مقالات

الإلفة


الشيخ عباس القمي ..
إلفة الناس ومصافاتهم من الأوصاف الحميدة ، والأخلاق المرغوب فيها ، ومن هنا كانت الأحاديث الكثيرة في فضيلة زيارة المؤمنين والسلام عليهم (1) ، ومصافحتهم (2) ، وعيادة المرضى ، وتشييع الجنائز ، وتعزية أهل المصائب وما شابه (3).
ومن يلاحظ الأخبار الواردة في هذا الباب يعلم مدى اهتمام الباري ـ تعالى ـ بالألفة والمحبّة بين عباده ، وما وضع من السنن الحميدة لحفظ هذه الصفة.
ولكن آه ويا للأسف فإنّ أكثر هذه السنن أضحت في هذا الزمان معطّلة ومهملة ، فلم يبقَ من آثار النبوة إلاّ الرسم، ومن طريقة الشريعة سوى الاسم.
أتباع الشيطان يتعاهدون بعضهم بعضاً لتحقيق أغراضهم الفاسدة في أيام الدنيا المعدودة ، فينشرون النفاق والعداوة بين العباد ، ويرفسون بأقدامهم ما أمر الله به وأولاه كلّ اهتمام ، لا يتزاورون إلاّ رياءً أو لتحقيق هدف فاسد ، ويعتبرون السلام والتحية دليل وضاعة ، ويتوقّعون السلام والتحية أن تبلغهم من غيرهم دون أن يبادروا بها ، ويرون المصافحة شيمة البلهاء.
وقال عزّ مَن قائل : {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران : 103].
وقال مؤلّف قلوب المؤمنين محمّد (صلّى الله عليه وآله) : «أقربكم منّي غداً في الموقف... أحسنكم خُلقاً وأقربكم من الناس»(4).
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله : «طوبى لمن يألف الناس ويألفونه على طاعة الله» (5).
وروي عن ابنهما صادق القول والفعل (عليه السلام) «إنّ ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا ، وإن لم يظهروا التودّد بألسنتهم كسرعة اختلاط قطر السماء على مياه الأنهار، وإنّ بُعد ائتلاف قلوب الفجّار إذا التقوا وإن أظهروا التودُّد بألسنتهم كبُعد البهائم من التعاطف إن طال اعتلافها على مذود واحد» (6).
_______________


1ـ روى الديملي في أعلام الدين : ص444 عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنْ زار أخاه المؤمن إلى منزله ، لا حاجة إليه إلاّ في الله ، كُتِبَ في زوار الله ، وكان حقاً على الله تعالى أن يكرمه».
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «السلام سبعون حسنة تسعة وستون للمبتدئ وواحدة للراد».
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ من موجبات المغفرة بذل السّلام وحسن الكلام».
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفشوا السلام تسلموا».
2- روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : «مصافحة المؤمن بألف حسنة» راجع مشكاة الأنوار : ص202.
3- روى الصدوق في ثواب الأعمال : ص344 ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن عادَ مريضاً ، فله بكلِّ خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله سبعون ألف ألف حسنة ، ومحا عنه سبعون ألف ألف سيئة ويُرفع له سبعون ألف ألف درجة ، ويوكل به سبعون ألف ألف مَلَك يقعدون في قبره ، ويستغفرون له إلى يوم القيامة» ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «التعزية تورث الجنة» وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «مَن عزّى مصاباً كان له مثل أجره ، من غير أن ينقص من أجر المصاب شيء».
4- بحار الأنوار : ج 77 ، ص150.
5- مشكاة الأنوار للطبرسي ص181 ، وبحار الأنوار : ج 78 ، ص 56 ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خياركم أحسنكم أخلاقاً ، الذين يألفون ويؤلفون».
6- بحار الأنوار : ج74 ، ص281 ، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في تصنيف غرر الحكم ص413 : «المؤمن ألفٌ مألوفٌ متعطّفٌ) وقال : «المودّةُ نسبٌ» وقال (عليه السلام): «التودد الى الناس رأسُ العقل» وقال (عليه السلام) : «أنفع الكنوز محبة القلوب».

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة