قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

البسملة، جزئيّتها والجهر بها (3)

التسمية ولزوم الجهر بها

قد أثبت البحث السالف الذكر أنّ التسمية جزء من فاتحة الكتاب ومن صميمها، فلا تتم السورة إلاّ بقراءتها، وأمّا الجهر بها فحكمه كحكم سائر أجزاء السورة، فلو كانت الصلاة من الصلوات الجهرية، يجب الجهر بها ما لم يدلّ دليل على جواز المخافتة، مضافاً إلى أنّه قد تضافرت الروايات على لزوم الجهر بها، ويستفاد ذلك من الروايات التالية:

1. أخرج الحاكم عن أبي هريرة قال: كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم.(1)

2. أخرج الحاكم عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم. وقال: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات، وأقرّه على ذلك الذهبي في تلخيصه.(2)

3. أخرج الحاكم في مستدركه عن محمد بن أبي السري العسقلاني، قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي صلاة الصبح والمغرب، فكان يجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها، وسمعت المعتمر يقول: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن اقتدى بصلاة أنس بن مالك، وقال أنس ابن مالك: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).

رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات، وأقرّه على ذلك الذهبي في تلخيصه.(3)

4. أخرج الحاكم عن حُميد الطويل، عن أنس، قال: صلّيت خلف النبي صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي، كلّهم كانوا يجهرون بقراءة بسم اللّه الرحمن الرحيم، ثمّ قال: وقد بقي في الباب عن أمير المؤمنين عثمان وعلي، وطلحة بن عبيد اللّه، وجابر بن عبد اللّه، وعبد اللّه بن عمر، والحكم بن عمير الثمالي، والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب، وبريدة الأسلمي، وعائشة بنت الصديق كلّها مخرجة عندي في الباب، تركتها إيثاراً للتخفيف واختصرت منها ما يليق بهذا الباب، وكذلك ذكرت في الباب من جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم من الصحابة والتابعين وأتباعهم.(4)

وبما أنّ الكلام الأخير الذي يدّعي إطباق الأئمة على الجهر بالتسمية في الصلوات يخالف مذهب الإمام الذهبي، فغاظ غيظه وادّعى أنّ نسبة الجهر إلى هؤلاء كذب محض، ثمّ حلف على صدق مدّعاه مع أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «البينة على المدّعي واليمين على المنكر» فمن يدّعي الكذب فعليه البيّنة لا الحلف، وإلاّ ففي وسع كلّ من يرى الحديث مخالفاً لهواه وللمذهب الذي نشأ عليه أن يحلف على كذبه.

5. ما رواه الإمام الشافعي في مسنده أنّ معاوية قدم المدينة فصلّى بها ولم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم، فاعترض عليه المهاجرون والأنصار بقولهم: يا معاوية سرقت منّا الصلاة، أين بسم اللّه الرّحمن الرّحيم؟!

وعلّق عليه الشافعي بقوله: فلولا أنّ الجهر بالتسمية كان كالأمر المتقرر عند كلّ الصحابة من المهاجرين والأنصار، وإلاّ لما قدروا على إظهار الإنكار عليه بسبب ترك التسمية.

6. وأخرجه الحاكم بنحو آخر وقال: إنّ أنس بن مالك قال: صلّى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ فيها بسم اللّه الرحمن الرحيم لأُمّ القرآن، ولم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم للسورة التي بعدها حتّى قضى تلك القراءة، فلمّا سلّم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كلّ مكان: أسرقت الصلاة أم نسيت؟! فلمّـا صلّى بعد ذلك قرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم للسورة التي بعد أُمّ القرآن وكبّـر حين يهوي ساجداً.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بعبد المجيد بن عبد العزيز وسائر الرواة متفق على عدالتهم، وأقرّه على ذلك الذهبي في تلخيصه.

7. قال الرازي في تفسيره: إنّ البيهقي روى الجهر ببسم اللّه الرّحمن الرحيم في سننه عن عمر بن الخطاب وابن عباس وابن عمر وابن الزبير، ثمّ قال الرازي ما هذا لفظه: وأمّا أنّ علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، قال: والدليل عليه قول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): اللّهم أدر الحقّ مع علي حيث دار.(5)

8. أخرج البزار والدارقطني والبيهقي في «شعب الإيمان» من طريق أبي الطفيل قال سمعت علي بن أبي طالب وعمار يقولان: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجهر في المكتوبات بـ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» في فاتحة الكتاب.(6)

9. أخرج الدارقطني عن عائشة أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجهر بـ «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم».(7)

10. أخرج الدارقطني عن النعمان بن بشير قال: قال رسول اللّه: «أمّني جبرئيل (عليه السلام) عند الكعبة فجهر بـ «بسم اللّه الرحمن الرحيم».(8)

11. أخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجهر بـ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» في السورتين جميعاً.(9)

12. أخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة، وكان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يجهر بـ «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» في الصلاة وزاد البيهقي: «فترك الناس ذلك».(10)

13. أخرج الدارقطني عن عبد اللّه بن عمر قال: «صلّيت خلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون بـ «بسم اللّه الرحمن الرحيم».(11)

14. أخرج الثعلبي عن علي بن زيد بن جدعان أنّ العبادلة كانوا يستفتحون القراءة بـ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» يجهرون بها: عبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن عمر، وعبد اللّه بن الزبير.(12)

15. أخرج البيهقي عن الزهري قال: من سنّة الصلاة أن تقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وإنّ أوّل من أسرّ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة وكان رجلاً حييّا.(13)

16. أخرج الدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) علّمني جبرئيل الصلاة، فقام فكبّر لنا ثمّ قرأ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» فيما يجهر، في كلّ ركعة .(14)

17. أخرج الدارقطني عن الحكم بن عمير ـ وكان بدرياً ـ قال: صلّيت خلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجهر في الصلاة بـ «بسم اللّه» وصلاة الليل، وصلاة الفجر وصلاة الجمعة.(15)

وقد احتجّ الرازي على لزوم الجهر بالتسمية في الصلوات الجهرية بما أوعزنا إليه في صدر البحث من أنّ حكم جزء السورة كحكم كلّها، ولا يصحّ التبعيض بين الكل والجزء إلاّ بدليل قاطع، وقد ذكره الرازي باللفظ التالي: قد دللنا على أنّ التسمية آية من الفاتحة، وإذا ثبت هذا فنقول: الاستقراء دلّ على أنّ السورة الواحدة إمّا أن تكون بتمامها سرية أو جهرية، فأمّا أن يكون بعضها سرياً وبعضها جهرياً فهذا مفقود في جميع السور، وإذا ثبت هذا، كان الجهر بالتسمية مشروعاً في القراءة الجهرية.(16)

 

أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) والجهر بالبسملة

تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على الجهر بالبسملة، وكانت سيرة الإمام علي (عليه السلام) والأئمّة (عليهم السلام) بعده على الجهر بها، نقتطف شيئاً ممّا أثر عنهم:

18. أخرج الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره بإسناده إلى الرضا، عن أبيه، عن الصادق (عليهم السلام) قال: «اجتمع آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم».(17)

19. أخرج علي بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن ابن أُذينة قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «بسم اللّه الرحمن الرحيم» أحقّ ما جهر به وهي الآية التي قال اللّه عزّوجلّ: (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً)(18) (19).

20. أخرج الصدوق باسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنّه قال: «والإجهار ببسم اللّه الرحمن الرحيم في الصلاة واجب».(20)

21. أخرج الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان فيما كتبه الرضا للمأمون في بيان محض الإسلام جاء فيه: «والإجهار ببسم اللّه الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنّة».(21)

22. وعن الرضا (عليه السلام) أنّه كان يجهر ببسم اللّه الرّحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار.(22)

23. أخرج الكليني عن صفوان الجمّال قال: صلّيت خلف أبي عبد اللّه (عليه السلام) أيّاماً، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها، جهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، وكان يجهر في السورتين. (23)

24. أخرج العياشي عن خالد المختار قال: سمعت جعفر بن محمد يقول: «ما لهم عمدوا إلى أعظم آية في كتاب اللّه فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها، وهي بسم اللّه الرحمن الرحيم».(24)

25. أخرج الكليني عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال: كتبت إلى أبي جعفر الجواد (عليه السلام): جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللّه الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أُمّ الكتاب، فلمّا صار إلى غير أُمّ الكتاب من السورة تركها، فقال العباسي: ليس بذلك بأس؟

فكتب بخطّه: «يعيدها مرّتين على رغم أنفه ـ يعني العباسي ـ».(25)

ــــــــــــــــــــــــــ

1 .  المستدرك:1/232.

2 . المستدرك:1/232.

3 . المستدرك:1/232.

4 . المستدرك:1/232.

5 . التفسير الكبير:1/204.

6 . سنن الدار قطني:1/302، شعب الإيمان: 2/436، الحديث 2322، باب تعظيم القرآن; الدر المنثور:1/21، 22.

7 . الدر المنثور:1/23.

8 .  سنن الدارقطني:1/309; الدر المنثور:1/22.

9 . سنن الدارقطني:1/302; الدر المنثور:1/22.

10 .  مستدرك الحاكم:1/208; السنن الكبرى:2/47; سنن الدارقطني:1/306.

11 . سنن الدارقطني:1/305; الدر المنثور:1/22.

12 . الدر المنثور:1/21.

13 . الدر المنثور:1/21.

14 . سنن الدارقطني:1/305; الدر المنثور:1/20، 21.

15 . سنن الدارقطني:1/308; الدر المنثور:1/22، 23.

16 . التفسير الكبير:1/204.

17 . روض الجنان:1/50 و الشيخ النوري في المستدرك: 4/189 رقم 4456.

18 . الإسراء: 46.

19 . تفسير القمّي: 1/28.

20 . الخصال: 2/604، أبواب المائة فما فوقه، رقم 9.

21 .  عيون أخبار الرضا :2/122، الباب 35.

22 . عيون أخبار الرضا: 2/181، الباب 44 رقم 5.

23 . الكافي: 3/315، الحديث 20.

24 . تفسير العياشي: 1/21، الحديث 16.

25 .  الكافي: 3/313، الحديث 2.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد