مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي رضا بناهيان
عن الكاتب :
ولد في عام 1965م. في مدينة طهران وكان والده من العلماء والمبلغين الناجحين في طهران. بدأ بدراسة الدروس الحوزوية منذ السنة الدراسية الأولى من مرحلة المتوسطة (1977م.) ثم استمرّ بالدراسة في الحوزة العلمية في قم المقدسة في عام 1983م. وبعد إكمال دروس السطح، حضر لمدّة إثنتي عشرة سنة في دروس بحث الخارج لآيات الله العظام وحيد الخراساني وجوادي آملي والسيد محمد كاظم الحائري وكذلك سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي. يمارس التبليغ والتدريس في الحوزة والجامعة وكذلك التحقيق والتأليف في العلوم الإسلامية.

عَرَفْتُ اللهَ سبحانه بِفَسْخِ العَزائِم

الشيخ علي رضا بناهيان

هناك عبارة فوق الرائعة عن أمير المؤمنين (ع) يقول فيها: "عَرَفْتُ اللهَ سبحانه بِفَسْخِ العَزائِم" (نهج البلاغة/ص511/ح247)

وفي الواقع يقف الإنسان حائراً لا يدري كيف يشرح هذه العبارة الرائعة لأمير المؤمنين (ع).

إنّ هذا الرجل العظيم والعارف بالله وأمير العارفين يقول أتدري أين عرفتُ الله وبماذا عرفته؟ لقد عرفته بفسخ العزائم.

ما معنى فسخ العزائم؟

يعني عندما يخرّب الله حسابات الإنسان وتخطيطاته وبرمجاته.

وكذلك الله سبحانه يريد أن يلفت أنظارنا إلى نفسه من خلال إفشال بعض التخطيطات والحسابات، لنلتفت إليه ونراه ونأخذه بعين الاعتبار، فهل قد رأيتَ الله في هذه الحالات؟ ...

لقد كشف أمير المؤمنين روحي وأرواح العالمين له الفداء في مطلع كتابه لابنه الإمام الحسن (ع) عن هذه الحقيقة بكل صراحة، فقد بدأ كتابه بهذه العبارة "مِنَ اَلْوَالِدِ اَلْفَانِ" وهي عبارة لا تعجب السامع.

ثم قال "الـمُقِرِّ للزَّمَانِ" يعني قد أقررت بغلبة الزمان عليّ فلم أتغلب على الزمان بل هو الذي سيطر عليّ.

ما معنى سيطرة الزمان؟

يعني إنه يفرض عليك أحداثًا لا تهواها.

ثم قال: "الـمُسْتَسلِمِ لِلدَّهرِ" فعرّف نفسَه في سبع عبارات كلها من هذا القبيل تتحدث عن الضعف والموت والفناء.

ثم انتقل الإمام إلى ذكر خصائص مستلم الكتاب الذي هو شابّ مقتبل العمر، فقال: "إلى الـمَولودِ المؤَمِّلِ ما لا يُدْرَك" يعني أكتب رسالتي إلى هذا الشابّ الذي لا يدرك مناه ولا يصل إلى آماله في هذه الدنيا.

"السالكِ سبيلَ منْ قَد هَلَك"، "غَرَضِ الْأَسْقَامِ" يعني قد استهدفته الأمراض!

"وَرَهِينَةِ الْأَیّامِ" أي مقيّد بالأيام وأحداثها.

فلو كنّا إلى جانب أمير المؤمنين (ع) ونرى ما يكتب لابنه الإمام الحسن (ع) لطلبنا منه أن يخفف من لحنه السلبي في الرسالة ولرجونا منه أن يستخدم عبارات إيجابية!

"السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى" هذا هو الأسلوب الإيجابي لأمير المؤمنين (ع)! يعني الساكن في بيوت الأموات، يعني كان يسكن مكانك في هذا البيت وفي هذا الحيّ إنسان آخر قد مات، فسكنت أنت مكانه!

إن كتاب الواحد والثلاثين في نهج البلاغة هو أول كتاب أخلاقي وتربوي وتعليمي كتب في صدر الإسلام وعلى يد الرجل الأول في العالم بعد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله.

إنّه وثيقة عِلْوية وليست رواية كباقي الروايات، إنه كتاب تعليمي وليس كتاب مطالعة، يشتمل على دورة في المعارف الدينية.

ثم في هذه الرسالة يذكر أربع عشرة خصلة لابنه الشابّ وأغلبها سلبية على حدّ قولنا.

لقد صارح أمير المؤمنين (ع) ابنه بحقائق العالم وقواعده، فلا يتوهم أحد أن الإمام لم يكن يحبّ ابنه ولولا ذلك لعطف عليه وتحدث معه بغير هذه العبارات!

انظروا كيف يعبّر أمير المؤمنين (ع) عن حبّه الشديد لولده حيث قال: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ فِيمَا تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي وَجُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَّ وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ إِلَيَّ مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ‏ وَالِاهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِي غَيْرَ أَنَّهُ حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي فَصَدَفَنِي رَأْيِي وَصَرَفَنِي هَوَايَ وَصَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لَا يَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ وَصِدْقٍ لَا يَشُوبُهُ كَذِبٌ‏ وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي بَلْ‏ وَجَدْتُكَ‏ كُلِّي‏ حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي‏" (نهج البلاغة/ك31(

فتيقن أخي العزيز بأنك لا تصل إلى أمانيك في هذه الدنيا بلا ريب، إذ قد صمّم الله آمالك بالنحو الذي لا تقدر على إنجاز جميعها في الدنيا.

ولا سبيل للتخلص من قاعدة الدنيا فقد خلقنا في كبد ولا بدّ أن نتحمل بعض العناء والآلام.

وعندما تتقرب إلى بعض آمالك يبعدها الله عنك...

إذن هناك تعارض وتضادّ في داخلك بين الأهواء والرغبات يفرض عليك أن تجاهد نفسك، وفي نفس الوقت قد قدّر الله مقدراتك في هذه الدنيا على أن لا تخلو حياتك من العناء والمحن.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة