قراءة في كتاب

أدب الصّلاة: طوبى لمن هم في صلاة دائمة


ربى حسين ..

صدر حديثًا عن دار المودّة كتاب "أدب الصّلاة" للشيخ علي رضا بناهيان المترجم من اللّغة الفارسية لكتاب "كيف نصلّي صلاة جيّدة". الكتاب يتمحور حول الصّلاة، العبادة الأسمى للخالق عزّ وجل، العمل العبادي عمود خيمة الدّين الذي لم يوجد من دون سبب.

دور الصّلاة في حياة الإنسان
"من قبل اللّه منه صلاة واحدة لم يعذّبه"، بهذا الحديث يختصر الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام الكثير من أسرار الصّلاة وأثارها في حياة الإنسان. هذه العبادة الرّكيزة للعبادات الأخرى وسبب بهجة العبد في الدّنيا كما الآخرة. وضمن هذا السّياق يلفت سماحته الى أن الصّلاة هي خير مربٍّ يوصل الإنسان إلى اللّه، كيف لا وهي سبب لتقليل مشاكل الحياة، وضبط الروح، وإصلاح أمور الدنيا! وختم هذا الباب بذكر حادثة العالم الّذي سأل الشّيخ بهجت كيف يكون آدميًّا؟ فردّ عليه : "صلّ صلاتك أوّل وقتها".

ما هي الصّلاة الجيّدة؟
الفصل الثّاني من الكتاب خصص للغوص في مسألة الصّلاة الجيّدة، وفيه تشديد على أنّنا يجب أوّلًا أن نصحح نظرتنا  إلى الصّلاة ومن ثمّ نعمل على تحسينها. وقد أشار الشيخ إلى أنّ البعض يعتقد أنّ الصّلاة الفضلى هي تلك الّتي يؤدّيها المرء وهو يذرف الدّموع، وترتعد فرائضه، لكن الحال أنّه ليس هذا هو المراد من الصّلاة الجيّدة، والأمور المذكورة ليست معيارًا لها. وأضاف أن المرء يجب عليه البدء بالتّدرج حتى يوفّق حتّى آخر عمره إلى مثل صلاة أولياء اللّه. الصّلاة في مراحله الأولى ليست غزلًا مع اللّه، وليس المطلوب أن تتلذّذ في صلاتك بل أن تجيدها كي يلتذّ بها ربّك.

الصّلاة بأدب
الصّلاة بأدب هي أن تخاطب اللّه وأنت تصلّي: "إلهي، سواء أكان لدي إقبال أم لا، سواء أكنت أخافك أم لا، فإن من واجبي أن أراعي الأدب على أي حال". وأوّل الأدب التّقيّد بأحكام الصّلاة، إذ لا بدّ من اجتناب أي عمل فيه مثقال ذرّة من إساءة الأدب تجاه ربّ العالمين. يروى عن الشّيخ رجب علي الخياط أنّه قال: "رأيت الشّيطان يقبّل الموضع الّذي يحكّه المصلي أثناء صلاته". وضمن هذا الإطار تطرق إلى أنّه أثناء القيام في الصّلاة فليكن النظر إلى محلّ السجود، لكن إذا نظر المرء إلى المحل نفسه عند الرّكوع فسيضطر الى رفع جفنيه، وفي ذلك إساءة أدب، فالمرء بين يدي الله تعالى لا يرفع عينيه إلى هذا الحد بل عليه أن ينظر في هذه الحالة إلى ما بين رجليه.
وفضلًا عن الالتزام بالصّلاة وآدابها، فعلى الفرد الاجتهاد في التّأدّب في مقدّماتها وتعقيباتها أيضًا، كتحرّي بعض الدّقة في الوضوء والتّقيّد بآدابه. فلا ينبغي أن نكتفي بمجرّد سكب الماء على أيدينا. لننتبه إلى أنّنا نقوم بعمل وقور فكيف بنا إذا أردنا غسل الفاكهة أمام ضيفٍ لنعطيه إيّاها؟ إنّنا ستفعل ذلك بكلّ احترام.

آثار الصّلاة بأدب
خصص هذا الفصل من الكتاب لإلقاء الضّوء على آثار الصّلاة. فعن فاطمة عليها السّلام "ففرض اللّه الصّلاة... تنزيهًا عن الكبر". فالصّلاة إنّما شرعت لتطهير قلب الإنسان من التّكبّر، هذه الصّفة الّتي حذّر الرّسول الأكرم (ص) من خطورتها: "من مات وفي قلبه مثقال ذرّة من الكبر، لم يجد رائحة الجنّة إلّا أن يتوب قبل ذلك".
ومن الآثار الأخرى للصّلاة المؤدّاة بأدب هي أنّها تنسّق علاقتك بنفسك، فهي تبني إنسانًا مستقلّا ذا إرادة، يستطيع الوقوف على قدميه. الشّاهد الأبرز على ذلك هو العالم الغربي الّذي بات أهله كالذّئاب ينهش بعضهم بعضًا، لأن الحب لا يوجد إلّا في قلب انتفض على نفسه. وهنا توجد إشارة إلى مسألة تمرّس على الاستقلال_مثلًا_ عندما يكون المنزل مكتظًا بالضّيوف ويحين أوان الصّلاة فقل حينذاك للضيوف: "عفوًا، سأغيب عنكم لدقائق لعمل مهم، وأعود إليكم". وإن سئلت إلى أين أنت ذاهب؟ لا تتردّد بالقول أنك ذاهب لتؤدّي صلاتك أول وقتها. ولا شأن لك بالباقي، فهذا التّصرّف سيدفع الطّرف الآخر للقول: "ما أشد استقلال الرّجل وما أصلبه في دينه".
كما أن إصلاح النّفس عبر الصّلاة في وقتها من الآثار الإيجابية. فالحالة الخاصة الّتي يكون عليها كل إنسان في لحظة ارتفاع الأذان هي حالة قد أعدّها اللّه عزّ وجل مسبقًا فإذا كان العبد وسط هذا الظّرف فسينادي اللّه ملائكته قائلًا: "أذّنوا، فإذا نهض عبدي هذا لأداء صلاته أصبح آدميًّا".

الصّلاة بتفكّر
وفي الختام وبعد أن نصلي مدّة من الزّمن بأدب، ننتقل تدريجيًّا إلى الصّلاة بتفكّر. وقد أشار سماحته إلى أنّه في بادئ الأمر يجب عدم التّفكير بغير الله حتى تصل رويدًا رويدًا إلى التّفكير فقط بالله عزّ وجل. وحسبك أن تخرج مشاكلك من ذهنك، بل وإنّ عليك في ساعة الفرح والمسرّة أن تغضي عن مسرّاتك حين تقف للصّلاة فأنت الآن لست سوى عبد مأمور للإله الرّحمن الرّحيم...وما عليك إلّا البدء بالتكبير.

الآن يبدأ المصلي بمرحلة مراعاة الأدب القلبي، تلك الصّلاة المقرونة بالمحبّة وحضور القلب. وبعد أربعين يومًا من هذه الصّلاة ترتاض النّفس بعبادة ربّها، يباد جنود إبليس، يستسلم القلب وقواه للحقّ سبحانه، ويتجلّى الإسلام ببعض مراتبه الباطنيّة فيه.

وفي الختام كتابه نصح سماحته من أراد أن يرتقي بصلاته درجة نحو الأحسن أن يصلّي صلاة اللّيل بين الحين والآخر الّتي تدعم الفرائض وتكمل نقائصها، والنّصيحة الثّانية هي أن يستغفر المرء الله عن الصّلوات الّتي سبق أن صلّالها. وبعد أربعين يومًا من الصّلاة الحسنة يأتي النداء: "بسم الله الرّحمن الرّحيم، طوبى لمن هم في صلاة دائمة".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة