مقالات

دور زيارة الأربعين في تبليغ مظلومية أهل البيت “عليهم السلام”

 

إن زيارة الأربعين هي تجسيد لقتل الظلمة والطغاة بلا قتال، وقد أثار ذلك حفيظة الظالمين فجدّوا في منع الموالين من إحياء تلك الشعيرة، والتنكيل بهم، والتشنيع عليهم بمختلف الأساليب، من هنا كانت زيارة الأربعين عملًا إعلاميًّا ضخمًا، وتبليغيًّا بالغ الصعوبة والتعقيد لكنها في الوقت نفسه تكشف المعالم الحقيقية للدين، فهي تجعل من الإنسان مادة للرسالة، ذلك الإنسان المجرد من كل الأسلحة إلا سلاح الولاء واحترام الذات، فهو في زيارة الأربعين كائن مقدس يمشي نحو قبلة الطهر والقداسة لا يتعدى حدوده، يمشي على سكينة ووقار عالماً بحرمة الدماء وقداستها، كما قرر الإسلام ذلك ، فالله تعالى يقول {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة : 32] , وكما أكدت عليه الروايات الشريفة الواردة عن أهل البيت، نذكر من ذلك:
عن أبي ذر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في وصية له قال: «يا أبا ذر سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معاصي الله، وحرمة ماله كحرمة دمه»(1).
عن أبي بصير عن أبي جعفر(عليه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية لله، وحرمة ماله كحرمة دمه»(2).
3- عن حبة العرني قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «من ائتمن رجلاً على دمه ثم خاس – غدر – به ، فأنا من القاتل بريء ، وإن كان المقتول في النار»(3).
لقد استوعبت زيارة الأربعين كل تلك المعاني والإشارات، وعمقت عشق ثورة الإمام الحسين في قلوب وضمائر الناس باعتباره ما خرج إلا لطلب الإصلاح في أمة جده (صلى الله عليه وآله) ، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وهذا هو هدف الإمام في خروجه ، إذ قال (عليه السلام) : «اني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالـمًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي محمد آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر(4)» وهذا ما ينبغي أن يكون شعارًا لزيارة الأربعين على مدى الدهر.
لقد كانت تلك الزيارة العظيمة سباقة في رفع راية أهل البيت عليهم السلام وإسماع دعوتهم لغيرهم لأن تميزهم بإحياء تلك المناسبة ومواظبتهم على رفع شعائر الحب والولاء فيها ، وتأكيدهم على ظلامة أهل البيت(عليهم السلام) واستثارتهم للعواطف بمناسبة ذلك يلفت أنظار الآخرين إليهم ، ويحملهم على الاحتكاك بهم ، والتعرف على ما عندهم، ولاسيما أن احياء هذه المناسبة يكون غالبًا بنحو مثير وملفت للنظر، يساعد على ذلك كله تأييد الله تعالى لهذه الطائفة المنصورة ، فها نحن نرى هذه الأيام اثر هذه الزيارة وغيرها في إلفات نظر العالم وتوجيه وسائل الإعلام المختلفة نحو فاجعة الطف في مواسمها المشهودة، لينظر العالم بعينه مدى استماتة الموالين في إحياء تلك المناسبة وغيرها مضحين بالغالي والنفيس في سبيل إحيائها، غير مكترثين بالمخاطر والظروف التي قد تكون غير مهيأة لتلك الشعائر.
«وذلك يفسر ما رواه معاوية بن وهب من دعاء الإمام الصادق عليه السلام لزوار الإمام الحسين(عليه السلام) – لعلمه بتلك الظروف التي قد يكون فيها مخاطر جمّة على الموالين – حيث قال «اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا، خلافًا منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلب على حفرة أبي عبد الله (عليه السلام) ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا….»(5)

____________
موسوعة الإمام الحسين عليه السلام
(1) وسائل الشيعة ج12 ص281 – ط : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).
(2) وسائل الشيعة ج12 ص281 – ط : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) .
(3) نفس المصدر ج15 ص69.
(4) مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص123.
(5) كامل الزيارات لابن قولويه ص228-229 نقلا عن فاجعة الطف لأية الله العظمى محمد سعيد الحكيم «بتصرف».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة