مقالات

الحجّ عرفــة (1)

 

جوهره حُسنُ الظنّ بالله تعالى
 عرفة وعرفات اسمان لمكان واحد، وقد ورد الثاني في القرآن الكريم، وورد الأول في الروايات،كما يأتي.
وحيث إن السائد الآن هو التوجه إلى عرفة ليلة التاسع مع أنّ المستحبّ هو التوجّه إلى منى والمبيت فيها ثمّ التوجه منها في اليوم التالي - التاسع - إلى عرفة.
ومن الحجّاج من يبقى في مكّة إلى ضحى اليوم التاسع ويحرص على الواجب فيصل إلى عرفة قبل الزوال، فمن المناسب الإشارة هنا إلى ما يرتبط بالتوجه إلى عرفة.
من المستحبّات التي يجدر الحرص عليها، أن يكون البدء في الانطلاقة من مكة إلى عرفة من داخل الحرم.
أورد الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق، قوله عليه السلام: «إن تهيّأ لك أن تصلي صلواتك كلّها الفرائض وغيرها عند الحطيم فافعل، فإنّه أفضل بقعة على وجه الأرض».
أضاف: «والحطيم ما بين باب البيت والحجر الأسود وهو الموضع الذي فيه تاب الله عزّ وجلّ على آدم عليه السلام، وبعده الصلاة في الحِجر أفضل، وبعد الحِجر ما بين الركن العراقي وباب البيت وهو الموضع الذي كان فيه المقام، وبعده خلف المقام حيث هو الساعة، وما قرُب من البيت فهو أفضل».


كما ينبغي التنبّه إلى أهمية التلبية للمحرم عموماً، وبالخصوص أن يلبّي سبعين مرة، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، قوله: «ومن لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانًا واحتسابًا أشهد الله له ألف ملك ببراءة من النار، وبراءة من النفاق».
فمن استطاع أن يعقد إحرام الحج عند مقام إبراهيم أو في حجر إسماعيل كما روي وأفتى به الفقهاء، ويصلي عند الحطيم، حيث لا يكون الحرم مزدحماً في هذا اليوم، فليفعل. ثمّ يتوجه إلى عرفة.
وينبغي أن يؤدّي الحاج ذلك بحيث لا يؤثّر على نشاطه في وقت أعمال عرفة.
وليلاحظ هنا أن فترة ما قبل الظهر من يوم عرفة، لا تحمل أعمالاً خاصة بها، وكأنها فترة حرة، يتم الاستعداد فيها للعمل الجاد الذي يبدأ مع الزوال وحلول وقت صلاة الظهر.
ومن الجدير جداً بكل اهتمام أنه ينبغي للحاج بشكل خاص، أن يعيش قلبه مع وصيّ رسول الله صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف.
يحضر عليه السلام الموسم، كما ورد في الروايات، ويرى الناس وهو يعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه.
وهذه رُبى عرفات أصغر منطقة جعرافياً يجزم المؤمن بوجوده فيها مع إمام زمانه؛ باب الاتصال برسول الله وبالله تعالى.
تصرح بعض المنقولات المعتبرة نقلاً عنه عليه صلوات الرحمن بأنه يزور خيم الحجاج، وأنّ للعزاء في عرفة موقعاً خاصاً لديه سلام الله تعالى عليه.


موقف الاعتراف بالذنب
قال الشيخ الصدوق: «وسمّيت عرفة لأن جبرئيل عليه السلام قال لإبراهيم عليه السلام، بعرفات: اعترف بذنبك واعرف مناسكك، فلذلك سميت عرفة».
أهمّ ما ينبغي أن يشغل القلب في هذه الربى وعلى هذه الأعتاب، هو التفكير الجاد والجذري في حال النفس ومدى مصداقيتها.
هل أريد حقاً أن أكون مؤمناً؟
ما هو مدى الجد في خشيتي لله تعالى.
ويستعرض كل شريط حياته بوضوح، مركّزاً على العقيدة أولاً، والأخلاق ثانياً والسلوك ثالثاً، دون أدنى انطلاق في ذلك من الرضا عن النفس؛ فهو يحاسبها الآن محاسبة الشريك شريكه، ويترك التقييم النهائي إلى حيث يحين وقته.
باب العلاقة بالناس شديد الحساسية. قال تعالى: ﴿..وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ طه:111.
فمن كان يحتطب على ظهره عقوداً من ظلم أهله، ومن حوله أو هم وغيرهم، فهو ظالم.
والقاسم المشترك بينه وبين الحكام الطواغيت والظلمة خطير، وربما لو أتيح له أن يحكم لكان صدّاماً بحسبه، أو فرعوناً آخر بما يناسبه.
وباب حمل هم المسلمين في صلب تزكية النفس، فلا تسجّلنّ الملائكة على هذا القلب أو ذاك أنه ليس مسلماً، فإنّهم إن سجّلوا ذلك لم ينفعه عمل عرفة ولا غيرها.


أليس مَن لم يحمل هم المسلمين خارجاً عن دائرتهم؟؟
ألم يقل المصطفى الحبيب سيّد الرسل صلى الله عليه وآله:
«من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»؟
ولا ينفصل حمل همّ المسلمين إطلاقاً عن خفقة القلب مع مظلومية كلّ مظلوم مستضغف ولو لم يكن مسلماً، فالوقوف مع العدل وضد الظلم لايتجزّأ.
سيجد القلب بلا أدنى ارتياب أنّه يقترب رويداً رويداً من خيمة المولى وصيّ رسول الله الإمام المهدي المنتظر، وإن لم يعرفها، بل ربّما وجد القلب أنّ الإمام بكرمه المحمّدي الإلهي قد بسط عليه غامر حنانه واللطف، وخاطب قلبه، وربما وفق المؤمن للمزيد، فالله تعالى وأولياؤه عادتهم الإحسان إلى المسيئين.
منه تعالى ما يليق بكرمه ومنّي ومنك ما يليق بضعفنا والطين والحمإ المسنون.
ـــــــــــ

مجلة شعائر

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة