مقالات

الإنسان (1)

 

الإمام الخميني "قدس سره"
الإنسان بين حالتين لا متناهيتين 
الإنسان كائن عجيب بين جميع الكائنات ومخلوقات الباري تعالى لا يوجد أي كائن مثل الإنسان، فهو أعجوبة لإمكانه أن يصبح كائناً إلهياً ملكوتياً، أو كائناً شيطانياً جهنمياً، وإن بقية الكائنات ليست كذلك، فهي ليست كذلك بأن يكون الفاصل بهذا المقدار بين الفرد الكامل والفرد الجهنمي الناقص، فهذا من مختصات الإنسان أوجده الله تعالى مع جميع أوصافه وصفاته المقدسة وكل شيء فيه فيكون من هذا الإنسان النبي الأكرم وسائر الأنبياء ويكون منه أبو جهل وأمثال أبو جهل والمتوسطون أيضاً ما بين هذين إلى ما لا يُعلم وإن الأعمال التي تصدر منه فإن حسنها وقبحها وصلاحها وفسادها مرتبط بتلك الجهات المعنوية للإنسان.
 

ارتباط الروح والجسم
هناك وحدة بين الروح والجسم، فالجسم ظل الروح، والروح باطن الجسم، والجسم ظاهر الروح، وهما شيء واحد لا ينفصلان، فكما أن روح الإنسان وجسمه لهما وحدة، فيجب أن يكون لطبيب الجسم وطبيب الروح وحدة، فيجب أن يكونا واحداً. 

الإنسان عالم صغير 
عندما تلاحظون الإنسان فإن نشوءه الأولي لا يختلف عن سائر النباتات، إذ أن النبات أو نواة التمر أو نواة شيء آخر يُلقى في التربة، فتقوم التربة بالتربية، فينمو في مكان خاص يحتاجه للنمو، والحيوان أيضاً تقع نطفته في الرحم وهي بذرة وهذه البذرة مكانها هناك، أي أن مكان تربيتها هناك، ولو أمكن في يوم إيجاد مكان له نفس هذه الخاصية لتنمو النطفة فيه كما في الرحم، لأمكن القيام بالتربية، وقد يشمل ذلك الإنسان في يوم ما. 
إنه في البداية كسائر النباتات، ولا يختلف عنها، فهي تنمو وهو ينمو أيضاً، لكنه في مكان خاص وضمن ظروف خاصة وإن النباتات تنمو في محل خاص آخر وضمن ظروف أخرى بيد أنهما يشتركان في هذا المعنى وهو أنهما يُزرعان ويبدأ هذا الزرع بالنمو بواسطة القوى التي أودعها الله تبارك وتعالى في الأرض، والقوى المودعة في الرحم، فهما يشتركان مع بعضهما، ثم يستقر تدريجياً هذا الذي زرع في الأرض، ويبقى نباتاً حتى النهاية إلى أن يصل إلى الثمرة، وإن ثمرته هي ثمرة للنبات. 
أما التي لم تزرع في الأرض وهي الحيوانات جميعاً ومنها الإنسان فإنها تعلو تدريجياً فوق مرتبة النبات وتظهر عندها روح حيوانية في نفس المرتبة التي هي فيها فتمتاز عن سائر النباتات لكنها حيوانات بأجمعها، أي تشترك بالروح الحيوانية، وعندما تولد في هذا العالم وتنفصل عن مكانها يعتبر هذا امتيازاً عن النباتات لأن النبات سوف ينتهي لو فصلناه عن مكانه إلاّ أنها تنفصل عندما يقتضي الأمر وتكتمل تلك الصفة النباتية وتظهر الصفة الحيوانية، وتنتهي الحاجة للرحم، وتلج هذا العالم. 
تشترك الحيوانات جميعاً في الأكل والنوم والشهوات وأمثال ذلك فلا امتياز بينها إلاّ من خلال الصفات الحيوانية، وإن هذه الحيوانات الموجودة تختلف في الإدراك أيضاً، فالقرد مثلاً يدرك ويفهم أكثر من حيوان آخر، ويصبح الإنسان ممتازاً بهذه الحيوانات لأنه قادر على التطور، فهو يختلف عنها في الإدراك، وفي غاية الإدراك، إذ أن إدراك الحيوان محدود ضمن حدود معينة وينتهي، ولكن ينبغي القول بأن إدراك الإنسان وقابليته للتربية غير متناهية تقريباً فالإنسان إذاً عنده العالم بأجمعه وزيادة، كل ما هو موجود في العالم من الكائنات فإنه يمتاز عنها، فهو يشترك مع الحيوانات والنباتات وما يعادلها لكنه يفوقها بامتلاكه لقوة عاقلة وقوة أسمى غير موجودة عند بقية الكائنات.


الإنسان كائن طبيعي وما وراء الطبيعة
لو كان الإنسان لا يخرج عن حدود الطبيعة لما كانت هناك حاجة لأن يأتيه شيء من عالم الغيب لتربيته، فلا حاجة لتربية الجانب الآخر من الإنسان لعدم وجوده، ولكن بما أن الإنسان مجرداً عن عالم الطبيعة حقيقة، وهذه الخصوصيات الموجودة في الإنسان بذاتها تدل على وجود ما وراء لهذه الطبيعة، ولأن الإنسان له ما وراء الطبيعة وحسب البراهين الثابتة في الفلسفة فإنه يوجد ما وراء هذه الطبيعة في الإنسان، والإنسان له عقل مجرد بالإمكان وسيصبح مجرداً تاماً فيما بعد، فإنه يجب أن يقوم بتربية الجانب الآخر للإنسان وهو الجانب المعنوي، من له علم بذلك الجانب، علماً حقيقياً به، وعلماً بالعلاقات القائمة بين الإنسان والطبيعة والجانب الآخر، وإن الذي يتمكن من إدراك هذه العلاقة ليس بشراً، لأن الإنسان لا يتمكن من ذلك، إنه قادر على هذا المقدار من إدراك الطبيعة، ومهما نظر إلى عالم ما وراء الطبيعة من خلال عدسة مكبرة فلن يشاهد شيئاً، إنه بحاجة إلى استخدام معانٍ أخرى، وبما أن هذه العلاقات خافية على البشر ويعلمها الله تبارك وتعالى الذي خلق كل شيء، لهذا ينزل الوحي الإلهي على أشخاص كاملين قد سلكوا طريق الكمال والمعنوي وفهموا، فتحدث العلاقة بين الإنسان وعالم الوحي، ويوحي إليه، ويُبعث لتربية الإنسان في بعده الآخر، فيأتي هؤلاء إلى الناس ليقوموا بتربيتهم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة