مصدر السعادة هو من الخارج كالمال مثلًا السيارات الزوجة الجميلة، القوة والسلطة، بالحقيقة هذه محفزات للسعادة. لكن مفتاح السعادة ينطلق من الذات فالله أعطانا نعمة الوجود وجود ذاتنا، فإذا كنا غير قادرين على إسعاد أنفسنا فكيف يمكن أن تسعدنا العوامل الخارجية؟ ولكن من يسعى للسعادة الحقيقية عليه أن يعزز ارتباطه بالله عزّ وجلّ، بالعبودية لله عزّ وجلّ، هذه العلاقة بينك وبين الله تعطيك أكبر قدر ممكن من السعادة والتي تفوق بملايين المرات أي عامل مادي، أما كيف يمكن الوصول إليها؟ فعبر المنظومة الإسلامية التي هي الطريق لتحقيق هذه السعادة".

البعض يربط السعادة بالطموح والبعض يعتبر بأن هذا الأخير قيمة مهمة جدًّا لتطور الإنسان إلا أن الأستاذ عباس اللواتي يقدم وجهة نظر مختلفة عما هو سائد حول هذه النقطة فيقول: "الطموح من المفاهيم الثقافية الشائعة والخاطئة، كثيرًا ما نسمع بأن الإنسان الذي لا يملك طموحًا لا حياة له أي يفقد الدافعية والتحفيز ليعطي الأفضل للإنسانية، وهذا أمر خاطئ فالطموح ناتج عن حب الدنيا عن حب النفس لإن ما يحركنا ليس الطموح بل الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، تجاه البشرية، تجاه الله عزّ وجلّ، بمقدار ما نحب بمقدار ما نشعر بالمسؤولية أكثر تجاه أنفسنا، تجاه الناس".

وبكلمة أخيرة شدّد الأستاذ عباس آل حميد اللواتي على أن ما نحتاجه هو: "العودة إلى كتاب الله عزّ وجلّ لنقرأه ونستلهم من آياته لأن فيها الكثير من الحكمة والجمال، فيها الكثير من الاطمئنان الذي نحتاجه، وأيضًا من المهم العودة لأدعية ومناجاة آل البيت سلام الله عليهم وللروايات الصحيحة الصادرة عن الرسول الأكرم (ص)، إضافة إلى تغذية عقولنا بالقراءة لكتّاب معتدلين وأن لا نقرأ لأي كاتب من هنا أو من هناك".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة