لقاءات

الدكتور إبراهيم العاتي: السيدة زينب تحملت من المصائب والمحن ما لا يحتمله الأقوياء من الرجال


نسرين نجم ..

لها أكثر من 60 لقبًا منها: نائب الزهراء، مليكة النساء، سيدة العقائل، الفصيحة، البليغة، الكاملة، العابدة، الفاضلة، العارفة، الصابرة، وعظيمة البلايا. ارتبط اسمها بالصبر والاستقامة في مواجهة الصعوبات، فهي النموذج للثبات والشجاعة، وضمن أجواء وفاة عقيلة الطالبيين سيدتنا ومولاتنا زينب سلام الله عليها أجرينا حوارًا مع عميد الدراسات العليا في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن سماحة الشيخ الدكتور إبراهيم العاتي:


* المكانة السامية للسيدة زينب (ع):
تنفرد السيدة زينب (ع) بخصائص شخصية جعلت لها هذه المكانة السامية في قلوب ووجدان الموالين والمحبين، هذه الخصائص والعظمة التي تتمتع بها تدفعنا للسؤال عن سرها فيجيبنا سماحة الشيخ الدكتور إبراهيم العاتي: "بداية شكرًا لشبكة فجر الثقافية على هذا اللقاء الذي يخص ذكرى وفاة عقيلة بني هاشم السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين الإمام علي (ع)، مهما تحدثنا عن خصائص سيدتنا ومولاتنا العقيلة  زينب (ع) ومميزاتها الشخصية، فإننا لن نستطيع أن نوفيها حقها، لأن لها جانبًا ظاهرًا تحدث عنه المؤرخون مما سمعوا به أو شاهدوه أو استنتجوه، ولكنّ هناك جانبًا عميقًا لا نستطيع سبر غوره، ويبقى سرًّا من أسرار العترة الطاهرة من أهل البيت النبوي (عليهم السلام). أما أهم خصائص هذه السيدة العظيمة فتتمثل في قوة شخصيتها وتحديها لجبروت الطغاة وصبرها على المكاره، وعدم اليأس والإحباط، وتوكلها على الله وحده لأنه هو الذي سيأذن بالفرج في نهاية المطاف. وتلك أمور تعلمتها من جدها رسول الله (ص) وأبيها علي وأمها الزهراء وأخويها الحسن والحسين (عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأزكى التسليم). ومواقفها في كربلاء أمام عصابة البغي والضلال التي أحاطت بالإمام الحسين (ع)، أو في مواجهة الطاغية ابن زياد والطاغية يزيد جعلت لها تلك المكانة السامية في نفوس المسلمين.".

استطاعت السيدة زينب سلام الله عليها أن تكسر الأفكار البالية حول المرأة وكونها إنسانًا مهمشًا لا قيمة لها، واجهت ذلك انطلاقًا من تعاليم الدين الإسلامي فنجحت بإظهار المرأة بأنها كائن عظيم وحوله يتمحور الوجود وهذا ما يحدثنا عنه الدكتور العاتي بالقول: "الإسلام ساوى في الإنسانية بين المرأة والرجل، فكانت الزهراء فاطمة (ع) أم أبيها، كما قال رسول الله (ص) وهو يحاول كسر العادات الجاهلية التي تنظر إلى المرأة نظرة دونية، وكانت ابنته الزهراء (ع) قدوة للمرأة المسلمة، وكذلك كانت السيدة زينب (ع)، طودًا شامخًا تحملت من المصائب والمحن ما لا يحتمله الأقوياء من الرجال!.. وفي فترة السبي كانت ترعى الأرامل والأيتام وتحنو عليهم في موقف إنساني مبهر، على الرغم من الجلاوزة المجرمين الذين كانوا يحيطون بهم والذين تخلوا عن إنسانيتهم."
وانطلاقًا من عظمتها عُرف عن عقيلة الطالبيين بأنها كانت عالمة غير معلمة، وهذا الميزة تحمل الكثير من القيم يورد بعضها الدكتور العاتي: "روي عن الإمام السجاد علي بن الحسين (ع) أنه قال لعمته زينب (ع): ((يا عمّه، أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة، وفهمة غير مُفهّمة)). إن هذه الجملة المهمة تدل على أن علم مولاتنا زينب الكبرى لم يكن علمًا اكتسابيًّا بل كان علمًا لدنيذًا ملكوتيًّا خالصًا خص به الله الأوصياء والأئمة المعصومين (ع)، وليس ذلك بالكثير على هذه السيدة الجليلة التي استمعت إلى جدها رسول الله (ص)، وأبيها علي (ع)، وأمها الزهراء (ع) والحسنين (ع)، وروت عنهم. وكان عبدالله ابن عباس إذا روى عنها رواية يقول: (حدثتنا عقيلتنا زينب بنت علي). كل ذلك يدل على المكانة العلمية السامية لهذه السيدة الجليلة، وللعلم قيمة كبرى في الإسلام."

مما لا شك فيه بأنه كان للسيدة زينب (ع) الدور البارز الهام في المجال الاجتماعي، هذا الحيز المغيب من أذهان الكثيرين الذين وللأسف ربطوا اسم الحوراء (ع) فقط بالبكاء: "لقد أدت السيدة زينب (ع) دورًا اجتماعيًّا مهمًّا، سواءً قبل واقعة كربلاء أو أثناء حصولها أو بعد ذلك. ففي أيام خلافة أبيها سيد الوصيين علي (ع) وإقامته في الكوفة، رأت نساء الكوفة في السيدة زينب (ع) صورة لكمالات أمها الزهراء (ع)، فرجونها أن تدرسهن القرآن فخصصت لهن درسًا صباحيًّا، تفيض فيه من علومها ومعارفها، وتبقى قريبة من المجتمع ومشكلاته. أما أثناء واقعة الطف فقد كانت العين الساهرة على أخيها الإمام الحسين (ع) والتأكد من ثبات أصحابه وقتالهم دونه، أما بعد الواقعة الأليمة والجريمة الكبرى التي ارتكبها الأمويون وأراذل عملائهم في الكوفة، بقتلهم لسبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (ع) وأخوانه وأبنائه وأصحابه، فتحتاج إلى العديد من الصفحات لاستيفائها، ولكن حسبنا الإشارة إلى رعايتها لأرامل وحفيدات البيت النبوي اللاتي ينقلهن الأعداء من بلد الى بلد، وفضحها لما ارتكبه الحكم الأموي من جرائم تقشعر منها الأبدان في كربلاء الشهادة، بحق الإسلام ونبي الإسلام وعترته الطاهرة، وكأنه يصفي حسابات ثأر حاول أن ينفذها ضد النبي (ص) قديمًا وفشل، فأفرغ حقده القديم ضد أهل بيته وأقرب المقربين إليه... وطاغيتهم كان يردد بوقاحة متشفيًّا، والرأس الشريف أمامه: ليت أشياخي ببدر شهدوا...جزع الخزرج من وقع الأسل ...الخ. لكن بطلة كربلاء كانت له بالمرصاد حينما كشفت زيف كلامه في خطبتها الشهيرة (فكد كيدك واسع سعيك...) ".

في خطبتها (ع) أمام يزيد نقف عاجزين أمام وصف بلاغتها وفصاحتها فهي تحمل الكثير من الدلالات حول هذه النقطة يذكر الشيخ العاتي: "بلاغة العقيلة زينب (ع) نابعة من فصاحة وبلاغة أبيها وأمها وجدها رسول الله (ص) الذي كانت معجزته (القرآن وبلاغته)، وقد تحدى قومه أن يأتوا بآية من مثله فعجزوا، والقرآن كان يتنزل في بيت الرسول (ص) وأهل بيته (ع) فتشبعوا بالقرآن ووردوا من نميره العذب. فكانت بلاغة السيدة زينب وفصاحتها صادرة من قلب حفظ القرآن ووعاه وأدرك أسراره، لأن القرآن أعلى وأرقى نص في ذلك الحين وفي كل حين".
وكون الشيخ الدكتور إبراهيم العاتي عميد الدراسات العليا في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن فهو يعمل على نقل الثقافة الزينبية لدى الطلاب فيقول: "على طلبتنا أن يعلموا أن يوم كربلاء هو حدث تاريخي معيّن حصل في يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، لكنه لم ينته عند هذا اليوم أو ذلك العام، كما هو حاصل مع الكثير من حوادث التاريخ، لأنه يحمل دروسًا في القيم والمبادئ يتكرر مضمونها في كل عصر وإن اختلفت الأمكنة والأزمنة والأشخاص، والإمام الحسين (ع) وأخته زينب (ع) كانا يهدفان لإحقاق الحق وطلب الإصلاح ومحاربة الظلم والعدوان، والعسف والطغيان، وهذا مسائل تتعلق بالإنسان ووجوده في كل عصر وكل مصر".

وبكلمة أخيرة للجيل الناشئ لتحفيزهم للنهل من ينابيع ثقافة آل البيت سلام الله عليهم: "نصيحتي للشبان والشابات أن يقتدوا بأخلاق الحسين وأخته العقيلة، وأن يعملوا بما كانا يريدان القيام به، وكربلاء كنز من القيم النبيلة التي ترتقي بالإنسان في مدارج الكمال كالتضحية والإيثار والثبات على المبدأ وغير ذلك، لأن الحزن وحده غير كاف، ناهيك عن الإفراط فيه.".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة