لقاءات

يثرب الصدير: قضية المستضعف هي ذلك الترف الذي يقصده الفنان ويبتاعه المترف


نسرين نجم ..

يعتبر الفن بأنواعه المتعددة من رسم إلى نحت وتصوير وكتابة وغير ذلك أداة للتفاهم العالمي، له الأثر البالغ على الصعيد النفسي للأفراد فهو ينمي لدى الجيل الناشئ الحس الفني لا بل بالأحرى يصنع الذوق الفني، وهو من أساسيات رقي المجتمعات والابتكار.. في هذا الحوار اخترنا الحديث عن الفنون التشكيلية، أحوالها وحالاتها مع الفنانة التشكيلية يثرب الصدير:


"مزاولة الفن فعل تجريبي مشوق":
الفن التشكيلي عالم مليء بالإبداع وبالابتكار وبالتجدد وبالتطور يقوده من يمتلك الموهبة ومن يصقلها بالمعرفة، والبعض يعتبر بأن رحلته في هذا العالم لا تاريخ لها تمامًا كما حصل مع الفنانة التشكيلية يثرب الصدير: "لا يوجد فترة حقيقية للبداية، كان موجودًا كموهبة وهواية منذ الصغر ثم تطور مع مرور الوقت إضافة إلى توفر التقنية التي ساعدتني على تطويره وصقله أكثر من خلال المعلومات الموجودة على قنوات شبكات الإنترنت". وهذا الفن ليس فقط وضع رسومات أو استخدامات ألوان بل في الكثير من الأحيان يُرسم بلغة الروح فيشبه فاعله: "بالغالب يحتاج كل إنسان إلى فعل شيء يحبه ويستطيع إتقانه حتى يتسنى له تفريغ انفعالاته من خلاله، بالنسبة لي كان هذا الفن هو المتنفس الذي اختارني واخترته، وحقيقة إن شخصية الإنسان الطبيعي هي التغير والاختلاف تبعًا لما يواجهه من تجارب وعقبات أو حتى انتصارات فإن التوقف عند نوع معين يندرج تحت قائمة العديد من الأنواع هو إقصاء للنفس التي ترغب بتجربة المزيد حتى يتسنى لها التعبير من خلال التنوع بطرق مختلفة، وربما تمنح مجالًا أوسع وأفضل للتعبير ولنتذكر دائمًا أن مزاولة الفن هو فعل تجريبي مشوق يضعنا في موضع مبادلة أحيانًا أمام خيارات الحياة الصعبة والمتجددة ."


اهتمت الفنانة التشكيلية يثرب الصدير برسم الوجوه وهذا نوع من الفن متعب إلى حد ما ويحتاج إلى جهد، فهو يعني لها الكثير: "هو فن ممتع إذا تمت ممارسته كنوع من المتعة الفنية والتعبيرية بعيدًا عن المطلب، بدأت ممارسته كخطوة أولى  بواقعية بحتة وأشعر بها، الآن تنزاح لانطباعية النظرة وتأثير المشهد عليها، وأتابع رغم أنني لا أعرف إلى أين ستتجه ولن أقول تنتهي لأني أعتقد أنه لا نهاية للتجربة، والوجه هو أكثر جزء من الجسد يمنحنا انطباعًا عن ما هو أمامنا، ففيه أكثر حواس الإنسان تعبيرًا والتقاطًا لما حولها من مشهد أو صوت أو رائحة ".
انطلاقًا مما ذكرته الصدير سألناها عن لوحتها "صراع" صراع بين من؟ أهو بين الماضي والحاضر؟ تجيب: "اللوحة عبارة عن  صراع بين أمور عديدة فالماضي والحاضر تعبير فضفاض نستطيع إدراج العديد من المسميات والتناقضات تحته. لذلك جاءت كل التفاصيل باللوحة رمزية لتعبر عن كل صراعات الإنسان سواء الشخصية أو تلك التي تتسع لتشمل نطاقات المجتمع والعالم".
في خضم الصراعات والتناقضات التي نعيشها تنجح يثرب الصدير بالتقاط ما تريد رسمه رغم صعوبة هذا الأمر: "فعلًا هي عملية صعبة لأي فنان فالفكرة هي المادة الرئيسية للإلهام وبعدها يأتي التنفيذ وبقية الأمور كاللون والمساحة وغيرها، وتكون هذه الفكرة كومضة سريعة وأحيانًا تأتي نتيجة نضج وتأنٍّ ولا توجد قاعدة حقيقية نستطيع القياس عليها، فهي شعورية، ولا تخضع لأي قانون حقيقي غير بصمة الشعور المتغيرة دائمًا".


* الفن التشكيلي بين الترف والرسالة
يعتبر الرسم في الكثير من المجتمعات أداة تعبيرية تحمل في طياتها رسالة أو قضية، لذا يوليها الكثير من المهتمين في الدول المتقدمة اهتمامًا وعناية فمن خلالها يقرأون انعكاس المجتمع وأحوال النفس وتقلباتها، والبعض الآخر ينظر إلى الرسم على إنه ترف، ما بين الاتجاهين تعبر الصدير عن رأيها بالقول: "بالغالب يعتمد ذلك على طبيعة الفنان ودوره في جعل ما يقدمه يحمل طرحًا ما أو ربما يتجاوزه ليقع تحت بند الجمال أو التبعية لما يغلب على الساحة والمجتمع، وما بدأ كنوع من التوثيق وإثبات الوجود اتجه الآن إلى التعبير عن الطبيعة النفسية الشخصية بشكل كبير، لذلك فإن توجهه ليكون نوعًا من الترف هو توجه إلزامي تبعًا لحاجة البشر لذلك، والبحث عنه حتى رغم صعوبته فقضية المستضعف هي ذلك الترف الذي يقصده الفنان ويبتاعه المترف . "


وتذكر دائمًا الفنانة التشكيلية يثرب الصدير بأن الفن هو أداة قبل أن يكون نتيجة عن هذه العبارة تقول: "بشكل مبسط وكمثال الأداة هي القالب الذي نصنعه حتى نستطيع الحصول على مخرج جيد لذلك فهي تأتي قبل النتيجة في العمل لذلك فإن هذه الأداة تحتاج لمن يستطيع توظيفها بشكل صحيح دائمًا للحصول على نتيجة جيدة، وتوظيفه كنتيجة فقط هو ما يجعل السمة الغالبة مكررة وغير ذات مغزى حقيقي ."
هذا الفن ليعطي النتيجة المطلوبة من المفترض أن يصبح جزءًا من ثقافة أي مجتمع يسعى للتقدم فهل نحن في عالمنا العربي سيما فئة الجيل الناشئ تمتلك ثقافة الفن التشكيلي: "بالعالم العربي بشكل عام!.. هنا اتساع للمقصد وربما تجربتي المتواضعة لا تمنحني تلك الخبرة التي أستطيع من خلالها الحكم على هذا الاتساع. ولكن بشكل عام فإن تجربة الفن في عالمنا أتت متأخرة وفي بدايتها اقتصرت على الفنون الإسلامية كالزخرفة والخط، وحتى ثقافة هذه الفنون جاءت مستوردة بالنسبة لنا  وجاء اكتسابها عن طريق ثقافات أخرى، وحاليًّا أغلب ممارسات الفنون تأتي الآن تبعًا لما يتطلبه الوضع من معاصرة، والقليل فقط هو من يلتزم بخطه ولا تلفته المغريات والظروف عن الابتعاد عن هذا الطريق ."
للعبة الألوان جاذبية خاصة لجذب المشاهد إليها، وبراعة الفنان التشكيلي تتجلى في حُسن اختيار الألوان وحُسن دمجها مع بعضها البعض، عن هذه اللعبة والمعايير التي على أساسها تختار يثرب الصدير ألوانها، وعن ماذا يعني لها اللونان الأبيض والأسود تقول: "الألوان هي روح العمل وهي ما تمنحه انطباعات نفسية تعكسها الطبيعة النفسية للفنان، الأبيض والأسود هما لونان محايدان لا يمنحان ذلك الخط الوسطي الذي يكتسبه الإنسان مع نضوجه وتقبله للآخرين على اختلاف توجهاتهم دون الإخلال بالحقيقة."


وعن أهمية المشاركات في معارض دولية وعن مشاركاتها تقول: "أعتقد أن المشاركات الدولية هي تجربة ثرية كونها تمنحنا الفرصة للاحتكاك بالآخر المختلف ومن ثم تقبله وربما التعلم واكتساب خبرات جديدة لم يسبق لنا معرفتها، فكما أسلفت فإن الفن قائم على التجربة لذلك فإن ما يُمنح لنا كخبرة من الآخرين هو بمثابة قفزة نستطيع أن نتلقاها كما هي أو نطورها لاتجاهات عديدة ومختلفة. وهذا ما لمسته من خلال مشاركاتي سواء بالخارج أو الداخل". وهنا يُطرح السؤال هل المرأة العربية كفنانة تشكيلية استطاعت أن تثبت ذاتها على الساحة؟ وما هي أهم الصعوبات والعوائق التي تواجهها؟ تجيبنا الصدير بالقول: "حاليًّا ربما عدد الممارسين للفن التشكيلي من النساء هم ضعف عدد الرجال. إثبات النفس يحتاج للصبر والتحمل وإلى الإيمان بما تقدمه أولًا ثم الإيمان بالنفس أخيرًا وإلى النظرة الفنية في التمييز بين ما هو حقيقي لإتباعه وأخذه بعين الاعتبار أو ما هو وهمي لتركه وتجنبه . والصعوبات كثيرة ولكنها ترحل حالما نصل لمرحلة ما لتأتي غيرها ولكنها بشكل عام تحتاج للتأني والمواجهة . "


وحول ما إذا كانت تختلف ريشة الرجل عن ريشة المرأة؟ تقول: "ربما تختلف حسب العام والسائد للمكان والمجتمع لذلك ستختلف المخرجات المطروحة حسب المعاناة الشخصية، وحسب كون الفكرة النسوية الرائجة بالمكان كنوع من التهميش أو الاستضعاف وغيرها من القضايا التي تطرح على الساحة". وعن طموحها تقول: "دائمًا أجد هذا السؤال بلا إجابة لدي كوني اخترت السير بطريق بلا معالم حقيقية فيه للنهاية وقائم على التجربة التي لا أستطيع تأكيد نتيجتها، لذلك فإن الشغف والاستمتاع بانتظار النتيجة، هي الدافع الحقيقي الذي أتمنى فقط أن لا يتوقف أو ينتهي". أما بالنسبة لمشاريعها الحالية والمستقبلية تقول: "المشاريع الحالية والمستقبلية أيضًا هي مواصلة السير دون توقف لأننا في هذا العالم محكومون بنهايتنا دون الانتهاء من فعل ما نرغبه والاستسلام هو أمر لا أرغب بحدوثه أو الوصول إليه حقًّا".

وبجملة أخيرة تنصح الفتيات اللواتي يرغبن بدخول عالم الفن التشكيلي بالقول: "دائمًا حاولن النظر لما حولكن بطريقة مختلفة وبعكس السائد".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة