
هناك في القرآن الكريم كلمات واصطلاحات بديعة لم يسبق لها نظير في الكتب السماويّة الأخرى ولا في اللغة العربيّة وأشعارها وآدابها. فكلمة الحقّ مثلًا التي استعملها القرآن الكريم للتعبير عن الباري تعالى شأنه وعلى الموجودات والأمور الواقعيّة من الاعتقادات والأفعال والأقوال، بهذا التعبير عن لطافة المعنى وظرافته في جميع الموارد، وذلك من مختصّات القرآن.
ونذكر هنا موارد استعمال كلمة الحقّ من كتاب الراغب الإصفهانيّ القيّم «المفردات في غريب القرآن»، يقول: حقّ: أصْلُ الحَقِّ المُطَابَقَةُ والمُوَافَقَةُ كَمُطَابَقَةِ رِجْلِ البَابِ في حَقِّهِ لِدَوَرَانِهِ على اسْتِقَامَةٍ. والحقّ يقال على أوجه:
الأوّل: يقال للموجِد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا قيل في الله تعالى: هو الحقّ. قال الله تعالى: (وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ). وقيل بُعَيدَ ذلك: (فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ). «1»
الثاني: يقال للموجِد بحسب مقتضى الحكمة، ولهذا يقال: فِعْلُ الله تعالى كلُّه حقٌّ. وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)، إلى قوله تعالى: (ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ). «2». وقال في القيامة: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ). «3» - (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ). «4» وقوله عزّ وجلّ: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) «5» - (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ). «6»
والثالث: في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، كقولنا: اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنّة والنار حقّ. قال الله تعالى: (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ). «7»
والرابع: للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب، وبقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب، كقولنا: فِعْلُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ. قال الله تعالى: (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) «8» (حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ). «9» وقوله تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) «10» يصحّ أن يكون المراد به الله تعالى، ويصحّ أن يُراد به الحُكم الذي هو بحسب مُقتضى الحكمة. ويُقال: أحْقَقْتُ كَذَا، أي أثْبَتُّهُ حَقّاً أو حكمتُ بِكَوْنه حقّاً. وقوله تعالى: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ) «11» فإحقاقُ الحقّ على ضَربيْن. أحدهما: بإظهار الأدلّة والآيات، كما قال تعالى: (وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) «12» أي: حُجّةً قويّة. والثاني: بإكمال الشريعة وبثّها في الكافّة، كقوله تعالى: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) «13» - (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ). «14»
وقد جاء لفظ مِن في الآية المباركة (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) التي وردت في موضعين من القرآن الكريم، وفي الآية: (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) بمعنى ابتداء الغاية، الذي ينطبق في هذه العبارات وأمثالها على معنى النشويّه، حيث يدلّ على حقيقة مهمّة جدّاً وهي أنّ الخالق العظيم هو مركز الحقّ ومنبعه، وأنّ ما في عالم الوجود من مطابقة للأصالة والواقعيّة إنّما هو من الله تعالى. وباعتبار أنّ اللفظ محلّى بالألف واللام، فإنّه يدلّ على حصر الحقّ من قِبل الله تعالى. أي أنّ الحقّ أينما وُجد، فهو من الربّ جلّ وعلا. وأنّ جميع الحقائق والأمور الخارجيّة وآثارها وشؤونها مستمدّة وناشئة من الربّ العظيم.
وقد جاء في سورة الإسراء المباركة: (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً). «15» ذلك أنّ الله سبحانه لا يُجبر الإنسان على المعصية، بل إنّ اختيار الإنسان دخيلٌ بصورة حتميّة في المعصية وعنوانها. وبهذه القرينة فإنّ المراد من قوله أمَرْنَا ليس الأمر بالفسق والمعصية، لأنّه تعالى (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) «16» بل المراد بذلك؛ أنّنا نأمرهم بالطاعات، فيخالفون أمرنا ويفسقون فيُعذَّبون.
والمراد بعبارة حق عليها القول هو أنّ كلمة العذاب والانتقام تحقّ وتُثبَّت عليهم بواسطة انطباق عملهم على العصيان والتجرّي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - مقطع من الآية 30 والآية 32، من السورة 10. يونس.
(2) - صدر الآية 5، من السورة 10. يونس.
(3) - صدر الآية 53، من السورة 10. يونس.
(4) - مقطع من الآية 146، من السورة 2. البقرة.
(5) - صدر الآية 147، من السورة 2. البقرة.
(6) - مقطع من الآية 149، من السورة 2. البقرة.
(7) - قسم من الآية 213، من السورة 2. البقرة.
(8) - صدر الآية 33، من السورة 10. يونس.
(9) - قسم من الآية 13، من السورة 32. السجدة.
(10) - صدر الآية 71، من السورة 23. المؤمنون.
(11) - صدر الآية 8، من السورة 8. الأنفال.
(12) - ذيل الآية 91، من السورة 4. النساء.
(13) - ذيل الآية 8، من السورة 61. الصفّ.
(14) - صدر الآية 33، من السورة 9. التوبة؛ وصدر الآية 28. من السورة 48. الفتح.
(15) - الآية 16، من السورة 17. الإسراء.
(16) - قسم من الآية 7، من السورة 39. الزمر.
معنى (ركض) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
بين الإنسان والملائكة
السيد محمد حسين الطبطبائي
القيادة الحائرة بين القيم.. ما الذي ينبغي أن نقدّمه لتحقيق التقدّم؟
السيد عباس نور الدين
ما بعد فلسفة الدين…ميتافيزيقا بَعدية (3)
محمود حيدر
لماذا لا يستطيع مرضى الزهايمر التعرف إلى أفراد أسرهم وأصدقائهم؟
عدنان الحاجي
تعقّل الدّنيا قبل تعقّل الدّين
الشيخ علي رضا بناهيان
القرآنُ مجموعٌ في عهد النبيِّ (ص)
الشيخ محمد صنقور
الحِلم سجيّةُ أولياء الله وزينتهم
الشيخ محمد مصباح يزدي
(لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
التّوحيد والمحبّة
السيد عبد الحسين دستغيب
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
دلالة التوقيت في الصلاة
معنى (ركض) في القرآن الكريم
بين الإنسان والملائكة
القيادة الحائرة بين القيم.. ما الذي ينبغي أن نقدّمه لتحقيق التقدّم؟
ما بعد فلسفة الدين…ميتافيزيقا بَعدية (3)
لماذا لا يستطيع مرضى الزهايمر التعرف إلى أفراد أسرهم وأصدقائهم؟
(حافر الزعفران) رواية جديدة للكاتب عبدالعزيز آل زايد
آل إبراهيم واليوسف ممثّلا البيت السّعيد في المنتدى الخليجيّ الخامس للسّياسات الأسريّة في الكويت
تعقّل الدّنيا قبل تعقّل الدّين
معنى (مال) في القرآن الكريم