قرآنيات

مجامع مبادئ الشرّ والعصيان

 

صدر المتألهين الشيرازي 
{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48)} (سورة الواقعة)
لمّا ذكر سبحانه نبذاً من أحوال أهل الضلال وأصحاب الشمال بحسب العاقبة والمآل ({فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)}) 
أراد أن يذكر نبذاً من أسباب شقاوتهم من أحوالهم وأفعالهم التي أوجبت لهم هذا النكال، وذهبت بهم إلى مضيق هذا الوبال، إذ العاقبة لكلّ أحد من نتيجة السابقة، والنهاية من مقولة البداية.
ثمّ لا شكّ أنّ مجامع مبادئ الشرّ والعصيان في أفراد الإنسان منحصرة في أمور ثلاثة، لأنّ له قوى ثلاث خلقها الله فيه لحاجته إليها ما دام في الدنيا لتكون وسيلة له إلى حسن العاقبة في الأخرى إذا صرفها فيما خُلقتْ لأجله وهي بعينها أسباب الشقاوة عند انصرافها في غير وجوه مصارفها الشرعيّة ومواضعها الفطريّة.


 1  أحدها: القوّة الشهوية: التي من شأنها أن تُستعمل في المُستقبحات وتدفع القاذورات
2   والثانية: القوّة الغضبيّة: التي من شأنها الغلبة والتهجّم والإيذاء
3   والثالثة: القوّة الإدراكيّة: سيما الوهميّة التي من شأنها الجربزة والمكر والحيلة
1   فقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}: إشارة إلى فعل القوّة الشهويّة على وجه الإفراط، أي كانوا في الدنيا متنعّمين، مفرطين في المآكل والمشارب اللذيذة والمناكحات الشهيّة، وبيّنَ سبحانه أنّ الترف ألهاهم عن الانزجار، وشغلهم عن الاعتبار، فكانوا تاركين للواجبات طلباً للراحة.
2   وقوله تعالى: {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}: أي الذنب العظيم: إشارة إلى فعل القوّة الغضبيّة، إذ الإصرار على الذنب أن يُقيم عليه ولا يقعد عنه بلوم لائم ولا ينزجر بزجر زاجر، لشدّة القوّة الغضبيّة وإفراط الداعية.
ولمّا كانت القوّة الغضبيّة أقوى من الشهويّة وأقرب إلى الأفعال الباطنة، فكانت ذنبها عظيماً بالقياس إلى ذنب الشهوة، فكذلك ذنب القوّة الوهميّة أعظم من ساير الذنوب، كما أنّ طاعتها أعظم أجراً من طاعة هذه القوى التي تحتها...
3   وقوله: {يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}: إشارة إلى فعل القوّة الوهميّة، وهو الاعتقاد الباطل في استحالة البعث والنشور، بناء على مقدّمات وهميّة وقضايا كاذبة يؤلف منها قياس مغالطي، أو مقدّمات مشهور وقضايا شبيهة بالحقّ يؤلف منها قياس جدلي.
وهذا أشدّ ضراراً وأكثر فساداً وأصعب انقلاعاً عن قلوب الجماهير...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة