قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾


الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
بالرّغم من أنّ فائدة الصلاة لا تَخفى على أحدٍ، لكنّ التدقيق في متون الروايات الإسلامية يدلّنا على لطائف ودقائق أكثر في هذا المجال:
1) إنّ روح الصلاة وأساسها وهدفها ومقدّمتها ونتيجتها، وأخيراً حكمتها وفلسفتها، هي ذكرُ الله تعالى، وبالطبع فإنّ الذكر المراد هنا هو الذكر الذي يكون مقدّمة للفِكر، والفكر الذي يكون باعثاً على العمل، كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ أنّه قال: «ذِكرُ الله عندَ ما أحَلَّ وحَرَّمَ»، أي على أن يتذكّر المصلّي اللهَ تعالى فيتّبع الحلالَ، ويُغضي أجفانه عن الحرام.
2) إنّ الصلاة وسيلةٌ لغسل الذنوب والتطهّر منها، وذريعة إلى مغفرة الله، لأنّ الصلاة - كيف ما كانت - تدعو الإنسان إلى التوبة وإصلاح الماضي، ولذلك فإنّنا نقرأ في حديثٍ عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله: «لَو كانَ على بابِ دارِ أحدكُم نهرٌ واغتَسَلَ في كلّ يومٍ منهُ خَمسَ مرّاتٍ، أكانَ يَبقى في جَسَدِه مِن الدَّرَنِ شيءٌ؟!....فإنَّ مَثَلَ الصّلاةِ كَمثلِ النّهرِ الجاري، كلُّما صلّى كَفّرَتْ ما بينهما من الذُّنوبِ».
وعلى هذا، فإنّ الجراح التي تخلّفها الذنوب في روح الإنسان، وتكون غشاوة على قلبه، تلتئم بضماد الصلاة، وينجلي بها صدَأ القلوب.
3) إنّ الصلوات سدٌّ أمام الذنوب المقبلة، لأنّ الصلاة تقوّي روح الإيمان في الإنسان، وتربّي شُجيرة التقوى في قلبه، ونحن نعرف أنّ الإيمان والتقوى هما أقوى سدّ أمام الذنوب، وهذا هو ما بيّنته الآية المتقدّمة بعنوان «النهي عن الفحشاء والمنكر»، وما نقرأه في أحاديث متعدّدة من أنّ أفراداً كانوا مُذنبين، فذُكر حالهم لأئمّة الإسلام، فقالوا ما مضمونه: «لا تكترثوا فإنّ الصلاة تُصلح شأنهم». وقد أصلَحتهم.
4) إنّ الصلاة تُوقظ الإنسان من الغفلة، وأعظم مصيبة على السائرين في طريق الحقّ أن ينسَوا الهدف من إيجادهم وخَلْقهم، ويغرقوا في الحياة المادّية ولذائذها العابرة. إلّا أنّ الصلاة بما أنّها تُؤدّى في أوقات مختلفة، وفي كلّ يوم وليلة خمسَ مرات، فإنّها تُخطر الإنسان وتُنذره، وتبيّن له الهدف من خَلقه، وتنبّهه إلى مكانته وموقعه في العالم بشكل منتظم، وهذه نعمة كبرى للإنسان بحيث إنّها في كلّ يوم وليلة تحثّه وتقول له «كُن يقظاً».
5) إنّ الصلاة تحطّم الأنانية والكِبر، لأنّ الإنسان في كلّ يوم وليلة يصلّي سبع عشرة ركعة، وفي كلّ ركعة يضع جبهته على التراب تواضعاً لله، ويرى نفسه ذرّةً صغيرة أمام عظَمة الخالق، بل يرى نفسه صِفراً بالنسبة إلى ما لا نهاية له. ولأمير المؤمنين عليّ عليه السلام كلامٌ معروفٌ تتجسّد فيه فلسفة العبادات الإسلامية بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ، فبيّن أنّ أوّل العبادات - وهي الصلاة - مقرونةٌ بهذا الهدف، إذ قال: «فَرَضَ اللهُ الإيمانَ تَطهيراً مِنَ الشِّرْكِ، والصّلاةَ تَنزِيهاً عنِ الكِبْر».
6) الصلاة وسيلة لتربية الفضائل الخُلُقية والتكامل المعنوي للإنسان، لأنّها تُخرج الإنسان عن العالم المحدود، وتدعوه إلى ملكوت السماوات، وتجعله مشاركاً للملائكة بصوته ودعائه وابتهاله، ولا يرى أنّ هناك «حاجباً» يمنعه، فيتحدّث مع ربّه ويناجيه.
إنّ تكرار هذا العمل في اليوم والليلة - وبالاعتماد على صفات الله الرحمن الرحيم العظيم، خاصّة بالاستعانة بسوَر القرآن المختلفة بعد سورة (الحمد)، والتي هي خيرُ محفّز للصالحات والطهارة - له الأثر الكبير في تربية الفضائل الخُلُقية في وجود الإنسان. لذلك نقرأ في تعبير الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام عن حكمتها قوله: «الصَّلاةُ قُربانُ كُلِّ تَقِيّ».
7) إنّ الصلاة تُعطي القيمة والروح لسائر أعمال الإنسان، لأنّ الصلاة تُوقظ في الإنسان روح الإخلاص، فهي مجموعة من النيّة الخالصة، والكلام الطاهر الطيّب، والأعمال الخالصة. وتكرار هذه المجموعة في اليوم والليلة ينثر في روح الإنسان بذور سائر الأعمال الصالحة، ويقوّي فيه روح الإخلاص.
لذلك فإنّنا نقرأ في بعض ما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام، من ضمن وصاياه المعروفة قُبيل شهادته: «اللهَ الله في صَلاتِكُم، فإنَّها عَمودُ دِينِكُم».
ونعرف أنّ عمود الخيمة إذا انكسر أو هوى، فلا أثر للأوتاد والأطناب مهما كانت مُحكَمة، فكذلك ارتباطُ عباد الله به عن طريق الصلاة، فلو ذهبت لم يبقَ لأيّ عملٍ آخر أثر.
ونقرأ عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «أوّلُ ما يُحاسَبُ بِه العبدُ الصّلاة، فإنْ قُبِلَت قُبِلَ سائرُ عَمَلِه، وإنْ رُدَّت رُدَّ سائرُ عَملِه».
والسبب هو أنّ الصلاة رمزٌ للعلاقة والارتباط بين الخالق والمخلوق! فإذا ما أُدِّيت بشكلٍ صحيح - وكان فيها قصدُ القربة والإخلاص حيّاً - كان ذلك وسيلة القبول لسائر الأعمال، وإلّا فإنّ بقية أعماله تكون مشوبة وملوّثة وساقطة من درجة الاعتبار.
8) إنّ الصلاة، بقطع النظر عن محتواها، ومع الالتفات إلى شرائط صحّتها، فإنّها تدعو إلى تطهير الحياة؛ لأنّنا نعلم أنّ مكان المصلّي، ولباس المصلّي، وبِساطه الذي يصلّي عليه، والماء الذي يتوضّأ به أو يغتسل منه، والمكان الذي يتطهّر فيه - وضوءاً أو غُسلاً - ينبغي أن يكون طاهراً من كلّ أنواع الغصب والتجاوز على حقوق الآخرين، فإنّ مَن كان ملوّثاً بالظلم والغصب والبَخس في الميزان والبيع، وآكلاً للرشوة، ويكتسب أمواله من الحرام، كيف يمكن له أن يهيّئ مقدّمات الصلاة!؟ فعلى هذا، فإنّ تكرار الصلاة خمس مرات في اليوم والليلة - بحدّ ذاته - دعوة إلى رعاية حقوق الآخرين.
9) إنّ للصلاة - بالإضافة إلى شرائط صحّتها - شرائط لقبولها، أو بتعبيرٍ آخَر شرائط لكمالها، ورعاية هذه الشرائط - أيضاً - عاملٌ مؤثّر ومهمّ لِترك كثيرٍ من الذنوب.
وقد ورد في كتب الفقه ومصادر الحديث روايات كثيرة تحت عنوان: «موانع قبول الصلاة»، ومنها «شرب الخمر»، إذ جاء في بعض الروايات: «لا تُقْبَلُ صَلاةُ شارِبِ الخَمْرِ أربعينَ يوماً، إلّا أنْ يَتوبَ».
كما أنّ هناك بعض الروايات تقول إنّ الصلاة لا تُقبل ممّن يأكل السّحت والحرام، ولا ممّن يأخذه العُجب والغرور. وهكذا تتّضح الحكمة والفائدة الكبيرة من وجود هذه الشروط.
10) إنّ الصلاة تقوّي في الإنسان روح الانضباط والالتزام، لأنّها ينبغي أن تؤدّى في أوقات معيّنة، لأنّ تأخيرها عن وقتها أو تقديمها عليه موجب لبطلانها.
وكذلك الآداب والأحكام الأخرى في موارد: النيّة، والقيام، والركوع، والسجود، وما شابهها، إذ إنّ رعايتها تجعل الاستجابة للالتزام في مناهج الحياة ممكناً وسهلاً.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة