علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

الاستطاعة والفعل

 

الشيخ جعفر السبحاني
هل الاستطاعة والقدرة في الإِنسان متقدمان على الفعل أو مقارنان له؟.
العدليّة على الأول، والأشاعرة على الثاني. والحق التفصيل ولعلّ هذا مراد الجميع.
بيان ذلك: إِنَّ القدرة تطلق ويراد منها أحد الأمرين :
الأول: صحة الفعل والترك ، وإن شئت قلت: كون الفاعل في ذاته بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل. فلو أريد من القدرة هذا المعنى، فلا شك أنها مقدمة على الفعل فطرة ووجداناً، فإنَّ القاعد، قادر على القيام حال القعود، والساكت قادر على التكلم في زمان سكوته، لكن بالمعنى المزبور.
الثاني: ما يكون الفعل معه ضروري الوجود باجتماع جميع ما يتوقف وجود الفعل عليه، وتحقق العلة التامة التي لا ينفك المعلول عنها. فالقدرة بهذا المعنى مقارنة للفعل، ليست مقدمة عليه تقديماً زمانياً وإنْ كانت متقدمة رتبة.
والحق إِنَّ المسألة بديهية للغاية وما أثير حولها من الشبهات خصوصاً ما ذكره الشيخ الأشعري في (اللمع) أشبه بالشبه السوفسطائية (1). ومثله ما ذكره تلاميذ مدرسته، كالتفتازاني في (شرح المقاصد) ونظام الدين القوشجي في (شرح التجريد) (2)...
وبذلك يظهر أَنَّ ما أقامته المعتزلة من البراهين على تقدم القدرة على الفعل تنبيهات على المسألة، ولا يحتاج الأمر إلى هذا التفصيل المُسْهَب. ولكن الذي ينبغي البحث عنه هو تبيين الحافز الذي دعى الشيخ الأشعريّ إلى اختيار ذلك المذهب (مقارنة القدرة للفعل). مع أَنَّ التقدم والمقارنة بالنسبة إلى ما جاء في الكتاب والسنّة متساويان، فإذاً يقع الكلام في تعيين الداعي إلى اختيار القول بالتقارن بل التركيز عليه.


المحتمل قوياً أنْ يكون الداعي هو قوله بمسألة خلق أفعال العباد، وإنها مخلوقة لله لا للعباد لا أصالة ولا تبعاً، حتى أنَّ القدرة الحادثة في العبد عند حدوث الفعل غير مؤثرة في إيجاده بل مقارنة له. فإذاً المناسب لتلك العقيدة نفي القدرة المتقدمة على الفعل، والاكتفاء بالمقارن له، وكأن الشيخ تصوّر أن القدرة المتقدمة على الفعل تزاحم قدرة الله تعالى فلأجل ذلك وجد في نفسه دافعاً روحياً إلى البرهنة على بطلان التقدم وإثبات التقارن.
نعم، القول بالتقارن ونفي التقدم لا يختص بالشيخ الأشعري وتلامذته، بل وافقهم عليه بعض المعتزلة، كالنّجار، ومحمد بن عيسى، وابن الراوندي، وغيرهم (3).
وقد اتفقت كلمة الجميع على أنّ قدرة الله تعالى متقدمة على الفعل. وذلك أيضاً معلوم حسب أصولنا، لأن القدرة في غيره سبحانه عين القوة والإِمكان. وفي الواجب تعالى عين الفعلية والوجوب، وأَنَّ وجوده بالذات، وكل صفة من صفاته، بالفعل ليس فيها قوة ولا إمكان ولا استعداد.
وقد أسهب صدر المتألهين الكلام في هذا المقام في أسفاره ودفع بعض الإِشكالات التي ترد على القول بقدم قدرته وفعليته (4).


الاستطاعة في أحاديث أئمة أهل البيت :
لقد تضافرت الروايات عن أئمة أهل البيت على تقدم الاستطاعة على الفعل. وإليك بعض ما روي عنهم في هذا الشأن:
1 ـ روى الصدوق عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السَّلام) قال: «ما كَلَّف الله العبادَ كُلْفَةَ فِعل ولا نهاهم عن شيء حتى جَعَل لهم الاستطاعة، ثم أَمَرَهُم ونهاهم، فلا يكون العبد آخذاً ولا تاركاً إلاّ بالاستطاعة متقدمةً قبل الأمر والنَّهي، وقَبْل الأخْذ والتَّرك وقبل القبض والبَسْط» (5).
2 ـ وروى أيضاً عن أبي بصير عن أبي عبدالله قال: سمعته يقول ـ وعنده قوم يتناظرون في الأفاعيل والحركات ـ فقال : «الإِستطاعة قبل الفعل لم يأمر الله عز وجل بِقَبْض ولا بَسْط إِلاَّ والعبدُ لذلك مستطيع » (6).
3 ـ وروى أيضاً عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبدالله ( عليه السَّلام ـ يقول : «لا يكونُ مِنَ العَبَدِ قَبضٌ وَلاَ بَسْطٌ إِلاَّ باسْتِطَاعَة متَقَدّمة للقبْضِ والبَسْطِ» (7).
4 ـ وروى أيضاً عن محمد بن أبي عمير عمن رواه من أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السَّلام) قال سمعته يقول: «لا يكُون العَبْدُ فاعلا إِلاَّ وهو مُسْتَطيعٌ وَقَدْ يَكُون مُسْتطيعاً غير فاعل، وَلا يكونُ فاعلاً أبداً حتَّى يكُونَ معه الاستطاعة» (8) وهناك رواياتٌ كثيرةٌ أخرى مبثوثة في باب الاستطاعة من (التوحيد) فلاحظها.
ومن لطيف ما استدلَّ به أئمة أهل البيت على تقدم الاستطاعة على الفعل قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، فقد «سأل هشام بن الحكم الإِمام الصادق عن معنى الآية وقال: ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه، مُخلىً سِرْبُه، له زاد وراحلة» (9).
« و قال أبو بصير : سمعت أبا عبدالله ( عليه السَّلام ) يقول : « من عُرِضَ عليه الحجُّ ولو على حِمار أَجْدَعَ مَقْطُوعِ الذَّنَبِ فَأَبى ، فهو مِمَّن يَسْتطيع الحجّ » (10).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ لا حظ اللمع ، ص 93 ـ 94.
2 ـ شرح المقاصد ، ج 1 ، ص 240 و شرح القوشجي ، ص 392.
3 ـ شرح المواقف ، ج 6 ، ص 92.
4 ـ الأسفار الأربعة ، ج 6 ، ص 312.
5 ـ التوحيد للصدوق ، باب الإستطاعة ، الحديث 19 ، ص 352.
6 ـ التوحيد للصدوق ، الحديث 21 ، ص 352.
7ـ المصدر السابق ، الحديث 20 ، ص 352.
8 ـ المصدر السابق ، الحديث 13 ، ص 350.
9 ـ التوحيد للصدوق ، الحديث 14 ، ص 350.
10 ـ المصدر السابق ، الحديث 11 ، ص 350.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة