قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

مطاعن ردّ عليها قطب الدِّين الراوندي (2)

 

الشيخ محمد هادي معرفة
سألوا: عن قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ الله}[التوبة: 30]، وهم لمْ يقولوا بذلك؟!
الجواب: إنّها نسبة تشريفيّة تفخيماً لمقامهما، وتعظيماً لشأنهما لديه تعالى: فإذا كان العبد مُنعّماً بتربيةٍ صالحة، ومورد عنايةٍ بالغةٍ منه تعالى، شاع في الأوائل نسبةُ بنوّته له سبحانه، كما هي العادة عند العرب في المتربّي تربيةً صالحةً نسبته إلى المربّي نسبة الوَلَد إلى والده الكريم.
قالوا: الآباء ثلاثة: أبٌ ولَّدك ، وأبٌ زوَّجك، وأبٌ علَّمك.
وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بشأن مُحمّد بن أبي بكر: "مُحمّدٌ ابني من صُلب أبي بكر"، أي تربيتي وخاصّتي.
ويقال: لكلّ منتسب إلى شيء: ابنه، كما في أبناء الدنيا، وأبناء بلد كذا، وهكذا أبناء الإسلام وأبناء الحمية، ونحو ذلك ممّا هو متعارف.
وقال سُحَيم بن وثيل الرياحي:
أنـا ابنُ جَلا وَطَلاّعِ الثنايا مَتى أَضعِ العِمامَةَ تَعرِفوني
ينتسب إلى جَلاء الأُمور والكشف عن خباياها، والتطلّع على الجبال والتلال.
وفي خطبة الإمام السجّاد (عليه السلام) بجامع دمشق: "أيها النّاس، أنا ابنُ مكّة ومِنى، أنا ابنُ زمزم والصَّفا...".
وكذا فيما حكاه الله تعالى عن اليهود والنصارى في قولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة: 18]، أي أخصّاؤه والمتقرّبون لديه.
قال الراوندي: وإنّما خصُّوا عُزَيراً بكونه ابن الله؛ لأنّه هو الذي أعاد عليهم الحياة الدينيّة بعد خلاصهم من أَسر بابل، وكَتَب لهم التّوراة بعد ضياعِها في كارثة بخت نصّر، فكان موضعه لدى اليهود موضع نبيّ الله موسى (عليه السلام)، ولولاه لضاعت شريعة اليهود، وذهبت معالم إسرائيل أَدراج الرّياح.


وعُزَير هذا هو: عَزْرا بن سِرايا بن عَزَرْيا بن حِلْقِيّا، وقد صغّرته العرب وعرّبته على عادتهم في تعريب الأسماء وتغييرها، كما غيّروا (يسوع) بعيسى.
كان (عَزرا) معاصراً للمَلِك الهخامنشي (أرْتَ خَشْتَر = أردشير أَوّل) المُلقّب بـ (دراز دست)، والذي تَزعّم المُلك بعد أبيه (خشيارشا) سنة 465 ق. م، وفي السنة السابعة لمُلكه (458 ق. م)، بعث الكاتب المضطلع (عَزرا) مع جماعة من اليهود، الذي أُطلقوا من ذي قبلُ مِن أسر بابل، إلى (أورشليم) وجهّزهم بالمال والعتاد، وأَمَره أنْ يَعمر البيت ويُحيي شريعة الله من جديد، وأرسل معه كتاباً فيه الدُستور الكامل لإعادة شريعة بني إسرائيل وإحياء مراسيم شعائرهم، وأنْ يُعيّن حُكّاماً وقُضاةً، ويَعمر البلاد حسب شريعة السماء.
جاء في دائرة المعارف اليهوديّة الإنجليزيّة (طبعة 1903 م)، أنّ عصر عَزرا هو ربيع التأريخ للأُمّة اليهوديّة الذي تفتّحت فيه أزهاره وعَبِق شذا أوراده، وأنّه جديرٌ بأن يكون هو ناشر الشّريعة لو لم يكن جاء بها موسى، فقد كانت نُسيت، ولكن عَزرا أعادها وأحياها.
ولذلك يقول (عَزرا) شاكراً لله تعالى: "مُبارك الربّ إله آبائنا الذي جَعل مِثل هذا في قلب المَلِك؛ لأجل تزيين بيت الربّ الذي في أُورشليم، وقد بَسط عليَّ رحمةً أمام المَلِك ومُشيريه وأمام جميع رؤساء المَلِك المُقتدرين..."، الأمر الذي جَعَل من (عَزرا) مكانته الشامخة في بني إسرائيل، ولقّبوه بابن الله، تكريماً لمقامه الرفيع.
وجُملةُ القول: أنّ اليهود ومازالوا يُقدّسون (عُزَيراً) هذا، وأدّى هذا التقديس إلى أنْ يُطلقوا عليه لقب (ابن الله) تكريماً، ولعلّه، وفي الأدوار اللاحقة، زَعَم بعضهم أنّه لقبٌ حقيقي، كما نُقل عن فيلسوفهم (فيلو) ـ وهو قريب من فلسفة وَثَنِيي الهند التي هي أصل عقيدة النصارى ـ كان يهوديّاً من الإسكندريّة ومعاصراً للمسيح (عليه السلام)، كان يقول: إنّ لله ابناً هو كلمتُه التي خَلَق منها الأشياء، ومنه اتّخذ النصارى هذا اللّقب للمسيح (عليه السلام).
قال الشيخ مُحمّد عَبده: "فعلى هذا، لا يُبعد أن يكون بعض المتقدّمين على عصر البعثة المُحمّديّة قد قالوا: إنّ عُزيراً ابن الله بهذا المعنى".
قال الطبرسي: "قيل: وإنّما قال ذلك جماعة من قَبلُ وقد انقرضوا، وهكذا قال الراوندي: قالت طائفة من اليهود: عُزير ابن الله، ولم يَقل ذلك كلّ اليهود، وهذا خُصوصٌ خَرج مَخرج العُموم".
وقد رُوي عن ابن عبّاس قال: أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، وأبو أنس، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف ـ من وجوه يهود المدينة ـ فقالوا: كيف نَتّبِعُك وقد تركتَ قبلتنا ولا ترى عُزيراً ابناً لله، وقد أعاد علينا التوراة بعد الاندراس، وأحيا شريعتنا بعد الانطماس؟!.
ومع ذلك: فإنّ القرآن ينسب إليهم هذا القول تعنّتاً وجدلاً منهم، وليس على حقيقته: {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ}[التوبة: 30]؛ حيث نَسبوا إلى الله البنات، وزعموا أنّ الملائكة إناث، قولاً بلا هَوادَة، وعقيدةً من غير مستند.

قال مُحمّد عَبده: وقد جرى أُسلوب القرآن على أنْ ينسب إلى أُمّةٍ أو جماعةٍ أقوالاً وأفعالاً مُستندة إليهم في جملتهم، وهي ممّا صدر عن بعضهم، والمراد من هذا الأسلوب تقرير أنَّ الأُمّة تُعدّ متكافلة في شؤونها العامّة، وأنّ ما يفعله بعض الفِرَق أو الجماعات أو الزعماء يكون له تأثير في جملتها، وأنّ المُنكَر الذي يَفعله بعضهم، إذا لم يَنكر عليه جمهورُهم ويزيلوه، يُؤاخذون به كلّهم، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال: 25]، وهذا مِن سُنَن الاجتماع البشريّ، أنّ المصائب والرزايا التي تحلّ بالأُمَم بفشوّ المفاسد والرذائل فيها، لا تختصّ بالذين تلبّسوا بتلك المفاسد وحدهم، كما وأنّ الأَوبئة التي تحدث بكثرة الأقذار في الشعب، وغير ذلك من الإسراف في الشهوات، تكون عامّةً أيضاً.
قال الراوندي، وسألوا عن قوله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ}[الصافات: 145).
قالوا: كيف جَمَع الله بينه وبين قوله: {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}[القلم: 49] وهذا خلاف الأَوّل؛ لأنّه قال أَوّلاً: (نبذناه) مطلقاً، ثُمّ قال: (لولا أنْ تَداركه لنُبذ بالعَراء)، فجَعَله شرطاً !
الجواب: معنى ذلك: لولا أنّا رحمناه بإجابة دعائه، لنَبذناه حين نبذناه بالعَراء مذموماً... فالآية الثانية لا تنفي النبذ، بل تنفي النبذ في حالة كونه مذموماً، فلا تنافي بين الآيتَين.
قال: وسألوا: عن قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ}[الأنعام: 74]، في حين أنّ اسم أبيه في التوراة تارح، قال: والصحيح أنّ آزر ما كان أباً لإبراهيم.
وقد ذكرنا في موضعه أنّ آزر كان عمّاً له، ويقال: إنّه تزوّج بأُمّ إبراهيم بعد موت أبيه تارح، فكان إبراهيم ربيبه وابن أخيه، واستعمال الأب في مثل هذا متعارف.
قال: وسألوا: عن قوله: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعً}[الكهف: 25]، ثُمّ قال: {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُو}[الكهف: 26]، وهذا يدلّ على أنّ غيره لا يعلم بمدّة لبثِهم، في حين أنّه أَعلَمَنا بذلك في الآية الأُولى !
الجواب: أنّ هذا ردّ على اختلافهم في مدّة اللّبث، حيث لا عِلم لهم بذلك؛ ولذلك بيّنها وأَعلَمَهم بها، وهذا يدلّ على حصر العلم بذلك على الله لا غيره، (وسوف نذكر أنّ الآية نَقلٌ لقولهم، فهو مَقول لهم وليس منه تعالى).
قال: وسألوا: عن قوله تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ}[مريم: 28]، ولم يكن لها أخ بهذا الاسم !


وقد استوفينا الكلام في ذلك، وأنّه لم يُرِد الأُخوة في النسب، بل الانتساب إلى قبيل هارون؛ حيث كانت من أحفاده، كما يقال: يا أخا كليب، وهو متعارف.
قال: وسألوا: عن التَّكرار في سورَتي الرحمن والمُرسلات، وكذا التَّكرار في بعض القِصَص التي جاءت في القرآن، قالوا: أليس التكرار يُخلّ بفصاحة الكلام؟
لكن التكرير، سواء أكان في المعنى، نحو: أَطعني ولا تَعصني، أم في اللّفظ والمعنى معاً، نحو: عجّل عجّل، فإنّما هو للتأكيد والمبالغة، وقد يزيد تزييناً في الكلام وروعةً بالغة، وإنّما ذمّ أهل البلاغة التكرار الواقع فضلاً في الكلام ممّا لا فائدة فيه، فهو من اللغو الذي يتحاشاه الكلام البليغ.
انتهى ما أَردنا نَقلَه من كتاب "الخرائج والجرائح" للراوندي، وربّما عَمدنا إلى النقل بالمعنى، أو مع يسيرٍ مِن إضافات أو تغييرات للاستزادة من الإيضاح.
أمّا التَّكرار في القِصَص، فقد ذَكَرنا: أنّها في كلّ مرّة تهدف إلى نكتةٍ غير التي جاءت في غيرها؛ ومِن ثَمّ فإنّها ليست بتكرار في حقيقتها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة