علمٌ وفكر

شرائط وجوب الصوم؟


هل الصوم واجب على جميع المسلمين؟ بكلّ الأعمار؟ ومهما كانت ظروف الإنسان المسلم؟
من الواضح أنّ وجوب الصوم له شروطه الشرعيّة الخاصّة، فهو غير واجب على الجميع إلّا بعد تحقّق جميع الشروط المعتبرة فيه وهي:
الأوّل: البلوغ: فلا صوم على غير البالغ ولو كان مميّزاً وإن صحّ منه لو صام.
مسألة1: يتحقّق البلوغ في الذكر والأنثى بواحد من أمور ثلاثة:
أ- الاحتلام: وهو عبارة عن خروج المنيّ سواء كان في حال اليقظة أم في حال النوم.
ب- نبات الشعر الخشن على العانة ما حول العورة ولا عبرة بالوبر.
ت- السّن: في الأنثى تسع سنوات هجريّة قمريّة؛ أي ما يعادل - تقريباً - ثماني سنوات وتسعة أشهر ميلاديّة.
أمّا في الذكر فعندما يبلغ خمس عشرة سنة هجريّة قمريّة؛ أي ما يعادل - تقريباً - أربع عشرة سنة وسبعة أشهر ميلاديّة.
الثاني: العقل: فلا صوم على المجنون إلّا أن يعقل في نهار الصوم بتمامه من قُبَيل الفجر إلى الغروب الشرعيّ، فحينئذٍ يجب عليه أن يصوم.
الثالث:خلوّ المرأة من حدث الحيض والنّفاس: فالحائض والنّفساء لا يجب عليهما الصوم حال الحدث، بل لا يجوز لهما ذلك كما ورد في أحكامهما. بلا فرق بين استيعاب الحدث لتمام نهار الصوم أو لبعضه، حتّى لو استوعب الحدث جزءاً يسيراً من النهار.
الرابع: عدم المرض أو الرمد الذي يضرّه الصوم: سواء كان الصوم يوجب شدّة المرض أم طول برئه أم شدّة ألمه، ويكفي في ذلك الاحتمال الموجب للخوف من ذلك، ومنه خوف حدوث المرض والضرر بسبب الصوم، إذا كان لهذا الاحتمال منشأ عقلائيّ، حينئذٍ لا يجب عليه الصوم، بل يجب عليه الإفطار، ولو صام كان صومه باطلاً.
مثلاً: لو ظهرت على المكلّف أمارات المرض، وحذّره الطبيب الأمين الماهر من أنّ الصوم يؤدّي إلى حدوث هذا المرض، أي يكون الصوم متمّماً لعلّة حدوث المرض بعد تحقّق أمورٍ أخرى فيه، ولو ترك الصوم لأمكن منع حدوثه بسبب العلاج.
مسألة1: من كان يتضرّر من الصوم ضرراً معتدّاً به، كما في حالة حدوث المرض ونحوه، فلو صام هذا الشخص كان صومه باطلاً وارتكب حراماً.
مسألة2: من كان مصاباً بمرض يستدعي تناول السوائل بشكلٍ متواصلٍ، كمريض الكلى عموماً، هذا الشخص يسقط عنه وجوب الصوم. وكذلك من كان محتاجاً إلى تناول أقراص الدّواء أثناء النّهار يسقط عنه وجوب الصوم.
مسألة3: مع عدم خوف الضّرر جاز الصوم، لكن لو صام وتبيّن الضّرر واقعاً كان صومه باطلاً.
مسألة4: المعيار في تحديد تأثير الصوم في إيجاب المرض أو مضاعفته أو عدم القدرة على الصوم هو تشخيص الصائم نفسه، فلو علم أنّ الصوم مضرٌّ به حرم عليه نيّة الصوم.
مسألة5: إنّما يُؤخذ بقول الطبيب في ترك الصوم بسبب المرض إذا كان أميناً، وحصل الاطمئنان من قوله.
مسألة6: يسقط وجوب الصوم عن المكلّف إذا أوجب ضعفاً لا يُحتمل عادة بحسب حاله. أمّا الضعف الذي يمكن تحمّله فلا يجوز معه الإفطار، فإنّ طبيعة الصوم تقتضي الضعف والجوع والوهن عند غالب النّاس لكنّه يبقى في دائرة المُحتمل.
الخامس: عدم السفر سفراً موجباً لقصر الصلاة بلا فرق بين الصوم الواجب والمندوب.


مسألة1: استُثني من هذا الشرط ثلاثة مواضع:
أ- صوم ثلاثة أيّام بدل الهدي في الحجّ، فمن تعذّر عليه ذبح الهدي في الحجّ استبدله بالصوم عشرة أيّام؛ ثلاثة في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى بلده.
ب- صوم ثمانية عشر يوماً في السفر بدل البُدنة، وهي كفّارة من أفاض من عرفات عامداً قبل الغروب. والبدنة هي ما دخل في السنة السادسة من الإبل، فمع تعذّر دفعها استبدلها بصوم ثمانية عشر يوماً.
ج- صوم النّذر في السفر إمّا بأن ينذر إيقاعه في خصوص السفر كأن يقول: لله عليّ إن حصل كذا أن أصوم يوماً في السفر. وإمّا بأن ينذر إيقاعه في حضر وسفر كأن يقول:
لله عليّ إن حصل كذا أن أصوم يوم عرفة في حضر أو في سفر. أمّا لو قال: لله عليّ إن حصل كذا أن أصوم يوماً، بشكل مطلق فينصرف كلامه هذا إلى خصوص الصوم في الحضر، فلا يصح منه في السفر.

 

أحكام صوم المسافر:
1- من كان حاضراً سواء كان في وطنه أم في مكان قصَدَ الإقامة فيه عشرة أيّام على الأقل فخرج مسافراً:
أ- إن كان سفره بعد الزوال، وجب عليه إتمام الصوم وصحّ صومه.
ب إن كان سفره قبل الزوال، وجب عليه الإفطار، بمعنى أنّه لا يجوز له نيّة الصوم في السفر، لكن لا يجوز له تناول المفطر إلا بعد تجاوز حدّ الترخّص، ولا فرق في ذلك بين كونه قد نوى السفر من الليل أم بدا له أثناء النّهار.
2- من كان مسافراً وجاء إلى بلده أو بلداً قصد الإقامة فيه عشرة أيّام على الأقل:
أ- إن وصل إلى بلده أو بلد الإقامة قبل الزوال ولم يتناول المفطر وجب عليه الصوم.
ب- إن وصل بعد الزوال أي أدركه الزوال وهو على الطريق، أو قبل الزوال ولكنّه كان قد تناول المفطر، لم يجب عليه الصوم، بل هو مفطر ويجوز له تناول الطعام والشراب وغير ذلك من المفطرات المحلّلة.
مسألة1: كثيراً ما يسافر المكلّف من بلده إلى بلدٍ آخر له أيضاً، لكن بينهما مسافة شرعيّة توجب القصر، فحكم صيامه التفصيل المتقدّم.
ولو كان سفره قبل الزوال جاز له بعد تجاوز حدّ الترخّص تناول المفطر، كما يجوز له البقاء ممسكاً بدون نيّة الصوم؛لعدم جواز نيّة الصوم في السفر، فإذا وصل إلى بلده الآخر قبل الزوال ولم يكن قد تناول المفطر وجب عليه الصوم فينويه ويصحّ صومه.
وقد يحصل أن يسافر إلى غير بلده ولكنّه، يريد العودة إلى بلده قبل الزوال، فيمكن أن يبقى ممسكاً بدون نيّة الصوم ما دام مسافراً، فإذا عاد قبل الزوال وجب عليه الصوم ويصحّ منه.
مسألة2: من كان مقيماً في بلدٍ وقد استقرّ عليه حكم التّمام بصلاة رباعيّة، أي نوى الإقامة وصلّى صلاة رباعيّة ثم بعد هذه الصلاة طرأ عليه أمرٌ جديد جعله يعرض عن نيّة الإقامة، فإن أعرض عن نيّة الإقامة وقصد السفر يبقى على التمام في الصلاة، ويبقى صائماً، حتى ولو كان إعراضه عن النيّة قبل الزوال ما دام لم يباشر السفر بعد.

3- لو صام المسافر مع كون حكمه الإفطار:
أ- إن كان جاهلاً بأصل حكم المسافر وأنّه يجب عليه الإفطار صحّ صومه وأجزأه، ولا قضاء عليه.
ب- إن كان عالماً بحكم الصوم في السفر، وعالماً بأنّه مسافر ومع ذلك صام، فصومه باطل مضافاً إلى حرمة الفعل الذي أتى به.
ج- إن كان عالماً بأصل الحكم، ولكنّه يجهل ببعض الخصوصيّات، كجهله بمسافة القصر مثلاً، فصام، وجب عليه حينئذٍ القضاء.
د- إن كان عالماً بأصل الحكم لكنّه يجهل الموضوع؛ أي يجهل أنّ ما قطعه مسافة توجب عليه القصر، مع علمه بمقدار المسافة التي توجب القصر والإفطار، وكانت المسافة التي قطعها واقعاً مسافة شرعيّة كاملة، فلو صام في هذه الحالة وجب عليه القضاء.
هـ- لو نسيَ المسافر فصام وجب عليه القضاء.
مسألة1: القاعدة العامّة في السفر بالنسبة إلى الصلاة والصوم: إذا قصّرت أفطرت وإذا أتممت صمت، فالقصر كالإفطار، والصوم كالتمام، وهذا يعني أنّ من كان السفر شغلاً له أو مقدّمة لشغله، ومن كان سفره معصية أو بقصد المعصية، ومن أقام متردّداً ثلاثين يوماً وغيرهم ممّن حكمه التّمام في الصلاة حال السفر وجب عليه الصوم كذلك.
مسألة2: يُستثنى من القاعدة المتقدّمة موارد تقدّم بعضها وهي:
أ- في صورة النّسيان، فإن من صام في السفر نسياناً يقضي بخلاف من صلّى كذلك، فإنّه إن تذكّر في الوقت أعاد الصلاة،دون من تذكّر خارجه فلا قضاء عليه.
ب- من سافر بعد الزوال وجب عليه القصر لكنّه يبقى صائماً ولا يجوز له الإفطار.
ج- في أماكن التّخيير في الصلاة، إذا سافر إليها المكلّف وجب عليه الإفطار ما لم يقصد الإقامة عشرة أيّام على الأقل.
وهذه الأماكن أربعة هي:
1- مكّة المكرّمة.
2- المدينة المنوّرة على مشرّفها آلاف التحيّة والسلام.
3- مسجد الكوفة.
4- الحائر الحسينيّ على مشرّفه آلاف التحيّة والسلام.
د- من سافر لصيد التجارة وجب عليه الإفطار، ويحتاط في الصلاة بالجمع بين القصر والتّمام.
هـ- من قدِم من السفر بعد الزوال وكان صائماً أفطر، لكن يجب عليه الإتمام في الصلاة إن لم يكن قد صلّى بعد.
مسألة3: يجوز السفر اختياراً في نهار شهر رمضان ولو للفرار من الصوم، لكنّه على كراهية قبل أن يمضي منه ثلاثة وعشرون يوماً. وكذلك في الواجب المعيّن كالنّذر المعيّن.
مسألة4: الأحوط وجوباً عدم السفر اختياراً لمن تضيّق وقته على قضاء شهر رمضان.
وكذلك اليوم الثالث من أيّام الإعتكاف فإنّه يصير واجباً بتمام اليومين.
مسألة5: من أفطر عند حلول الغروب في وطنه ثمّ سافر إلى بلدٍ آخر ووصل إليه قبل غروب الشمس فيه جاز له تناول المفطّر ما دام نفس اليوم.
مسألة6: لو سافر في شهر رمضان من بلده بعد الزوال ولكنّه وصل إلى البلد الآخر قبل الزوال بحسب توقيته فهنا:
أ- إن كان البلد الآخر وطناً له أو قصد الإقامة فيه عشرة أيّام على الأقل ولم يتناول المفطر وجب عليه الصوم.
ب- وإلّا كان مسافراً وقد أدركه الزوال حال السفر فيبطل صومه.
مسألة7: من نذر أن يصوم في شهر رمضان في السفر، وصام عدّة أيّام منه كذلك:
أ- إن كان يعلم بعدم صحّة الصوم في السفر بطل صومه، ووجب عليه القضاء.
وكذلك إن كان عالماً بأصل الحكم وجاهلاً ببعض الخصوصيّات فيه.
ب- أمّا مع الجهل بأصل الحكم – كما تقدّم- فصومه صحيح.
مسألة8: يصحّ نذر الصوم في السفر دون تحديده بيوم كأن يقول: لله عليّ أن أصوم يومين في السفر.
مسألة9: من كان في بلد ثبت فيه هلال شهر رمضان في يوم معيّن فصام فيه، ثمّ في آخر الشهر انتقل إلى بلد آخر كان ثبوت الشهر فيه متأخّراً عن البلد الأوّل بيوم، كانت وظيفته مراعاة آخر الشهر في البلد الثاني الذي انتقل إليه.
ــــــــــــ
*فقه الصوم، سلسلة الفقه الموضوعي، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة