سياحة ثقافية

مقام الإمامين العسكريّين عليهما السلام في سامرّاء

 

سامرّاء من المدن العراقية القديمة والمقدّسة، تضمّ تربتها الزكية مرقد الإمامين العسكريّين عليهما السلام، وفيها وُلد الإمام الحجّة المهديّ صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وفيها غاب مبتعداً عن جَور خلفاء بني العباس الذين اتّخذوها عاصمة لهم. تزخر بالآثار العربية والإسلامية، وكانت مركزاً مهماً للعلوم والفنون الإسلامية، ثم هُجرت.

* تقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة، وتبعد نحو 120 كلم إلى الشمال من العاصمة بغداد. يحدّها من الشمال تكريت، ومن الجنوب بغداد، ومن الغرب الرمادي، ومن الشمال الغربي الموصل، ومن الجنوب الشرقي ديالى.
* لقضاء سامراء ثلاث نواحٍ، هي: تكريت، بلد، الدُّجيل. ومن معالم نواحيها مرقد السيد محمّد بن الإمام عليّ الهادي عليه السلام، في منطقة بلد قرب الدُّجيل القريبة من سامرّاء، وقد استشهد سنة 252 هجرية مسموماً بكَيد العباسيين؛ لأنّهم ظنّوا أنّه الإمام بعد والده الهادي عليه السلام، وله كرامات كثيرة مشهورة.

* أكثر بيوت المدينة مبنية بالآجر، وتنتشر في أرجائها الحدائق العامة والخاصة، وفُتح فيها متحف للمخطوطات والمصورات المهمة عن آثارها، وفي مدخل المدينة يقع مشروع الثرثار الذي يقي بغداد من الغرق.
* معالمها الأثرية: المئذنة الملويّة، وسُور سامراء؛ وهو سُورٌ مضلّع يميل إلى الاستدارة، يصل ارتفاعه إلى 7م، وكان له 19 برجاً وأربعة أبواب، وبقي هذا السور ماثلاً للعيان حتى سنة 1936م.
* خزائنها ومكتباتها: مكتبة العسكريّين العامة، ومكتبة الإمام المهديّ، ومكتبة سامرّاء العامة، ومخطوطات المكتبة العسكرية العامة في مدرسة الإمام الشيرازي، ومكتبة ابن بطوطة، وخزانة محمّد بن عبد الملك الزيات، وخزانة الفتح بن خاقان، والخزانة الكِنْدية.
مشهدُ الإمامين العسكريّين عليهما السلام

* بعد أن أشخصَ المتوكّل العباسي الإمام أبي الحسن الثالث عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام، من المدينة المنورة إلى سامراء سنة 243 هجرية، أُبلغ صلوات الله عليه أنّه غير مغادرها بعد يومه ذاك، فاشترى داراً من نصرانيٍّ يقال له دليل بن يعقوب، وسكنها مع أهله وعياله الذين حضروا من المدينة معه. ولمّا استُشهد الإمام عليه السلام سنة 254 هجرية، دُفن في صحن هذه الدار أو في حجرة من حجراتها.

* في سنة 260 هجرية استُشهد الإمام الحسن العسكريّ – والد الإمام المهديّ صاحب الزمان عليهما السلام -  فدُفن إلى جوار والده. وفي نفس العام توفّيت السيدة نرجس والدة الإمام المهديّ عليه السلام ودُفنت خلف ضريح الإمامَين بمسافة قليلة. 
* في سنة 274 هجرية توفّيت السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام، فدُفنت جوار أخيها عليه السلام.

* ثم بعد ذلك توفّي مَن توفّي من العائلة الكريمة، ومنهم السيدة سوسن والدة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، وأبو هاشم الجعفريّ، داود بن القاسم وهو من ذراري عبد الله بن جعفر الطيار؛ كلّ هؤلاء دُفنوا في دار الإمامين العسكريّين عليهما السلام.
* من معالم هذا المقام الشريف: قبّة سرداب الغَيبة، وكان هذا السرداب جزءاً من بيت الإمامَين العسكريَّين عليهما السلام في سامرّاء. ولا صحّة لما يقوله بعض المغرضين من أنّ الإمام المهديّ عليه السلام دخل فيه وغاب. نعم، يستفاد من بعض الروايات أنّه عجّل الله تعالى فرجه الشريف كان يحضر فيه أحياناً، وقد التقى فيه بعض المؤمنين؛ ولذلك يستحبّ زيارته عليه السلام فيه. ومن المعالم أيضاً: محراب الإمام المهديّ أرواحنا فداه في سرداب الغَيبة المقدّس، لتردّد الإمام عليه في عصر غيبته عجّل الله فرجه.

* في سنة 289 هجرية، وبعد موت المعتضد العباسي، نُصب شبّاك في جدار الدار يُشرف منه المارة في الشارع على الأضرحة التي بداخلها، فكان بعض الناس من الشيعة الموالين يزورون الإمامين عليهما السلام من وراء الشباك. وبقيت الدار على حالها ما يقرب من خمس وأربعين سنة، ونظراً لخلوّ المنطقة من ساكنيها قياساً بما كانت عليه أيام عمران المدينة، فقد تعيّن على بعض الناس من أصحاب الشهامة والإخلاص والولاء في بغداد أن يقوموا بتعهّد تلك الروضة المطهّرة وسدانتها، والقيام بشؤون زوّارها، فكان أولئك الأفراد ينظّمون القوافل في المناسبات ويرافقون الزوار إلى سامرّاء، ثم يعودون بهم إلى بغداد. 

* حينما حلّت سنة 328 هجرية، لم يبقَ من مدينة سامرّاء إلّا خان ومحلّ بقالة للمارّة، وسقطت المدينة عن مركزيتها، فبعد أن كانت من أكبر بلاد العالم وأجملها وأكثرها ازدهاراً، فإذا بها انقلبت إلى مدينة مهجورة قلّ ساكنوها، وبقيت محلّة العسكريّين عليهما السلام مأهولة.
* سنة 332 هجرية، قام ناصر الدولة الحمداني - وهو أخو سيف الدولة الحمداني - ببناء قبّة على المرقدين الشريفين، وجعل لسامرّاء سوراً، وجعل على مرقد الإمامَين ضريحَين جلّلهما بالستور، وبنى دُوراً حول دار الإمام وأسكنها جماعة.

* وفي سنة 337 هجرية قام معزّ الدولة البويهي بتوسعة المقام، وملأ باحة الدار بالتراب بعد أن صارت كالبئر لكثرة ما أخذ الناس من ترابها للبركة، وذلك لأنّ الإمام العسكري عليه السلام كان يتوضّأ في ذلك الموضع.
* في سنة 640 هجرية تولّى السيّد جمال الدين أحمد بن طاوس الإشراف على أعمال البناء والصيانة في العتبة العسكرية.
* وفي سنة 1200 هجرية نهض الأمير أحمد خان الدنبلي، وهو من حكّام آذربيجان، لعمارة المشهد المقدّس للإمامَين العسكريّين، وكلّف أحد علماء ذلك الوقت وأفاضلهم وهو الميرزا محمّد رفيع السلماسي بتولّي الإشراف على نفقات عمليات الصيانة والتعمير والبناء.

* سنة 1292 هجرية هاجر الميرزا محمّد حسن الشيرازي من النجف إلى سامراء، وعاش فيها 21 عاماً، وتوفّي فيها سنة 1312 هجرية. قام الميرزا الشيرازي بعدّة أعمال في المدينة، وجعلها مركزاً علمياً مرموقاً؛ إذ بنى مدرسة علمية كبيرة لا زالت ماثلة إلى اليوم.

سبب تأسيس سامرّاء
* بُنيت مدينة سامرّاء لتكون عاصمة الإمبراطورية العباسية، وكان المكان الذي شُيّدت عليه المدينة مستوطناً منذ أقدم العصور، وكان لسكّانه نصيب من الحضارة تمتدّ إلى عصور سحيقة.
* احتلّ الفرس هذه المنطقة في القرون التالية لميلاد نبيّ الله عيسى عليه السلام، واتّخذوا من موقع سامرّاء الحصين مركزاً استراتيجياً وعسكرياً أثناء قتالهم الروم، وقد أقاموا فيها الحصن المعروف باسم حصن «سومير»، الذي جاء ذكره مع تراجع الجيوش الرومية، بعد مقتل جوليان سنة 363م.

* بدأت فكرة بناء سامراء بتزايد عدد الجنود الأتراك الذين استجلبهم المعتصم من آسيا الوسطى إلى عاصمة الخلافة (بغداد) لاتّخاذهم حرساً ملكياً خاصّاً به، ثمّ زِيد في عددهم لحماية القصور والدواوين وبيت المال وغيرها من مرافق الدولة، ثمّ أخذت أعدادهم بالتزايد بشكلٍ ملحوظ نتيجة المخاوف التي كانت تلاحق المعتصم من العرب الذين أبعدهم عن شغل المناصب الرئيسة في الدولة، لكراهته إيّاهم وبغضه لهم. فما كان منه، وهو ابن جارية تركية، إلّا الاعتماد على أخواله الأتراك في حماية عرش خلافته.

ويوماً بعد يومٍ يزداد عدد الجند من الأتراك بحيث تضيق بهم بغداد وطرقاتها، ويضجّ الأهلون بالشكوى من عبث الجنود وإرعابهم للأطفال والنساء والشيوخ، إذ ما كانوا يرعون حرمةً لكبير، ولم يكن لديهم عطف على صغير أو ضعيف. فيضطرّ المعتصم في ظلّ هذا الوضع، وتفاقم الحالة من وقوع الاصطدامات بين الطرفَين، ونشوب حالات قتل ودهْس لبعض الأهالي بأرجُل الخيل، ولتزايد مخاوف المعتصم من حدوث تحرّكٍ ضدّه، بناءً عليه قرّر جلاء الآلاف المؤلّفة من جنوده الأتراك عن بغداد والصعود بهم شمالاً إلى منطقة قريبة من مركز خلافته، حتى إذا ما حدث تمرّد أو انقلاب عسكري فإنّه سرعان ما ينحدر بهم براً ونهراً فيحاصر المتمرّدين ويقضي عليهم.

أرسل المعتصم المستطلعين من حاشيته ومستشاريه ليبحثوا له عن مكانٍ مناسب وقريب من مركز الحكم، فيتّجه المرسلون بمحاذاة دجلة شمالاً بحثاً عن منطقة جميلة، وهواءٍ معتدل. وبعد أن قطع المستطلعون مسافة تبلغ حوالي (60) ميلاً، انتهوا إلى هضبة مستوية ترتفع عن ضفة الدجلة اليسرى عدة أمتار، يقوم فيها دير من أديرة النصارى الثمانية التي كانت منتشرة في تلك النواحي. ثم يرجع المرسلون لإبلاغ المعتصم، فيتوجّه بنفسه صاعداً في دجلة لمشاهدة الموقع عن كثب.

* في سنة 221 هجرية أخذ المعتصم بالتخطيط لمدينته التي سمّيت (سُرّ مَن رأى)، وعندما تمّ بناؤها انتقل مع قوّاده وعسكره إليها، ولم يمضِ إلّا زمنٌ قليل حتى قصدها الناس وشيّدوا فيها مباني شاهقة، وسُمّيت أيضاً بالعسكر والنسبة إليها عسكريّ، واشتهرت بـ: سامرّاء. وهذا الاسم ليس من وضع المعتصم نفسه، فقد ذكره مؤرّخو الرومان واليونان، والأرجح أنّه اسم آرامي.

* في سنة 279 هجرية انتقل مركز الخلافة مجدداً إلى بغداد فتراجعت مكانة سامراء، وشيئاً فشيئاً هجرها أهلها، واستولى عليها الخراب، فاضمحلّت الحصون المنيعة، وتهدّمت القصور الشاهقات الفوارة رويداً رويداً أمام عوادي الزمن وطروق الطبيعة. 
* قيل إنّه ما حلّت سنة (328 هجرية) إلّا وفي سامرّاء عروس المدن لم يكن سوى خان لمبيت المسافرين، وصارت البوم تنعق بخرائبها وكأنّها مدينة أشباح نزل عليها غضبُ الجبار. وقد مرّ بها الرحّالة أبو الحسين محمّد بن أحمد بن جبير الأندلسي البلنسي يوم الخميس 18 صفر من سنة (580 هجرية / 1184 م) فوصفها في كتاب رحلته بأنّها اليوم «عِبرة من رأى»، فقال: «.. وعلى قابلة هذا الموضع في الشطّ الشرقي مدينة سرّ من رأى، وهي اليوم عِبرة مَن رأى. أين معتصمُها وواثقها ومتوكّلها؟! مدينة كبيرة قد استولى الخراب عليها إلّا بعض جهات منها هي اليوم معمورة... لم يبقَ إلّا الأثر من محاسنها، واللهُ وارثُ الأرض ومَن عليها، لا إله غيره».

لكن داراً صغيرة متواضعة، موصدة الأبواب، فيها نافذة صغيرة يطلّ منها المارة على ضريحين مطهّرَين للإمامَين العسكريَّين عليهما السلام؛ كانت وماتزال مهوى الأفئدة ومقصد الزوار، حائزةً شرف العلياء، متقلّدةً ذروة المجد، مفتخرةً بالشرف الباذخ على مَن سواها من الأماكن بشرف الثاوين فيها، ولولا هذه الدار لمَا بقيت سامراء مدينة يؤمّها الزوّار والسيّاح، ولأصبحت عِبرة من رأى.
ـــــــــ
مجلة شعائر العدد 64

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة