علمٌ وفكر

ما هي ماهية الحق وحقيقة الظلم؟ (2)

 

السيد منير الخباز
الظلم سلب ذي الحق حقه.
إذاً: لا يمكن للعقل أن يدرك أن فعلاً من الأفعال ظلم حتى يدرك في رتبة سابقة أن هناك حق، وإلا لم يدرك أن هناك ظلم؛ لأننا قلنا بأن الظلم سلب ذي الحق حقه فلابد أن ندرك أن هناك حق لكي ندرك أن سلبه ظلم، فنرجع إلى الحق، ما هو تعريف الحق؟
فهنا يقرر السيد الصدر قدس سره أن الحق عبارة عمّا لا ينبغي تركه، أو عبارة عمّا ينبغي فعله، فمثلاً إذا قلنا من أحيا أرضاً فله حق فيها إذا قام إنسان بإحياء أرض يثبت له حق فيها، فما معنى أن يكون له حق؟ عندما نأتي لنحلل هذه المفردة ما معنى أن لهذا الإنسان حقاً في الأرض التي أحياها؟
معناها أنه لا ينبغي لأحد التصرف في الأرض من دون الرجوع إليه، إذاً أرجعنا الحق إلى كلمة لا ينبغي.
عندما نقول للإنسان حق الحياة، حق كل إنسان أن يبقى حياً، يعني لا ينبغي أن إتلاف روحه، إذاً مفردة الحق ترجع بحسب التحليل ترجع إلى مفردة أخرى وهي ما لا ينبغي.
إذاً بعد هذا سترجع قضية الظلم قبيح إلى قضية ضرورية بشرط المحمول؛ قبيح بمعنى لا ينبغي، والظلم هو سلب ذي الحق حقه والحق عبارة عمّا لا ينبغي، فكأننا قلنا: ما لا ينبغي سلبه لا ينبغي سلبه، وعندما نطبقها على حق الحياة نقول: سلب الحياة مما لا ينبغي؛ لأن هذا معنى الحق، معنى حق الحياة أن سلب الحياة عنه مما لا ينبغي، إذاً سلب الحياة الذي لا ينبغي لا ينبغي سلبه، فرجعت مفردة الظلم قبيح إلى مفردة أن ما لا ينبغي سلبه لا ينبغي سلبه، وهذه قضية ضرورية بشرط المحمول، وبما أنها قضية ضرورية بشرط المحمول فليس فيها شيء جديد، يعني هي قضية فارغة من المعنى، فكيف نقول أن قضية الظلم قبيح قضية رئيسة وهي قضية فارغة من المعنى؟! هي قضية ضرورية بشرط المحمول.


كذلك «العدل حسن» نفس الكلام، العدل عبارة عن إعطاء ذي الحق حقه، والحق عبارة عما ينبغي، للإنسان حق الحياة يعني ينبغي إعطاؤه الحياة، ترجع العدل حسن إلى ما ينبغي إعطاء الحياة له ينبغي، فترجع القضية إلى ضرورية بشرط المحمول.
إذاً: هذا الذي اتفق عليه العلماء في كل عصر ودهر على أن هناك قضية رئيسة في المجتمع العقلائي لا كلام فيها وهي أن العدل حسن والظلم قبيح وهي مفتاح القضايا ورأس القضايا ورأس المال للعقل العملي، السيد الشهيد الصدر يقول هذا كله اشتباه من أساسه، هاتان قضيتان فارغتان عن المعنى فهي مجرد مشير إلى قضايا أخرى، كيف؟
يعني أدرك الوجدان الفطري لدى الإنسان عدة قضايا فقال الصدق حسن والأمانة حسنة وحفظ الحياة حسن والإحسان حسن، هذه القضايا الأربع الحسنة أردنا أن نشير إليها بعنوان واحد فقلنا العدل حسن، العدل ليس إلا هذه القضايا فهو مشير إلى قضايا أخرى، وليس قضية في حد ذاتها وتعتبر رئيسة ومفتاحاً للقضايا، هي مجرد مرآة تشير إلى قضايا أخرى.
أيضا عندما نأتي إلى قسم القبيح نقول الكذب قبيح والخيانة قبيحة وإتلاف النفس المحترمة قبيح والكفر بالنعمة قبيح، هذه القبائح نشير إليها بعنوان الظلم قبيح، فليست قضية الظلم قبيح إلا مرآة لقضايا أخرى، وليست قضية العدل حسن إلا مرآة لقضايا أخرى، وبالتالي لا يصح أن يقال هناك قضيتان رئيستان هي مفتاح القضايا وهي العدل حسن والظلم قبيح.


الملاحظة على كلام السيد الشهيد: كلام السيد الشهيد مركزه في تعريف الحق، يعني لو أردنا أن نناقش أو نتأمل لابد أن نرجع إلى تعريف الحق، وإلا فلا كلام عندنا في أن الظلم سلب ذي الحق حقه، إذاً لابد من تقرير حق في رتبة سابقة، أن يدرك العقل وجود حق ثم يدرك العقل أن سلب ذلك الحق ظلم وهو قبيح، فلابد أن نعود لتعريف مفردة الحق، هل الحق من مدركات العقل النظري أم أنه من مدركات العقل العملي؟ هنا يكمن الخلاف؛ لأن السيد الصدر مصر على أن الحق من مدركات العقل العملي فأرجع الحق إلى كلمة ما ينبغي وما لا ينبغي، لذلك آلت القضية وهي الظلم قبيح إلى قضية ضرورية بشرط المحمول، ولكن عندما نرجع مفردة الحق إلى مفردات العقل النظري، هي قضية نظرية، كما يدرك العقل أن الله واحد، هذا من مدركات العقل النظري، كما يدرك العقل أن النبي صادق، وهكذا، كما يدرك العقل النظري هذه الصفات يدرك العقل النظري مفردة الحق، الحق من مقولة مدركات العقل النظري.
إذاً: ما هو تعريف الحق؟ عندما نقول للإنسان حق الحياة، هل هذا معناه أنه لا يجوز سلبه؟ أو أن لا ينبغي سلبه متفرع على أن له الحق في الحياة؟
يعني لأننا أدركنا بالعقل النظري في رتبة سابقة أن للإنسان حق الحياة حكم العقل العملي بأن سلبه مما لا ينبغي، إهداره مما لا ينبغي، هذا متفرع على مفردة الحق التي هي من مقولة العقل النظري لا من مقولة العقل العملي.
إذاً بالنتيجة: ما هو الحق كمفردة يدركها العقل النظري ويحكم على إثر إدراكه العقل العملي بأن سلبه مما لا ينبغي أو أن إهداره مما لا ينبغي؟
الحق عبارة عن علقة اعتبارية بين ذي الحق والمصلحة الملزمة.


يعني عندما نأتي مثلاً ونقول: من أحيا أرضا فله حق فيها، معنى أن من أحيا أرضاً فله حق فيها هو ذلك الحبل الذي يصل بين المحيي وبين المصلحة الملزمة.
بمعنى أنه لمّا كان في إحياء هذه الأرض مصلحة من المصالح، مصلحة عامة أو خاصة، انعقدت علقة بين هذا المحيي وبين هذه المصلحة الملزمة فقلنا: في هذه المصلحة اقتضاء لعلقة اعتبارية اتصف بها المحيي، هذه العلقة الاعتبارية - التي نشأت عن اقتضاء المصلحة الملزمة - نعبر عنها بالحق ونرتب عليها بأنه لا يجوز سلبها.
وبعبارة أوضح وأبين: نأتي إلى عنوان عام فنقول حفظ النفوس عن التلف محقق لمصلحة ملزمة، حفظ الأعراض عن التلف محقق لمصلحة ملزمة، حفظ الأموال عن التلف محقق لمصلحة ملزمة، حفظ الجهود - كإحياء الأرض - عن التلف محقق لمصلحة ملزمة، لأن في حفظ هذه الأمور «الأنفس، الأعراض، الأموال، الجهود» مصلحة ملزمة، إذاً اقتضت تلك المصلحة الملزمة علقة اعتبارية لهذه الأمور «للنفس، للعرض، للمال، للجهد»، هذه العلقة الاعتبارية التي اقتضتها المصلحة الملزمة نعبر عنها بالحق، ولأنها حق قال العقل العملي بأنه لا يجوز تفويته، فإن في تفويتها إهداراً للمصلحة الملزمة، حيث أدرك العقل أن في حفظ النفوس مصلحة ملزمة أدرك أن في هذه المصلحة اقتضاءً لشيء وأن في التفريط في ذلك الشيء إهداراً لتلك المصلحة الملزمة، فأدرك العقل وجود حق ورتب عليه بأنه لا ينبغي إهداره.
إذاً بالنتيجة: لو أرجعنا العدل إلى إعطاء ذي الحق حقه وأرجعنا الظلم إلى سلب ذي الحق حقه فنحن لم نأخذ فيهما ما ينبغي وما لا ينبغي، كي يكون حمل قبيح على الظلم وحمل حسن على العدل من القضية الضرورية بشرط المحمول.
والخلاصة: أن ما ذكره السيد الصدر قدس سره من أن قضية العدل حسن والظلم قبيح مجرد قضيتين مشيرتين إلى قضايا أخرى وليستا مفتاحاً في الحسن والقبح إنما بناه على تعريفه للحق في رتبة سابقة بأنه من أحكام العقل العملي فرتّب عليه ذلك، ولكن إذا عرّفنا الحق في رتبة سابقة بأنه من مدركات العقل النظري، وأن حق الحياة - مثلاً - معناه أن في حفظ الحياة مصلحة ملزمة، فهذا يعني أن إهدار المصلحة الملزمة التي أدركناها قبيح، هذا معنى الظلم قبيح، وحفظ المصلحة الملزمة ومقتضياتها حسن، هذا معنى العدل حسن.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة