قراءة في كتاب

الفكر الإسلامي على ضوء القرآن الكريم


ربى حسين

كتاب الفكر الإسلامي على ضوء القرآن الكريم، ضمّ سلسلة محاضرات للإمام الخامنئي لفهم آيات الوحي الإلهي، في قالب من التّفكّر والتّدبّر، يبرز لطائف ومعارف الاعتقاد، التّربية، علم الاجتماع، وحتّى السّياسة. وهنا يرتدي كتاب اللّه ثوبه الجمالي ويكشف عن بريقه العلوي وأناقته الإعجازيّة، فالمضمون يتناسب والرّؤية الدّينيّة الشّاملة وهذا ما يحتاجه شبابنا المثقّف لزيادة ثقته واعتقاده بانتمائه الفكري إلى الإسلام المحمدي الأصيل.

الإيمان المعطاء وبشائره
جمعت الآيات المرتبطة بالإيمان والمؤمن في ما يقارب السّبعمائة آية، وقد عرّف سماحته الإيمان على أنّه ما وقر في القلب من ارتباط فكري وعقيدي ونفسي، مقرون بالالتزام الثّابت والدّائم، والعمل الصّادق. وقد استهلّ الحديث ضمن هذا الإطار باعتبار الإيمان لله ورسوله موجبًا لرحمته تعالى، هذا الإيمان المبني على التّقوى الفطريّة الّتي تنتج: "مغفرة من ربّكم وجنّة". هذا الغفران يعني التئام جرح وملأ فراغ، إذ أنّ روحكم مثل جسمكم ينزل بها جرح مع كلّ ذنب، وكلّ ذنب يعيق الرّوح خطوة عن الحركة على طريق السّمو والكمال.
وقد أعطى للإيمان صفة: "الإيمان المعطاء"، إذ أنّه مع كلّما كان التزام وتطبيق أدق للإسلام ومن ثمّ الإيمان كلّما كان أكثر عطاءً. وقد تطرّق المحور الأول أيضًا إلى صفات المؤمنين المذكورة في القرآن الكريم، كالمنفقين في السّراء والضّراء بما يسد حاجة حقيقيّة، الكاظمين الغيظ، العافّين عن النّاس، والمصلحين لذات بينهم. ومنهم التّالون لكتاب اللّه من أجل فهمه بهدف تقوية الإيمان"وإذا تليت عليهم آية زادتهم إيمانًا".
أتى البحث على ذكر بشائر الإيمان الّتي قاربت الأربعين بشرى، والمفضية للسّعادة وزيادة عزم المؤمن وثقته. كما ووقف عند بشرى الهداية وبشرى النّور والانتصار على الوسوسات الشّيطانيّة الدّاخليّة، كما الأعداء الخارجين عن الإسلام وتعاليمه. فصّل سماحته مسألة الاطمئنان المتمثّل بثبات روح الإنسان وقلبه، السّكينة المتمثّلة بثبات هذا القلب، وأخيرًا الأمن الرّوحي من أيّ تزلزل وقلق يساور الإنسان.

التّوحيد ركيزة المجتمع الإسلامي
المحور الثّاني من الكتاب خصّص للحديث عن تقارب التّوحيد في إطار إيديولوجيّة الإسلام، أي في إطار المنظومة العمليّة للدّين المبين. كما وتناول التّوحيد في إطار نظرة الإسلام إلى الكون والحياة، استنادًا إلى آيات القرآن. كان أوّلها آية الكرسي الّتي تقر أنّ اللّه لا إله إلّا هو، ومن ثمّ تعرج على الصّفات التّوحيديّة لله تعالى الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا أحد يشفع عنده لأحد إلّا بإذنه تعالى.
أكّد سماحته في بحثه هذا على أنّ المجتمع الموحِد يضمن أهم المسائل الحياتيّة مثل الحكومة، الاقتصاد، العلاقات الدّوليّة والاجتماعيّة. وهذا يعني أنّ الحق لله وحده في أن يكون مهيمنًا على حياتنا الاجتماعيّة كما الفرديّة. الله وحده يعني أنّ المال مال الله جعلها ودائع عند النّاس، والله وحده يعني كلّكم من آدم وآدم من تراب وكرامة الإنسان تبعًا لتقواه. فالله عزّ وجل بعث الإسلام ليخرج من يشاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدّنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
وفي الفصل الأخير من هذا المحور وقف الكتاب عند الآثار الإيجابيّة للتوحيد في المجالات النّفسيّة والرّوحيّة، في مقاربة تأمّلية لحياة البشر قديمها وحديثها، فيطوي الموحّد مسيره إلى ربّه بثبات وطمأنينة نفس: "الّذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما أصابهم القرح للذّين أحسنوا منهم واتّقوا أجر عظيم".

النّبوّة ومهمتها الرّساليّة
تناول البحث مسألة الحكمة من النّبوّة، فالأنبياء لا يأتون لمحاربة العقل بقوّة الوحي، بل يثيرون ما في عقول النّاس ممّا أودعها الله فيها من كنوز، فالله تعالى بعث النّبيّين مبشّرين ومنذرين. وعليه تكون الحكمة الأولى من النّبوّة هي التّبشير بالسّعادة الحقيقيّة للإنسان في هذه الدّنيا، وإنذارهم من النّار والعذاب في الآخرة وذلك وفقًا للكتاب وتعاليمه السّمحة.
وقد تطرّق السّيد الخامنئي إلى تفصيل البعثة في النّبوّة وتداعياتها داخل النّبي وفي العالم حين تلقى الرّسالة على الرّسول. فهذه الثّورة الّتي تحدث في حياة النّبي تؤدّي إلى تغيير اجتماعي أساسي نطلق عليه اسم الثّورة الاجتماعيّة في النّبوّة على أساس جديد وهندسة جديدة، وهي تكون مقدّمة ليرث الأرض الّذين استضعفوا في الأرض.

كما واعتبر أن الهدف الأسمى للأنبياء هو إيصال الإنسان إلى درجة متقدّمة من سموّه وكماله في قالب اجتماعي موحّد، يؤدّي إلى إصلاح مجتمع بأكمله وهدم نظام الشّرك الجاهلي وقيادة نهضة عظيمة في المجتمع بعيدًا عن الظّلم والتّمييز الطّبقي. فانتصار النّبوّة تاريخيًّا أدّى إلى تقدّم مستمر للبشريّة ودفع مسيرتها نحو حركتها التّكامليّة على الرّغم مما عاناه بعض الأنبياء من عوائق في تحقيق أهدافهم. وليبقى نداء الله: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين".

الولاية، "كلّ نفس بما كسبت رهينة"
عرّف سماحته الولاية ببعدها الدّاخلي ضمن الأمّة الإسلاميّة وبعدها الخارجي الّذي يربطها بالمجتمعات الأخرى. كما وتناول طبيعة المجتمع الّذي يقوم على الولاية ودوره في سمو الفرد الموالي وكماله الفكري والعقائدي. وختم الحديث بالتّشديد على أنّ العيش في ظل حكومة الطّاغوت لا يجب أن يدوم بل الأجدى أن يكون التّفكير في إيجاد دار للهجرة كما فعل الرّسول لمّا هاجر إلى المدينة، وذلك ضمن إطار ضرورة الحركة في العبادة، الإنفاق، والجهاد في سبيل الله لتكون هذه الحركة القيّمة من قيم مكانة المسلم في المجتمع. وأمّا من فصل طريقه عن طريق الرّسول والولي بعد أن تبيّن له مسير الهداية، واتّبع سبيلًا غير سبيل المجتمع الإيماني، فإنّه سيمنى بما اختاره هو من ولاية وسوء العاقبة. وهذا تعبير آخر لقوله تعالى:"اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة