قرآنيات

مفاتيح أسرار القرآن الكريم (1)


السيد منير الخباز
﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾.
انطلاقًا من الآية المباركة التي تتحدث عن معرفة الكتاب نتكلم في محورين:
في بيان أقسام المعرفة بالكتاب.
وفي نظرية تأويل الكتاب.
المحور الأول: معرفة القرآن الكريم: على ثلاثة أقسام:
معرفة تدبرية.
معرفه تفسيرية.
معرفة تأويلية.
المعرفة التدبرية: هي التي أشارت إليها الآية المباركة ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ التدبر في القرآن: بمعنى الاتعاظ بظواهر القرآن، فالقرآن لفظ عربي ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ «194» بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ فبما أن القرآن عربي إذن الذهن العربي يستطيع أن يتدبر ظواهر القرآن وأن يعتبر بظواهر القرآن الكريم، فالذهن العربي عندما يسمع قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ﴾ يفهم من هذا الكلام أن هذه محرمات محظورات في الشريعة.
المعرفة التفسيرية: وهي أعمق من المعرفة التدبيريه التفسير هو عبارة عن تحديد المعنى الواقعي للآية تارة أنا أقول ظاهر الآية هكذا، أما ما هو المعنى المقصود لله عز وجل من الآية؟! هذه مرحلة أكبر فالتدبر هو الجري على الظاهر الأخذ بالظاهر أما التفسير فهو تحديد المعنى والمقصود الواقعي الله تبارك وتعالى لأجل ذلك التفسير لا يصح إلا بأدواته وليس كل إنسان يستطيع أن يفسر القرآن لأنه التفسير ليس الأخذ بالظاهر وإنما تحديد المقصود الإلهي من الآية المباركة من هنا كان التفسير يحتاج إلى أدوات:

الأداة الأولى: الرواية.
إذا وجدت رواية صحيحة يؤخذ بها بمجال تفسير الآية بمقتضى حديث الثقلين ”إني مخلف فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي“ مثلاً تأتي إلى قوله عز وجل: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا﴾ لا نأتي نحن ونتفلسف ونقول ما هو المراد بأهل البيت أهل بيت النبي زوجاته أهل البيت الحرام بعد أن جاءت رواية صحيحة من الشيعة والسنة، ما هو المراد بأهل البيت؟! نفسر الآية على طبق الرواية كما ورد في صحيح مسلم عن أم سلمه قالت: دخل رسول الله واشتمل بالكساء على علي وفاطمة والحسن والحسين وقال: "اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، وحامتي، لحمهم لحمي، ودمهم دمي: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا﴾.
الأداة الثانية:
أن لا نجد لدينا رواية يعني لا توجد عندنا رواية تفسر الآية، كيف نحدد المعنى الواقعي للآية؟! نرجع هنا إلى حكم العقل الأحكام البدهيه للعقل هي قرائن تستخدم في تحديد المعنى الواقعي للآية مثلاً: عندما نأتي لقوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ «22» إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ نحن لو أخذنا بالظاهر مشينا على المعرفة الأولى وهي «المعرفة التدبرية» يعني الأخذ بالظاهر لقنا ظاهر الآية أن الله ينظر إليه لأنه ظاهر الآية تقول: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ولكن القرينة العقلية موجودة يقول لك لا لابد أن تفسر الآية ليس معناها هو الظاهر منها هذا ظاهر ولكن ليس هو المعنى الواقعي كيف؟!
القرينة العقلية تقول: الله لا يعقل أصلاً النظر إليه الله ليس جسم النظر لا ينال إلا الأجسام والله ليس جسم حتى ينال بالنظر.
إذن بالنتيجة: حكم العقل البديهي يفترض علينا أن معنى الآية مقدر: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ «22» إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ يعني إلى آيات ربها ناظره أو إلى رحمة ربها ناظرة.


الأداة الثالثة:
أفترض نحن لا توجد عند رواية ولا يوجد عندنا حكم عقلي كيف نفسر؟! نفسر القرآن بعضه ببعض كما ورد عن الإمام علي : ”أن هذا القرآن ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض“ نأتي الآن نحن نجمع عقولنا للجمع بين الآيات القرآنية لننتزع منها معنى واحد، مثلاً ما ورد عن الإمام علي في زمن الخليفة الثاني أوتي بامرأة ولدت لستة أشهر من زفافها بعد ستة أشهر من زفافها ولدت شك فيها قيل بأنها زانية كيف تولد بعد ستة أشهر من دخول زوجها بها؟! رفعت القضية إلى الإمام علي قال: حملها صحيح ولدها ولد شرعي والأشكال لا يوجد من أين؟! قال من كتاب الله قال كيف من كتاب الله؟! قال من آيتين: أية تقول: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً﴾ وآية تقول: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ إذا أسقطنا الحولين من ثلاثين شهر تبقى مدة الحمل ستة أشهر هذا كلام مستند إلى الكتاب، إذن الجمع بين آيتين تفسير للكتاب بالكتاب، هذه تسمى «أدوات التفسير» أما الرواية أو العقل أو الآية يشهد بعض الكتاب على بعض هذه تسمى «معرفة تفسيريه».
المعرفة التأويلية: ما هو الفرق بين التفسير والتأويل؟!
التأويل يطلق على معنيين في الروايات الشريفه:
المعنى الأول: أن المراد بالتأويل معرفة الباطن، ما هو معرفة الباطن؟!
بعض الآيات يكون لها معنيان معنى يمكن استفادته من الظاهر ومعنى لا يمكن اقتناصه من الظاهر يسمى «باطن» ولذلك ورد عن الإمام علي : ”ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما فيه حرف إلا وله تأويل“ الظهر والبطن يعني ماذا؟! يعني معنى يقتنص من الظاهر معنى لا يمكن اقتناصه من الظاهر، أضرب لك أمثلة:
مثلاً: عندما يقول تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ ليلة القدر لها معنيان:
معنى يمكن اقتناصه من الظاهر وهو الزمن الذي نزل فيه القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك ليلة القدر، والمعنى الذي لا يمكن اقتناصه من الظاهر ويسمى باطن ما ورد عن الصادق  ”ليلة القدر أمي فاطمة الزهراء“ هذه المعاني الباطنه التي لا يستطيع العقل أن يصل إليها مهما تدبر في الآية ولا يمكن اقتناصها إلا بالرواية هذه تسمى «بطون القرآن» فالتأويل أحياناً يعبر بالتأويل تأويل القرآن والمقصود به معرفة بطون القرآن، أقرأ لك بعض الروايات التي تنسجم مع هذا المعنى ما ورد عن الإمام علي : ”قال من كتاب الله عز وجل ما يكون تأويله على غير تنزيله“ تنزيله يعني الظاهر ظاهره شيء لكن باطنه شيء أخر ما يكون تأويله على غير تنزيله ولا يشبه تأويله بكلام البشر سأنبئك بمثال لذلك هو الإمام أتي يمثل لذلك.
قال تعالى عن إبراهيم : ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾ ما هو معناها «تأويلها»؟! قال وذهابه إلى ربه توجهه إليه في عبادته واجتهاده إلا ترى أن تأويله غير تنزيله، وقال تعالى: ﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ كيف أنزل وهو لم ينزل من السماء ثمانية أزواج؟! لأنه هذه الأنعام تولد وهي على الأرض لم تنزل من السماء ﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ وقال: ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ الحديد لم ينزل من السماء إذن الإمام يبين فإنزاله خلق إياه هذا الإمام يعتبره تأويل، تأويل على خلاف ظاهر التنزيل وكذلك قوله عز وجل: ﴿إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ كيف إذا كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين؟! قال أي أول الجاحدين والتأويل باطنه مضاد لظاهره.


مثلاً كل الأمثلة من الإمام علي يطرحها لتأويل مثلاُ قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ «هذا واضح» أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ «كيف يأتي ربك؟!» أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ الإمام يؤول الآية قال إنما خاطب نبيناً محمد  قال هل ينظر المنافقون والمشركون إلا أن تأتيهم الملائكة فيعاينوهم ﴿أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ يعني أمر ربك أو بعض آيات ربك هي العذاب في دار الدنيا، إذن هذه كلها أمثلة ذكرها الإمام لتأويل والمراد بالتأويل في هذه الأمثلة: بطون القرآن يعني المعاني التي لا يصل إليها العقل لو خلي وحده.
التأويل له معنى ثاني ما هو؟!
الفرق بين التفسير والتأويل: بيان المضمون يسمى «تفسير» أما بيان الغاية يمسى «تأويل» الفلاسفة يقولون: لكل شيء علتان: 1 - علة صورية، 2 - وعلة غائية 
هذا الكرسي له علة صوريه وهو شكله شكل أنيق مرتب وله علة غائية لماذا هذا الكرسي صنع؟! الغاية من صنعه الصعود عليه إذن هو له علة صورية وله علة غائية، عندما تشرح العلة الصورية يسمونه هذا «تفسير» عندما تشرح العلة الغائية يسمونه «تأويل».
أضرب لك مثال: أنت الآن تفتح شاشة التلفزيون قناة الأنوار قناة الفرات قناة كربلاء قنوات تستعرض كربلاء يوم العاشر من المحرم وتجد مسيرات ضخمة في كربلاء المشرفة وهذه المسيرات ترفع صوتها لبيك ياحسين أنت من تأتي إلى شخص غير مسلم يقول لك فسر لي هذه الظاهره؟! تارة تشرح له العلة الصورية يعني هؤلاء ماذا يقولون؟! تقول له هؤلاء يعتقدون بالإمام الحسين ويأتون إلى قبره ويعلنون نصرتهم له بقولهم «لبيك ياحسين» هذا شرح للصورة هذا يسمى «تفسير».
أما عندما يسألك سؤال أخر ما هي غايتهم؟! إلى ماذا يريدون أن يصلوا إليه؟! أنا فهمت الآن ماذا يريدون، ما هي الغاية التي يريدون أن يصلوا إليها بهذا العمل؟! تقول له الغاية من ذلك الاحتجاج على الظلم يعني دولا الشيعة ربوهم أئمتهم من زمن الحسين على اللطم ليس لأجل اللطم ربوهم على اللطم كطريقة للاحتجاج على الظلم للاحتجاج على الظالمين هناك غاية من وراء هذه العملية.
الإمام الصادق  يسأل عبدالله أبن حمادة يقول له الإمام الصادق سمعت أن قوم من الكوفة وناس من غيرها يأتون إلى قبر جدي الحسين فمنهم نادب يندب ومنهم قارئ يقرآ «يعني يقرأ زيارة يقرأ قرآن» ومنهم راثي يرثي المراثي «شاعر يقرأ الشعر على قبر جدي الحسين» ومنهم قاص يقص «شخص يقوم ويقص قصة كربلاء وما حصل فيها» إذن هناك أدوار شخص يقرأ القرآن وشخص يندب وشخص يقص وشخص يقرأ المراثي الإمام يتحدث عن شيء في زمنه زمن الإمام الصادق  قال له أبن حمادة: نعم سمعت عن بعض ما تقول قال: الحمدالله الذي جعل من شيعتنا من يفد إلينا ويمدحنا ويرثينا وجعل من عدونا «مثل ما جعل الشيعة تفد إليهم جعل أيضاً أعداء بالمقابل» وجعل من عدونا ما ينتقصون منهم ويقبحون ما يصنعون" شيعيتنا تقوم بهذا العمل وأعدائنا يستقبحون العمل ويقولون ما هذا؟ والحسين رضوان الله عليه مات قبل ألف وثلاثمائة سنة والبكاء عليه بدعة واللطم عليه هذا كله كلام أعدائنا، كلام شيعتنا هذا يندب ويرثي ويقص وكذا وأما كلام أعدائنا يقبحون ما يصنعون ويستنكرون.
إذن تارة نشرح الصورة لرجال غير مسلم هذا يسمونه تفسير وتارة نشرح الغاية، الغاية من هذه المسيرات أن هؤلاء الشيعة ربوا على رفض الظلم والطغيان وهذه طريقة يمارسونها للاحتجاج على الظلم هذا يسمى «تأويل» فالتفسير غير التأويل، نأتي الآن مثلاً إلى قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ أو مثلاً: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ هذه الآية تحتاج تفسير وتأويل تفسير ما هو معنى اليد؟! هذه يسمونه تفسير لأنك تريد أن تبين معنى اليد تقول المراد باليد أصول الأصابع إلى أربعة كما ورد في الرواية عن الصادق  لماذا تقص الأصابع هذا أصبح ماذا؟! تأويل لأنك تتكلم عن الغاية وتتكلم عن السبب والعلة، ما هو السبب وراء هذا القانون؟! ووراء هذا المضمون؟!
إذن التفسير شيء والتأويل شيء آخر، التأويل سوا فسرناه بالمعنى الأول وهو بيان بطون الآيات أو فسرناه بالمعنى الثاني بيان العلل والغايات للآيات المباركة على أي حال التأويل خاص بأهله يقول القرآن الكريم: ﴿هوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ التأويل خاص بفئة معينة، هذا كلامنا في بيان أقسام المعرفة في القرآن.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة