مقالات

معنى إحصاء الأسماء الحسنى


السيد نعمة الله الجزائري

روى الشيخ الصدوق في (التوحيد) بسنده:
«..عن سليمان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
إنّ للهِ تباركَ وتعالى تسعةً وتسعين اسماً، مائة إلّا واحِداً، مَن أَحصاها دَخل الجنّة، وهي: اللهُ، الإلهُ، الواحدُ، الأحَدُ، الصّمَدُ، الأوّلُ، الآخِرُ، السّميعُ، البَصيرُ، القَديرُ، القاهِرُ، العَلِيُّ الأعلَى، الباقي، البَديعُ، البارِئُ، الأكرَمُ، الظّاهرُ، الباطِنُ، الحَيُّ، الحَكيمُ، العَليمُ، الحَليمُ، الحَفيظُ، الحَقُّ، الحَسيبُ، الحَميدُ، الحَفِيُّ، الرّبُّ، الرَحمنُ، الرّحيمُ، الذارِئُ، الرّزاقُ، الرّقِيبُ، الرّؤوفُ، الرائي، السّلامُ، المُؤمِنُ، المُهيمِنُ، العزيزُ، الجَبّارُ، المُتكبِّرُ، السّيِّدُ، السُّبّوحُ، الشّهيدُ، الصّادِقُ، الصّانِعُ، الطّاهِرُ، العَدْلُ، العَفُوُّ، الغَفورُ، الغَنِيُّ، الغياثُ، الفاطِرُ، الفَرْدُ، الفَتّاحُ، الفالِقُ، القديمُ، المَلِكُ، القُدُوسُ، القَوِيُّ، القَريبُ، القَيّومُ، القَابِضُ، الباسِطُ، قاضِي الحاجات، المَجيدُ، المَوْلَى، المَنَّانُ، المُحيطُ، المُبينُ، المقيتُ، المُصَوِّرُ، الكريمُ، الكبيرُ، الكافي، كاشِفُ الضّرّ، الوَتْرُ، النُّورُ، الوَهّابُ، النّاصِرُ، الواسِعُ، الوَدودُ، الهادِي، الوَفِيُّ، الوَكيلُ، الوارِثُ، البَرُّ، الباعِثُ، التّوّابُ، الجَليلُ، الجَوادُ، الخَبيرُ، الخالِقُ، خَيرُ النّاصرين، الدّيّانُ، الشّكُورُ، العَظيمُ، اللّطيفُ، الشّافي».

وروى الشيخ الصدوق أيضاً بسنده:
«..عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهرويّ، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام، قال: قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
للهِ عزَّ وجلَّ تِسعةٌ وتسعون اسماً، مَن دعا اللهَ بها استجابَ له، ومَن أَحصاها دَخَل الجنَة».
ثمّ قال الشيخ الصدوق: «إحصاؤها هو الإحاطةُ بها والوقوف على معانيها، وليس معنى الإحصاء عدّها».
هل «الأسماء» توقيفية؟
ذهب بعضهم إلى أنّ معنى الاحصاء عدّها، لأنّه المتبادر منه.
وقيل: المراد بإحصائها حِفظها، لأنّه إنّما يحصل بتكرار مجموعها وتعدادها مراراً.
وقيل: المراد ضَبطُها حصراً وتعداداً وعلماً وإيماناً وقياماً بحقوقها.

بقي الكلام هنا في أمور:
أوّلها: أنّ الأسماء الحسنى هل هي منحصرة في هذه المذكورات المنصوص على عددها وتعيينها أم لا؟ ..
قيل بالأول نظراً إلى لفظ الرواية، والمشهور هو الثاني، لأنّ أسماءه عزّ شأنه الواردة في الأدعية المأثورة والأخبار المروية ممّا تزيد على الأربعمائة، بل ربّما بلغت الألف إن اعتبرت الأفعال والمركّبات، ويؤيّده ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: «إنَّ للهِ أربعةَ آلاف اسم، ألفٌ لا يَعلمُها إلّا الله، وألفٌ لا يَعلمُها إلّا اللهُ والملائكةُ، وألفٌ لا يَعلمُها إلا اللهُ والملائكةُ والنبيّون، وأمّا الألفُ الرابِع، فالمُؤمنونَ يَعلمونَه، ثلاثمائة منها في التّوراةِ، وثلاثمائة في الإنجيلِ، وثلاثمائة في الزَّبورِ، ومائة في القُرآنِ، تِسعةٌ وتسعون ظاهرةٌ، وواحدٌ منها مَكتومٌ، مَن أحصاها دَخَلَ الجنّة».
وثانيها: أنّه إذا كانت الأسماء أكثر من هذا العدد، فما وجهُ الاقتصار عليه؟
فنقول: ذكر بعض العارفين أنّ مفهوم العدد ليس بحجّة، وأنّ الاقتصار عليها نظراً إلى عظيم ما يترتّب عليها من الآثار بالنسبة إلى ما لم يُذكر، وإن اشترك الكلّ في كونها أسماءً حُسنى، على أنّ التسعة والتسعين عددٌ وَتر، والله سبحانه وَتْرٌ ويحبّ الوَتر، لكن ينبغي أن يعلم أنّ الأخبار الواردة في تعديد هذه الأسماء التسعة والتسعين مختلفة، كما يظهر لمَن راجع الكتب المشتملة على الأسماء الحسنى، وحينئذٍ فهذا الثواب، أعني دخول الجنّة، ممّا يترتّب على إحصاء هذا العدد على موافقة أي خبر من الأخبار الواردة فيه.
وثالثها: أنّه هل يجوز اطلاق اسمٍ لم يرد فيه إذنٌ من الشارع عليه تعالى، أم لا؟
ذهب العلماء إلى أقوال ثلاثة، ثالثها التفصيل وهو جوازه في الصفات دون الأسماء، وهو لا يخلو من قوّة.

وقال شيخنا الشهيد نوّر الله ضريحه في أواخر (قواعده: 2/176): «إنّ ما تضمّنته الرواية من الأسماء المذكورة، كلّها ممّا ورد بها السمع، ولا شيء منها يوهم نقصاً، فلذلك جاز إطلاقها على الله تعالى إجماعاً، أمّا ما عداها فتنقسم أقساماً ثلاثة:

الأول: ما لم يرد به السمع ويوهم نقصاً، فيمتنع إطلاقه إجماعاً، نحو العارف والعاقل والفَطِن والذكيّ، لأنّ المعرفة قد تُشعِر بسبق فكرة، والعقل هو المنع عمّا لا يليق، والفطنة والذكاء يشعران بسرعة الإدراك لما غاب عن المدرك، وكذا المتواضع لأنه يوهم المذلّة، والعلّامة فإنّه يوهم التأنيث، والداري لأنّه يوهم تقدّم الشكّ.

الثاني: ما ورد به السمع، ولكن إطلاقه في غير مورده يوهم النقص، كما في قوله تعالى (آل عمران/54): ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ..﴾، وقوله (البقرة/15): ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ..﴾، فلا يجوز أن يقال: يا مستهزئ يا ماكر، أو يحلف به.

الثالث: ما خلا عن الإيهام، إلا أنّه لم يرد به السمع، مثل السخيّ والأريحيّ، ومنه السيّد عند بعضهم، والأولى التوقّف عمّا لم يثبت التسمية به، وإن جاز أن يطلق معناه عليه إذا لم يكن فيه إيهام».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة