مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

معنى إحياء ليلة القدر

 

السيد عباس نورالدين 
يقول الله في كتابه الكريم: " إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ  * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.
إنّ لشهر رمضان خصوصية بمعزل عن الصيام. وهذه الخصوصية ترجع إلى وجود ليلة القدر فيه، فهي خيرٌ من ألف شهر أي ما يمثل معدل عمر الإنسان، أي هي أفضل من عمر الإنسان كله.
في هذه الليلة الشريفة تُقدر أرزاق العباد وبالتبع الآجال.
وقد حازت هذه الليلة على شرف نزول القرآن، الذي يُعد برنامج السماء للبشرية كافة، وكلام الله الموحى الذي يوصل الأرض بالسماء، والذي تنزّل من سماء الرحمة المطلقة إلى سجن الطبيعة المظلم ليأخذ بأيدي الغافلين المحجوبين ويوصلهم إلى أعلى درجات القرب، إلى الغنى المطلق اللامتناهي، كما في الحديث عن نبي الله (ص): "القرآن غنى لا فقر بعده".
إنّ عظمة شهر رمضان إنّما كانت في احتوائه على ليلة القدر، ويمكن القول إنّ الصيام  في شهر رمضان هو تعظيم لهذا الشهر، واستعداداً لتعظيم ليلة القدر، والتي يُستحب إحياؤها. والمقصود من الإحياء هنا أنّ هذه الليلة قد تموت في قلوبنا إن غفلنا عنها. ومن مصاديق الغفلة النوم والانشغال عنها بأمور الدنيا.


فالمطلوب اذاً أن يستيقظ الإنسان ليتوجه إلى عظمة هذه الليلة لكي يتأدب بأدب اليقظة. فالنوم دليل على عدم الاعتناء.
إن جميع الأذكار والأدعية والمناجاة تهدف إلى توجيه قلب الإنسان إلى عالم المعنويات وإلى الله لربما حصل له من ذلك نفحة من نفحات تلك الليلة المقدسة التي هي أقدس ما في عالم الوجود والطبيعة والحياة. فمن دون وجود ليلة القدر لا يوجد عالم الطبيعة ولذلك هي السلام، ولولا هذا السلام لساخ العالم بأهله.
إنّ نفس التقدير المطروح في ليلة القدر يعني أنّ الله ينظر الى هذا العالم. 
لقد قدّر الله في ليلة القدر أمراً عظيماً أعظم وأهم من تقدير الأرزاق وهو نزول القرآن. أي أنّ الله لم ينظر إلى الدنيا نظر الأرزاق والآجال، بل نظر إليهم نظرة التغيير والإصلاح، نظرة الرحمة التي تريد أن تنقلهم من عالم الطبيعة إلى عالم الآخرة. لقد أنزل اليهم القرآن وقدّر لهم القرآن، فتقدير الأرزاق والآجال لوحده ليس أمراً مما يعبأ به ربنا سبحانه وتعالى: {قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً}؛ أي لا قيمة ولا معنى لكم أيها البشر لولا دعوتكم إلى الله. فالله لم يخلق البشر لكي يأكلوا ويشربوا كالأنعام. فحقيقة الدنيا مذمومة ومرفوضة عند الله، وما جعلها تستمر هو وجود القرآن لكن ليس بحروفه وألفاظه. ففي الحديث : "إِنَّ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ عَلَى عَدَدِ آيَاتِ الْقُرْآنِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ، فَكُلَّمَا قَرَأَ آيَةً يَرْقَى دَرَجَةً". 
إنّ سر نظر الله إلى العالم هو وجود الإنسان الكامل والإمام المعصوم، ولي الله الأعظم، وإلا ما كان الله لينظر إلى هذا العالم، فالإمام هو الداعي إلى الله وغيره لا يدعو إلى الله إلا بتبع دعوته. ولهذا فإنّ سر ليلة القدر يكمن في وجود الإنسان الكامل الذي تتنزل عليه الملائكة والروح بإذن ربهم، هذا النزول للروح والملائكة كل عام بتقدير الأرزاق والآجال ينزل في ليلة واحدة على إنسان يستقبل الروح والملائكة المرافقة لهذه الروح "وهو سر بقاء هذا العالم ". 
فهذا النزول يحتاج إلى قلب، كما أنّ القرآن الكريم احتاج إلى قلب الرسول(ص)، كان لا بد من وجود الإمام المعصوم الكامل الذي يحوز على نفس مرتبة الرسول الكامل لاستقبال القرآن الذي ينزل كل عام بحقيقته وبجوهره، فلا يتسع له إلا قلب إمام الزمان(عج).
فعظمة ليلة القدر إذًا ناشئة من وجود إمام الزمان(عج)، ولهذا، فإنّ من عرف هذه الحقيقة يتطلع في هذه الليلة إليه ويتوجه إليه ويطلب الاتّصال به علّه يلتحق به وبمشروعه وحركته ليخرج بعد شهر رمضان وقد عرف طريقه في الحياة وسلك طريق الدعوة الى الله.
ليلة القدر هي تجديد الدعوة إلى الله حقاً، لا الدعوة الشعاراتية بل الدعوة إلى القرآن وبالقرآن، فهو يمثل مشروع الدعوة إلى الله والغاية القصوى من الدعوة. فسلوك الإنسان المؤمن بالقرآن ووصوله يكون إلى القرآن. 
كل من يظن أنّ هناك أحدًا أوتي أفضل ممّا أوتي من القرآن فقد استصغر عظمة الله. 


إنّ مبدأ السلوك إلى الله هو التعظيم أي أن يكون الله عظيماً في عين السالك... عظُم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم.
إنّ نسيان هذه المعارف لا يكون إلا بسبب هيمنة الشيطان الذي يقعد على صراط الإنسانية وصراط الله المستقيم. فهو يمنع الإنسان من الدخول إلى عالم القرآن الكريم. وإذا أصر الإنسان على دخول عالم القرآن يسعى لإخراجه من خلال إبقائه على ظاهر القرآن الكريم كما هو حال معظم المسلمين الذين يقرؤون القرآن ولا يعملون به، ومن يقرأ القرآن ولا يعمل به كان من المستهزئين بالقرآن.
إذًا إنّ الشيطان يقعد على أول الطريق ليمنعنا من الدخول إلى ساحة القرآن فيصغره في أعيننا بانّ هناك ما هو أهم منه، وأنّ هناك ما هو أفيد منه، وأنّ هناك غاية وراء القرآن، فربما نقرأ غير القرآن فنحصل على فائدة أكثر من القرآن، وكل ذلك لطردنا ولنستثقل قراءة القرآن والتدبر فيه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة