قرآنيات

أولو العزم

 

وردت کلمة "أولوا العزم" مرة واحدة فی القرآن الکریم، قال تعالى: «فَاصْبِرْ کَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ».[1]

و العزم بمعنى الإرادة المحکمة، قال الراغب فی المفردات: العزم بمعنى التصمیم فی إنجاز العمل.[2] و قد جاء فی لسان العرب: الرسل أولوا العزم هم الذین اتخذوا تصمیماً و عزماً على أن ینفذوا أمر الله الذی ألقی على عهدتهم.[3] و قد استعمل لفظ العزم فی القرآن بمعنى الصبر،[4] و تارة بمعنى الوفاء بالعهد.[5]

و قد جاء فی کتب التفسیر: بما أن الرسل الذین یحملون شریعة جدیدة و رؤیا مختلفة فإنهم یواجهون تحدیات أکبر و مشاکل أکثر، وقد عقدوا العزم على مواجهة کل الصعوبات والعقبات، فهم بحاجة إلى إرادة محکمة قویة، وقد أطلق على هذه الفئة من الأنبیاء اسم (أولوا العزم)، وإذا ما فسر البعض العزم والعزیمة بمعنى الحکم والشریعة[6] فمرد ذلك إلى هذا التلازم، وإلا فالعزم لم یأتِ بمعنى الشریعة فی اللغة.[7] وکون النبی من أولی العزم دلیل على أنه صاحب شریعة. بعبارةٍ أخرى، أنه صاحب دین خاص على الأنبیاء المعاصرین له والمتأخرین عن عصره أن یبلغوا لدینه ویبشروا به[8] حتى یأتی نبی جدید بشریعة جدیدة.

وقد أشار الباری سبحانه فی القرآن الکریم إلى تشریع الدین وإبلاغه بواسطة عدة من الأنبیاء وذکر أربعة أنبیاء غیر النبی محمد (ص) الذی جاء بآخر دین إلهی، قال تعالى: «شَرَعَ لَکُمْ مِنَ الدِّینِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ وَ مَا وَصَّیْنَا بِهِ إِبْرَاهِیمَ وَمُوسَى وَعِیسَى أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ».[9]

 

صفات الأنبیاء أولي العزم والإشارة إلیهم فی الروایات:

مع أن بعض المفسرین فی القرون الأولى - من غیر الشیعة - عرفوا الأنبیاء أولي العزم على أساس الأمر بالجهاد أو الذین أظهروا معجزاتهم ومکاشفاتهم وأشاروا إلى مستوى تعیین المصداق إلى نوح، إبراهیم، إسحاق، یعقوب، یوسف، أیوب، هود (ع) و محمد (ص).[10] إلا أن الروایات الواردة عن طریق أئمة أهل البیت (ع)، صرحت بأسماء الأنبیاء من أولی العزم وأشارت إلى صفاتهم ومشخصاتهم وعینت المصادیق التی ینطبق علیها المفهوم.

 

صفات أولوا العزم کما وردت فی الروایات:

1. الدعوة العالمیة الشاملة للجن والإنس.[11]

2. استقلالیة الدین والشریعة وأن تکون جدیدة وغیر مکرر.[12]

3. أن یکون له کتاب سماوی.[13]

 

وفی هذه النقاط الثلاث أشیر إلى ثلاث خصوصیات بالنسبة لهذه الفئة من الأنبیاء، الدعوة العالمیة الشاملة، الدین المستقل، وتلقی کتابٍ إلهی، وقد جاءت روایة عن الإمام الصادق (ع) ذُکر فیها الشرطان الثانی و الثالث مع بعضهما، ونکتفی بذکر الروایة لننتقل إلى الإجابة عن الشق الثانی من السؤال (لماذا لم یطلق على بعض الأنبیاء اسم أولي العزم مع أنهم یحملون کتباً إلهیة؟! فقد أجاب الإمام الرضا (ع) عن تساؤل البعض عن سبب تسمیة هؤلاء الأنبیاء بأولی العزم فقال: "إنما سمي أولو العزم أولي العزم لأنهم کانوا أصحاب العزائم والشرائع وذلك أن کل نبی کان بعد نوح (ع) کان على شریعته ومنهاجه...".[14]

إذن تلقی الکتاب شرط فی کون النبی من أولی العزم، و لکن هناك شرطان مهمان آخران، أحدهما أن تکون له دعوة شاملة لجمیع الإنس والجن وغیرهم، والآخر أن یکون له دین مستقل وشریعة جدیدة.

ولابد من الالتفات إلى أن الشریعة المستقلة لا تعنی أن تکون مختلفة بالکامل عن الشرائع السابقة لها ولا تتلائم معها، ولکن اختلاف الشرائع تبعاً لمقتضیات الزمان أمر طبیعی ومعقول.

فالنبی داوود (ع) مع أنه صاحب کتاب سماوی، ولکن کتابه لم یکن کتاب أحکام ولم تکن شریعته مستقلة وجدیدة کما هو الحال بالنسبة لآدم، وکذلك شیث وإدریس (ع) فإنهم من أصحاب الکتب و لکنهما لیسا من أولي العزم.[15]

وأما بالنسبة إلى الروایات فإنها أشارت بشکل صریح إلى أسماء الأنبیاء أولي العزم، نقل عن الإمام علی بن الحسین (ع)، قوله أن أولي العزم خمسة هم: نوح، إبراهیم، موسى، عیسى ومحمد (ص).[16] وکذلك نقل هذا المعنى عن الإمام الصادق (ع)[17] والإمام الرضا (ع)[18]، وکذلك وردت فی الروایات الإشارة إلى کتب نوح وإبراهیم (ع) تحت عنوان (الصحف) مع أن عنوان الصحف أطلق على کتاب موسى (ع) فی القرآن الکریم[19]. ولکن مجموع هذه الصحف سمیت باسم التوراة، وأن کتاب عیسى (ع) هو الإنجیل وکتاب النبی محمد (ص) هو القرآن.

وأما بالنسبة إلى (الأوستا) کتاب الزرادشتیة، فهل إنه کتاب زرادشت السماوی؟ ذلك موضع تأمل، فقد نقل فی مواضع مختلفة من الأوستا کلام زرادشت، أو ما کان یتکلم به مع الله أو الناس.[20]

(و من أجل الاطلاع یراجع (الیسنا) أقدم وأهم أقسام (الأوستا) الفصل السادس والأربعون البند 1ـ 2) مع أن الروایات تفضی إلى أنه نبی إلهی وصاحب کتاب.[21]

ـــــــــــــــــ

 

[1] الأحقاف، 35.

[2] مفردات الراغب، مادة عزم.

[3] وأولوا العزم من الرسل: الذین عزموا على أمر الله فیما عهد إلیهم، لسان العرب، ج 12، ص 399.

[4] الشورى، 43.

[5] طه، 115.

[6] قال العلامة الطباطبائی: (العزم) بمعنى (العزیمة) یعنی (الحکم و الشریعة).

[7] التفسیر الأمثل، ج 21، ص 379.

[8] مصباح الیزدی، أصول العقائد، ص 239.

[9] الشورى، 13.

[10] بحار الأنوار، ج 11، ص 35، طبعة بیروت، وفا.

[11] المصدر نفسه، ص32.

[12] المصدر نفسه، ص 34 ؛ علل الشرائع، ج 1، ص 149، باب 101.

[13] المصدر نفسه، ص 35.

[14] المصدر نفسه، ص 56.

[15] المیزان، ج 2، ص 142؛ ترجمة المیزان، ج 2، ص 213.

[16] بحار الأنوار، ج 11، ص 32.

[17] المصدر نفسه، ج 11، ص 56.

[18] علل الشرائع، ج 1، ص 149، باب 101.

[19] الأعلى، 19.

[20] رابرت هیوم، أدیان زنده جهان "الادیان الحیة"، ص 278؛ و للتوضیح الأکثر یراجع (الیسنا) (أقدم و أهم فصل من (الأوستا) الفصل السادس و الأربعون، البنود 1 و 2.

[21] من لا یحضره الفقیه، ج 2، ص 53، ح 1678؛ سفینة البحار، ج 4، ص 346.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة