لقاءات

نازي كريمى: لو يتم توظيف طاقات المرأة المؤمنة في صناعة إعلام تربوي فستكون هي المربية للعالم


نسرين نجم ..

 الإسلام أتى حاملًا كل مقومات العزة والكرامة لكي يعيش الإنسان إنسانيته، ولم يميز بين المرأة والرجل إلا فيما يختص بالقدرات الفيزيولوجية، ومن يتعمق بالشؤون الإسلامية يجد نفسه أمام دستور أعطى للمرأة دررًا بالقيم والفضائل والمكرمات لتكون الشريك الحقيقي جنبًا إلى جنب مع الرجل لبناء المجتمع الرسالي الملتزم. عن واقع المرأة المسلمة والتحديات والعوائق التي تواجهها وعن الدور الذي يجب أن تلعبه للقيام بدورها بطريقة سليمة وصحيحة كما أراد الله عز وجلّ أجرينا هذا الحوار مع الباحثة الإسلامية والناشطة المثابرة بقضايا وحقوق المرأة المسلمة السيدة نازي كريمى:


  *  المرأة والحرب الناعمة:
استطاع الإسلام إخراج المرأة من دياجير الجهل والظلم والغبن اللاحق بها نتيجة نظرة المجتمع إليها إلى منارات العلم والمعرفة وإثبات الذات فأعطاها مكانة هامة بالحقوق والكرامة لا يمكن لأي قانون وضعي مهما بلغ تطوره وحداثته أن يهبها إياها، لكن ورغم كل هذا لا تزال المرأة المسلمة تعيش في واقع مؤلم غير واقعها فهل استطاعت أن تنال حقوقها كما نص عليها الإسلام؟ تحدثنا الباحثة الإسلامية نازي كريمى بالقول: "واقع المرأة العربية المسلمة يعكس واقع الإنسان في العالم اليوم، فالصراع محتد بين قوى الخير والشر، وباختصار فإن مفهوم "الحرب الناعمة" تختزل الحقيقة المُرّة التي تعاني منها البشرية في هذا العصر، فالمرأة المسلمة تعيش تحديات جمة حيثما حلت في العالم، وتتضاعف التحديات تجاه المرأة العربية المسلمة لأسباب عديدة منها أن الأمة العربية – ولأسباب معروفة- قد تكالبت عليها الأكلة، فأضحت المرأة الضحية الكبرى نظرًا لكونها المؤسسة الحاضنة للأسرة التي هي نواة المجتمعات، ولو سلطنا الضوء في غمار هذه الحرب الناعمة على حقوق المرأة العربية المسلمة فسنجدها في غالبها مسلوبة الحق بل ومنقادة رغمًا عنها، ولكن نفس الظروف تصنع في المقابل نساءً على وعي وبصيرة بما يجري على المستوى العالمي، وبالتالي هنّ على وعيٍ أشد بضرورة الالتزام بدورها الحقيقي والكفاح من أجل ذلك، والمؤسف أن أغلب الأجيال النسوية قد انطلى عليها الأمر وانزلقت في المستنقعات هنا وهناك باسم الحرية والمساواة، وأوضح دليل على أن المرأة العربية المسلمة باتت اليوم في حرب ومواجهة صريحة في مسألة الحقوق هو اتفاقية سيداو التي أبرمتها الأمم المتحدة مع الحكومات العربية المسلمة لتقدم نساءها على مقصلة دولية وعالمية؛ لذبح ما تبقى من الإنسانية في هذا القرن."

 هذا الواقع يفرض على المرأة الكثير من التحديات والعوائق تخبرنا عنها الأستاذة كريمى: "التحديات التي تواجهها المرأة العربية المسلمة في هذا الزمان أولها البصيرة، ثم المقاومة، وكلاهما مطلوبٌ تفعيلهما بمجرد تحصيل البصيرة، وأما العوائق فتبقى حاضرة كما هي؛ لأنها عنصر الصراع بين الحق والباطل، وهذه سنّة الحياة، فالحرب الناعمة قائمة وشاملة، ولابد من مواجهتها بحرب ناعمة أيضًا، ولكن تستند إلى الرؤية القرآنية الداعية إلى الحكمة."
وحول إلى أي حد تمتلك نساؤنا الثقافة الدينية الصحيحة في خضم التطرف والتشدد الذي نعيشه ترى بأنه وللأسف: "لا توجد إحصائيات صادقة تقيس حجم أو نسبة الثقافة الدينية الصحيحة، أو بتعبير أدق "أصيلة"؛ ولكن هناك مؤشرات على أرض الواقع نقرأ من خلالها نسبة ما تمتلكه المرأة العربية المسلمة من ثقافة دينية أصيلة، فعلى سبيل المثال أثبتت المرأة العربية المسلمة في بعض المجتمعات، هنا وهناك، وخاصة بعد ما يسمى بـ "الربيع العربي" أنها على بصيرة عالية واستعداد للمقاومة حتى لو كان على سبيل التبعية لرؤى مطروحة من قيادات دينية تتصدى لحماية المجتمع  ووقايته أو للدفاع عنه. ولا أريد هنا أن أحدد جنسية أو دولة لأن هذا الفهم وهذا الوعي وهذه البصيرة أصبحت عالمية كما الحرب الناعمة نفسها، إذ يعيش الإنسان في القرية العالمية الصغيرة المحاصرة بقوى التكنولوجيا وعمّالها. هذه الثقافة الدينية الأصيلة، في حد ذاتها  هي التي تصون المجتمع النسوي من الوقوع في التطرف أو التشدد الذي تعاني منه مجتمعاتنا بشكل واضح كالشمس الساطعة. كما أن الواقع أبرز لنا أن نسبة غير قليلة من النساء وقعن في براثن هذا التطرف الفكري واللاديني، وهن بحاجة إلى خطط ممنهجة للتصدي لهن  والمواجهة، وللأسف حاليًّا نحن بحاجة لخطط علاجية بسبب تداعيات المد الداعشي الذي هيمن على الأراضي والعقول، إذن نساؤنا بحاجة ماسة للثقافة الدينية الصحيحة "الأصيلة" لمواجهة التطرف في كافة مواقعه."

هذه المقاومة والمواجهة والبصيرة التي تحدثت عنها الأستاذة نازي كريمى للحصول عليها تتطلب دورًا بارزًا ومهمًا للإعلام ولكن السؤال الكبير هل أنصف الإعلام المرأة؟ تقول: "الإعلام العالمي لم ينصف الإنسان ولم يقدم له الحقيقة كما هي، ولم ينقل الواقع المطلوب نقله؛ لذا فهو إعلام مزيف بنسبة عالية جدًّا، والمرأة يشملها الحال، بل إنها تغدو أكثر تضررًا نظرًا لأهمية دورها وحساسيته، فالمرأة هي الأم الحنون، وهي المربية المخلصة، وهي الملاذ الآمن، وهي العش الدافئ، وهي .. هذا الدور الحساس والدقيق كما الشريحة الالكترونية في قبال الأجهزة العملاقة، يجعلها كالسلاح ذي الحدين، فكما أنها تصبح أشد عرضة للتخريب والإفساد والتعطيل بسبب وسائل الإعلام المزيفة والكاذبة والخادعة؛ فإنها أيضًا الأشد قدرةً على التحسس والتعرف على هذه الخدع بما تمتلكه من قلبٍ سليم بالفطرة التوحيدية، وإيمان صادق بالقوة المطلقة، وبما تبادر إليه من عمل مباشر في دفع المفاسد وجلب المنافع. وأما الإعلام الصادق فهو قليل، ولابد من تنميته وتوسعته، وحتى لو لم يبلغ مثل ضده فإن الحق مكتوب له أن يسحق الباطل ويذهب به جُفاء كما الزَبد في البحر المتلاطم موجه. ويبقى أن نؤكد على أن إعلامنا لا يزال بحاجة إلى أن ينصف المرأة أكثر وأكثر فضلًا عن إنصاف المرأة لنفسها في الإعلام. فلو يتم توظيف طاقات المرأة المؤمنة في صناعة إعلام تربوي فستكون هي المربية للعالم عبر الإعلام، كما هي في البيت الصغير."


* المرأة بين التقليد والحداثة:
كثر يعتبرون بأن المرة هي عدوة نفسها وبأنه لا يمكن لإمرأة أن تدعم أخرى بسببب الغيرة والحسد ولأن المرأة لا يمكنها أن تتقبل فكرة وجود امرأة أخرى أفضل منها. عن هذا الأمر تقول الأستاذة كريمى: "كون المراة عدوة لنفسها ليست قاعدة، ولكنها حالة عامة تعتري البشر عندما يبتعد عن الفطرة السليمة ويستجيب للتوجهات الشيطانية. ولكن هناك مجتمعات ربت المرأة على هذا النوع من التفكير ورسخت فيها هذا الشعور فتحول إلى شبه الظاهرة، وهذه واحدة من التحديات والعوائق الجلية التي يجب استبدالها بواسطة المرأة نفسها لكونها المربية للأسرة بأكملها. ومن جهتي أعتبر مثل هذه المقولات محاولة من المحاولات المتكررة لبرمجة المجتمعات نحو تحقيق أهداف خفية لقادة الحرب الناعمة، فعلينا أن نقاومها باستبدالها بالقيم الفاضلة التي جاء الإسلام ليتممها."
لربما يجمع النساء المسلمات حول العالم الكثير من النقاط ولربما هناك بعض الاختلافات الناشئة عن اختلاف البيئة عن الاتجاهات الفكرية والعادات والتقاليد المسيطرة في كل بلد، ورغبة منّا بالتعرف أكثر على المرأة البحرانية تحدثنا الأستاذة نازي كريمى فتقول: "في نظري أن المرأة وخاصة المسلمة تعيش في العالم حالة واحدة مع فوارق تختص بها في حدود مجتمعها وثقافتها، فالمرأة البحرانية تختص بجملة من السمات التي تميز الإنسان في إطار أرضه ومجتمعه وثقافته، إن المرأة البحرانية لا تزال تحتفظ بهذه الخصوصيات رغم الهجمات المتتالية من مختلف التيارات ورغم العواصف الفكرية التي تحيط بالعقول من تجديد وحداثة أو تقليد وتقديس وغيرها.

وبناءً على الاتجاهات الثلاث "الإسلامية" في العصر الحاضر والتي يطرحها بعض المفكرين الإسلاميين، وهي تبدو فعلًا موجودة بجلاء في المجتمعات الإسلامية، فإن المرأة في البحرين تعيشها أيضًا. فالاتجاه التقليدي كان هو الغالب وأخذ ينحسر في قبال الاتجاهين الحداثي التجديدي والاتجاه الحضاري. كما أن المرأة البحرانية تعيش الحالات أو الاتجاهات الثلاث مع نوع من التداخل بينها، حالها حال الرجل. ولكنها تتميز بخصوصيتها في التواضع وعدم الحرص على الظهور الإعلامي إلا في الضرورات القصوى. ويصاحب ذلك صفتا العفة والحياء على الطريقة البحرانية، فالمرأة البحرانية لا تزال حريصة على هذه السمات وتعتبرها موروثًا ثقافيًّا نابعًا من الفطرة السليمة والعقيدة والإيمان، وبالتالي لابد من نقله للأجيال عبر مختلف الجسور. ومن إنجازات المرأة البحرانية الحضور في المحافل الفكرية والثقافية والحقوقية والإعلامية حتى نالت العديد من الجوائز والمراتب الأولى وظلت مع كل ذلك حريصة على عنصري العفة والحياء، بعيدًا عن الصخب الإعلامي والظهور المساوق لما يفرضه السوق العالمي والإعلامي، المنافي لما اعتاده مجتمعها. ولا تزال تحمل من الطموحات والأمنيات التي تتطلب منها الجد والاجتهاد."

بما أن الإسلام أكرم المرأة وأعطاها حقوقها لماذا نجد بعض المجتمعات تمنع المرأة من التعلم والعمل؟ وهل أن العلم والدين يختلفان مع بعضهما؟ ترى الأستاذة نازي كريمى: "العلم والدين، إن اختلفا فهذا يعني أن أحدهما مزيف، ونحن نؤمن أن الإسلام المحمدي هو الدين الإلهي الكامل والخاتم والخالد والمصون عن الانحراف، والمستقبل هو لهذا الدين فسيحكم الإسلام المحمدي العالم كله، لذا فالدين هو الحياة، والإسلام يحترم العلوم التجريبية بل ويدعو إليها طالما لم تضرب بالأصول والفروع. ولكن جانب كبير من العلم في زماننا بلغ مبلغًا تجاوز فيه الأخلاق تحت دعوى الحرية فأصبح العلم ضد الدين وللأسف هذه ظاهرة يتم العمل عليها وإدارتها بأيد خفية، فالغرب نفسه عاش تجربة دينية سوداء بسبب الكنيسة المنحرفة عن الإنجيل الأصلي، وبالمثل اليهودية، لذا لجأت مع الوقت إلى العلم البشري المحض بل وأخذت تتدخل في رسالات السماء باسم الحرية، وباختصار أصبح الإنسان هو المحور وليس الله جل جلاله! "
وبالانتقال للحديث عن الأمراض المجتمعية التي فتكت بأسرنا وكيف يمكن تحصينها من هذه الأمراض تقول الأستاذة نازي كريمى بأنه في: "علم طب الأبدان يحصن الإنسان من الأمراض بطرقه الخاصة والتي تتناسب مع تكوين الجسم، وهكذا العقول والأرواح تحتاج إلى طبيبها، ولا طبيب مثل خالقها وبارئها، العالم بصلاحها، والمشرّع لما يقيها من الأمراض الشيطانية، لذا فالحصانة من الأمراض المجتمعية تكون بالعودة إلى الثقلين، كتاب الله وعترة نبيه صلوات الله عليهم أجمعين، فمثلًا هناك ثلاثة جسور يجب أن تمتد في الأزمنة الثلاث بين البيت والمدرسة والمسجد، باعتبارها ثلاث بيئات تربوية وتعليمية أساسية في حياة الإنسان، تحقق الهدف من بعثة الأنبياء عليهم السلام وهي التزكية والتعليم."

وحول المؤتمرات الخاصة بالمرأة وإلى أي حد فعلًا أفادت قضايا المرأة تقول: "المؤتمرات محافل وغرف للتفكير والتلاقح، وأثبت التاريخ أنها تؤتي أُكُلها ولو بعد حين، ومؤتمرات المرأة المسلمة حققت للمرأة المسلمة نسبة عالية من الأمل في التغيير، ومنحتها الثقة أكثر في أهمية دورها في المجتمع، وبالتالي دفعت بالمرأة نحو المزيد من العمل والنشاط الممنهج. وأما مؤتمرات المرأة التي تقيمها الحركات النسوية فهي رغم كل ما تدعيه من إنجازات في صيانة حقوق المرأة إلا أنها وللأسف أفسدت واقع المرأة عالميًّا."
أما بالنسبة للجمعيات النسوية وعملها لقضايا المرأة فترى الباحثة الإسلامية نازي كريمى: "الجمعيات النسوية التابعة للحركة النسوية العالمية هي كيانات تهيمن عليها القوى العالمية بعد أن نجحت في استقطابها واحتضانها عبر برامج الأمم المتحدة خاصة، وهي التي صنعت بيدها اتفاقيات عالمية مثل سيداو، والمطلوب من الجمعيات النسوية الإسلامية أن تواجهها وتتحد في كيان نسوي إسلامي عالمي له ثقله في الأمم المتحدة لتثبت لهم وللعالم ووفق قوانينهم بأن المرأة في العالم ليست غائبة بل تمتلك الفهم وقادرة على صيانة نفسها وأخواتها بقوانين تنسجم مع الفطرة السليمة، والأخلاق الكريمة.  "
وعن طموحها ومشاريعها المستقبلية تقول السيدة نازي كريمى: "أطمح لواقع إسلامي عالمي للمرأة، تتبوّأ فيه مكانتها الحقيقية، وتقدم عبره عطاءاتها البنّاءة لتنمية العالم وتَقَدُّمه في أمة واحدة. أما بالنسبة لمشاريعي فالمشروع الذي لا يتوقف هو طلب العلم والمعارف الإلهية، ويصاحبه العمل في الميادين النسوية".

وهي تنصح الفتيات الشابات اللواتي يتأثرن بنموذج المرأة الغربية ويرفضن الحجاب: "أنصحهن كما نصحت ابنتي، أن تلجأ إلى العلوم الحقيقية لتعرف الحسن من القبيح، والصواب من الخطأ، والحق من الباطل، وأن تهتم بقضاياها، قضايا المرأة، حتى تتمكن من أداء الدور المطلوب منها في الوجود، وبالتالي ستعرف أن الحجاب صيانة لها ولمجتمعها، وتكريم لعقلها، فالمرأة المحجبة تقول بحجابها للعالم أن تعاملوا مع عقلي حتى أنتج، لا مع أنوثتي، فالأنوثة جوهرة ثمينة تختص بها المرأة مع شريك حياتها. كما أنصحها أن تقرأ تاريخ المرأة الغربية منذ عصر الرومان واليونان حتى اليهودية والمسيحية إلى عصور الظلام ثم التنوير الذي انتهى إلى الحضارة الغربية المزيفة التي حررت المرأة حتى صارت تتزوج بالكلاب."

وعن دور الرجل، أو بالأحرى كيف يمكن أن يتخلص من عقدة السلطة الذكورية ويكون داعمًا للمرأة تقول: "أنا لا أعول على الرجل في الأساس، إلا في حدود معينة، لأني كامرأة أعتمد على المرأة، وأؤمن بأنها تمتلك قوة خفية وناعمة تستطيع بها أن تغير العالم. ولكن لابد أن أقول أن المرأة إذا عرفت دورها وتمكنت منه، وحرصت في الوقت نفسه على أن يلتزم الرجل بدوره، فإن النتائج ستكون تلقائيًّا إيجابية، فيسد كل واحد منهما نقص الآخر. وأما عقدة السلطة الذكورية فهي كمثيلاتها من المفاهيم المغلوطة التي يتم ترويجها لبرمجة المجتمعات نحو أهداف قادة الحرب الناعمة، كما ذكرنا سابقًا عن مفاهيم باطلة مماثلة تتصل بالمرأة."

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة