مقالات

قراءة تحليلية في شخصية الإمام السجاد (ع) (1)

السيد منير الخباز

﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾

عند حديثنا حول شخصيات أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» نتناول محورين:

في اختلاف أدوار أهل البيت  .
وفي اختلاف النفس الأدبي لكلمات أهل البيت.

المحور الأول: اختلاف أدوار أهل البيت.

عندما نقرأ تاريخ أهل البيت، نجد أنّ الأدوار التي استندت إليهم أدوار متعدّدة، فقد انتسب إلى الإمام أمير المؤمنين علي   صفة العدالة، وإلى الحسن   صفة الصلح والسلم، وإلى الحسين   صفة الثورة والحركة، وإلى الإمام زين العابدين   صفة العبادة، مع أنّ الجميع بلغوا قمّة الكمال، مثلهم واحدة، كمالاتهم واحدة، ولكن برزت لكل واحد منهم صفة أكثر من بروز الصفة الأخرى، ما هو العامل في ذلك؟ ما هو السر في ذلك؟ هنا قراءتان: قراءة تاريخية، وقراءة عرفانية.

القراءة الأولى: القراءة التاريخية.

وهي التي أشار إليها كثير من علمائنا عند تحليلهم لتاريخ أهل البيت، وهي أنّ اختلاف الأدوار فرضه اختلاف الظروف، اختلاف الظروف الاجتماعية الموضوعية هو الذي فرض اختلاف الأدوار، الظروف التي عاشها أمير المؤمنين علي   كانت ظروف خلافة وحكم، لذلك تجلّت فيه صفة العدالة أكثر من صفة أخرى، الظروف التي عاشها الحسن بن علي   كانت ظروف فتنة وإراقة الدماء، فبرزت فيه صفة السلم الاجتماعي، كان الإمام الحسن   رمزًا للسلم الاجتماعي، كما قال  : إني خشيت أن يجتث المسلمون عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين ناعٍ، الظروف التي عاشها الحسين بن علي   كانت ظروف انهيار إرادة الأمة، حيث إنّ الأمة فقدت إرادتها في رفض الظلم وفي رفض الطغيان، ممّا هيّأ الإمام الحسين للقيام بثورته المباركة من أجل استرجاع الأمّة لإرادتها، ومن أجل تنبيه الأمة من رقدتها، وإيقاد عزمتها تجاه رفض الظلم والذل. إذن، الظروف هي التي جعلت الأدوار مختلفة، الظروف هي التي أبرزت صفة لعلي أكثر من صفة أخرى، وصفة للحسين أكثر من صفة أخرى، فهذا تحليلٌ وقراءةٌ تاريخيةٌ لاختلاف أدوار أهل البيت "صلوات الله عليهم أجمعين".

القراءة الأخرى: القراءة العرفانية.

اختلاف هذه الصفات في شخصيات أهل البيت لاختلاف التجلّي الإلهي في شخصياتهم وفي ذواتهم، بيان ذلك: الله تبارك وتعالى تجلّى لمخلوقاته من خلال صفتي الجلال والجمال، له جلال يتنزّه به عن مخلوقاته، وله جمال من خلاله تنجذب مخلوقاته إليه، فهو من خلال صفتي الجلال والجمال عرفه مخلوقاته، وعرفه خلقه.

مثلًا: نلاحظ الشمس، هذا الجرم الناري، هو مجلى ومظهر لصفة الجلال، وهو مظهر أيضًا لصفة الجمال، الشمس كسائر النجوم التي تعيش اندماجًا نوويًا في داخلها، إذا نظرنا إلى الشمس كنجم يعيش اندماجًا نوويًا في داخله فهو جرم حارق، جرم مميت، إذن الشمس في هذا الاندماج النووي تعتبر مظهرًا لصفة الجلال والعظمة لله عز وجل، ولكن إذا رأينا الشمس أنها هي مصدر الدفء، هي مصدر الحياة، لولا ضوء الشمس لم تعش كائنات حية على سطح الأرض، الشمس مصدر الدفء، مصدر الحياة، إذن الشمس مظهر للجمال الإلهي، الشمس مظهر جلال ومظهر جمال. الله تعرّف إلى خلقه من خلال صفتي الجلال والجمال، ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.

كما تجلّى الله في المخلوقات، تجلّى في الشمس، في المجموعات الشمسية، في الأرض، في السماء، فقد تجلّى الله لنا من خلال الأنبياء والأوصياء والأئمة، الإمام مظهر لله، كما أنّ الشمس مظهرٌ لله في جلاله وجماله الإمام أيضًا مظهر لله تبارك وتعالى في جماله وجلاله، تجلّى الله للخلق من خلال هؤلاء الأصفياء والأوصياء، ”السلام على محال معرفة الله“، بهم عرف الله، يعني بصفاتهم عرفت صفات الله عز وجل، ”السلام على محال معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله، وحملة كتاب الله، وأوصياء نبي الله، وذرية رسول الله“.

تجلّى الله فيهم، تجلّى في النبي محمد من خلال صفة الرحمة، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، الرحمة المتمثلة في النبي هي رحمة الله عز وجل تجلّى بها من خلال شخصية النبي  ، تجلّى في علي من خلال القوّة والعدالة، هي قوّة الله، هي عدالة الله تجلّت في شخصية علي بن أبي طالب، ”والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت“، ”والله لو كان المال لي لساويت بينهم، فكيف والمال مال الله“.

تجلّى الله تبارك وتعالى في الحسن بن علي من خلال الحلم والسلم والكرم، حلم الله في الحسن، كرم الله في الحسن، سلام الله في الحسن، فكان الحسن شخصية ورمزًا للحلم والكرم والسلم الاجتماعي، مظهر لله في هذه الصفات العظيمة الجليلة. وتجلّى الله في الحسين من خلال صفة العزّة، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، عزّة الحسين حكت عزة الله، عزة الحسين حكت عزة خالقه تبارك وتعالى، فالحسين بمظهر العزة مظهرٌ لله عز وجل.

وعندما نأتي لزين العابدين وسيّد الساجدين علي بن الحسين   فقد تجلّى الله في هذه الشخصية العظيمة من خلال صفة الوله، ومن خلال صفة العشق، ومن خلال صفة الحب، كان الإمام زين العابدين قطعة من الحب لله، للناس، لأهله، لعشيرته، للمسلمين، حبّه مظهرٌ لحبّ الله، حبّه مظهرٌ لهذه الصفة الجميلة لله تبارك وتعالى، ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.

إذن، اختلاف صفات أهل البيت لا يرتبط فقط بعوامل تاريخية وبظروف موضوعية، وإنما اختلاف صفاتهم وأدوارهم يرجع إلى قضية عرفانية، يرجع إلى تجليات الله تبارك وتعالى من خلال شخصياتهم من خلال صفتي الجلال والجمال، لأنهم مظهر له تبارك وتعالى.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة