لقاءات

هدى الماجد: الرعاية لا تعني التربية


نسرين نجم

تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل العمرية وأكثرها حساسية لما تتضمنه من بناء لشخصية الفرد، ولنمو القدرات ولتفتح المواهب.. فطفل اليوم هو صانع المستقبل وثروة الأمة ودعامة أساسية في بناء مجتمع الغد.. لذا تحتاج هذه المرحلة إلى عناية واهتمام ورعاية بالغة الأهمية لنستثمر هذه الطاقات مستقبليًّا بالطريقة الصحيحة.. حول واقع الطفولة في عالمنا العربي وحول مفاهيم التربية وبعض القضايا السلوكية أجرينا هذا الحوار مع الاستشارية التربوية والسلوكية هدى الماجد:


* الرعاية لا تعني التربية:
واقع الطفولة في العالم العربي واقع مرير ومهمش، لم تولِه الحكومات الأهمية اللازمة رغم أبعاد هذه المرحلة العمرية في بناء صنّاع المستقبل وتقدم دولنا على أيدي أطفال اليوم رجال الغد، عن حال الطفولة تقول الأستاذة هدى الماجد: "لا نستطيع أن نتغاضى عن حال الطفولة في الوطن العربي مهما تظاهرنا أو غلب علينا أسلوب الحياة المتحضر وعجلة العمل السريعة، فما زال العديد من الأطفال يعيشون تحت مستوى خط الفقر مما يحرمهم من حق العيش الحقيقي لمرحلة الطفولة واستحقاق العيش الكريم بما يساعد في نمو الطفل على الصعيدين الجسدي و الفكري". هناك الكثير من القضايا المتعلقة بالطفولة والتي تم التغاضي عنها أصبحت الآن من المشاكل الكبيرة إحداها تربية الطفل، ما بين التربية التقليدية والحديثة أي تربية تنصح بها الأستاذة هدى ماجد: " كما جاء في الحديث أولادكم خلقوا لزمان غير زمانكم... لذلك نجد أنه من الصعب الاعتماد على أسلوب واحد محدد في التربية خصوصًا وأن عملية التربية عملية تراكمية تتداخل فيها العديد من العوامل بما يتعلق بشخصية الطفل وطبيعة الموقف وكذلك السلوك، ولكن بالتأكيد هناك خطوط عريضة وقواعد ذهبية تعتمدها السلطة الضابطة في الأسرة لا يمكن أن يتغافل عنها إلا في حدود ضيقة جدًّا".
للحصول على التربية السليمة لابدّ من وجود أهلٍ واعين ناضجين يدركون حجم المسؤوليات التربوية الملقاة على عاتقهم، ولكن هل الأهل فعلًا يدركون معنى التربية؟ تقول الماجد: "لا نستطيع التعميم في هذا المجال ولكن من واقع التعامل مع الوالدين في مجال الاستشارات السلوكية والتربوية نجد أنه ليس الكثير من الآباء والأمهات ممن يأخذون موضوع التربية بجدية، فما زال هناك الكثير ممن لا يفرق بين الرعاية والتربية وشتان بينهما فالرعاية تتضمن الاهتمام بتوفير المأكل  والمشرب والملبس للطفل، أما التربية فتمتد لما هو أعمق وأبعد من ذلك.. فتطال تفكير وإدراك وأخلاقيات الطفل وعلاقاته الاجتماعية وفهمه لذاته ومساعدته على التأقلم مع واقعه وظروفه الاجتماعية وهواياته وصداقاته وقدوته وغيرها الكثير".

ولا يخفى على أحد المنافسة الشديدة على التربية من قبل الآيباد والألعاب الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي لدور الأهل الذين في الكثير من الأحيان لا يعرفون كيف يمكن أن يقننوا ويضبطوا العلاقة بين الطفل وهذه الوسائل: "وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية بكل أسف استطاعت أن تقتحم عالم الطفل في وقت مبكر جدًّا مؤثرة سلبًا على حق الطفل في اللعب التفاعلي الجماعي والواقعي الذي يتيح للطفل الفرصة في تطوير مهاراته الحياتية من خلال التجربة والمشهد الحقيقي للحياة.... وبكل أسف بسبب عدم تحكم الوالدين في توقيت إدخال هذه الأجهزة لعالم الطفل وعدم تقنين ساعات استخدامها وانتقاء المواقع والأشخاص الافتراضيين والموجودين على الشاشات فقد أصبح التأثير يأخذ الاتجاه السلبي أو المنحى غير المرغوب به.. لذا يتحتم على كل أب وأم الجلوس على طاولة الحوار وعمل اتفاقية واضحة حول توقيت إدخال هذه الأجهزة والتدقيق في محتواها وكيفية جعلها أداة فاعلة مساعدة في التربية الإيجابية".
مقابل الألعاب الالكترونية والآيباد لا يمكن أن ننكر أو أن نلغي دور اللعب وقيمته في تشكيل شخصية الطفل ولكن ليس أي لعب: "يشكل اللعب للطفل أهمية عظمى فهو بمثابة العمل الحقيقي له، وعندما نتكلم عن اللعب فبالتأكيد نحن نتحدث عن اللعب الذي يستخدم فيه الطفل حواسه الخمسة وخياله أثناء لعبه، وذلك لا يتحقق إلا بعوامل مساعدة كثيرة كوجود أشخاص حقيقيين يتفاعل ويلعب الطفل معهم، وبوجود مواد أو ألعاب تثير فضول الطفل بما يتناسب مع خصائص النمو للطفل ووفق علم نفس النمو كذلك."


*  العنف مع الأطفال لا يولد إلا العنف:
بعض من الأهالي يفهمون التربية بأنها تأديب الطفل عبر الضرب وتهذيبه عبر الكلام النابي والقاسي وبكلا الحالتين هناك تدمير لشخصية هذا الطفل لذا تقول المستشارة هدى الماجد: "نحن لا ننصح باستخدام العنف الجسدي أو اللفظي أو النفسي على الطفل في أي مرحلة من مراحل الطفولة ولا حتى المراهقة أو الشباب ونتكئ في ذلك على المعايير الشرعية الإنسانية والأخلاقية، واستخدام أسلوب العنف لن نحصد من وراءه إلا العنف".

لذا من المهم جدًّا استخدام مفهومي الثواب والعقاب بعيدًا عن العنف وعن هذا تقول الأستاذة هدى الماجدة: "مفهوم الثواب والعقاب بكل بساطة هو الحقوق والواجبات، فالحياة برمتها هي أخذ وعطاء وبالتالي يجب زراعة ذلك في عقل الطفل منذ نعومة أظافره، فيجازى الطفل على ما يقوم به من سلوكيات حسنة وإن كانت متواضعة  أو بسيطة مع ضرورة أن لا نعتمد في المكافأة على المكافآت المادية بصورة مستمرة، وفي حال السلوكيات غير المرغوبة فقبل العقاب يجب أن ندرك جيدًا  ثقافة احترام الخطأ والتفسير المنطقي للطفل والتهيئة قبل العقاب والذي يجب أن يكون بعيدًا جدًّا عن الأذى الجسدي والنفسي على الطفل".
انطلاقًا من عملها كاستشارية تربوية وسلوكية تواجه السيدة هدى الماجد الكثير من المشاكل تحدثنا عنها بالقول: "العديد من المشاكل السلوكية تمر علينا في واقع العمل بالاستشارات والتوجيه والإرشاد، ولعل أبرزها المشاكل السلوكية التي تتعلق بمفهوم الطفل العنيد أو العصبي أو الانطوائي أو الخجول وغالبًا ما ترجع تلك إلى عوامل أساسية كالاستعداد النفسي للطفل لتقبل الضغوطات والظروف الأسرية المحيطة كانفصال الأبوين والتفكك الأسري بينما هناك حالات أو اضطرابات معينة والتي ترجع إلى أسباب جينية أو نمائية وساعدت العوامل البيئية بشكل أو بآخر في ظهورها أو إبرازها". أما كيف نحمي أطفالنا من الانحرافات السلوكية ترى الأستاذة الماجد بأن: "هذا السؤال مهم جدًّا، ولعل الإجابة تكمن أولًا في حماية الأطفال منا نحن، فاعتماد الوالدين أسلوب التربية المتفهم والذي يعتمد على الاستمرارية والثبات والحوار والمنطق في التعامل مع الطفل، فمتى ما كانت العلاقات الأسرية سليمة متى ما كانت قابلية حدوث الانحرافات السلوكية ضعيفة  وإن حدثت فغالبًا ستكون بما تكون وفق المرحلة والحالة الآنية التي يمرها بها الطفل أو وفق تأثيرات وقتية ولكن سيتمكن الطفل من تجاوزها خاصة إذا كان الأهل من النوع الذي يعتمد على مبدأ مهم وهو التقبل للطفل بجميع حالاته.."

أما بالنسبة للسؤال الكبير الذي يطرح كيف يمكن أن نجعل من أطفالنا سعداء تُجيب الأستاذة هدى الماجد: "الأطفال هم مصدر السعادة والحيوية والنشاط والبراءة، متى ما سعدوا سعدنا نحن، متى ما ارتسمت البسمة على محياهم ارتسمت على وجوهنا، إن تواجدوا في أي مكان أشاعوا الفرح والسرور والبهجة،  فلا نبخل أبدًا ولا نتوانى في إسعادهم".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة