مقالات

من آداب الصوم المعنوية ودرجاته


ما ينبغي للصائم عند الإفطار:
ينبغي لكل صائم أن يكون قلبه بعد الإفطار مضطربًا، معلقًا بين الخوف والرجاء، إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين، وليكن الحال كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها.
روي: "أن الإمام ابا محمد الحسن المجتبى عليه السلام مر بقوم يوم العيد وهم يضحكون، فقال عليه السلام: إن اللّه تعالى جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق أقوام ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل‏ العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون، وخاب فيه المبطلون، أما واللّه لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسي‏ء عن إساءته!"، أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك.


درجات الصوم:
للصوم ثلاث درجات:
الأولى- صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وهذا لا يفيد أزيد من سقوط القضاء والاستخلاص من العذاب.
الثانية- صوم الخصوص: وهو الكف المذكور، مع كف البصر والسمع واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن المعاصي، وعلى هذا الصوم تترتب المثوبات الموعودة من صاحب الشرع.
الثالثة- صوم خصوص الخصوص: وهو الكفان المذكوران، مع صوم القلب عن الهمم الدنية، والأخلاق الردية، والأفكار الدنيوية، وكفه عما سواه بالكلية، ويحصل أفطر في هذا الصوم بالفكر في ما سوى اللّه واليوم الآخر، وحاصل هذا الصوم إقبال بكنه الهمة على اللّه، وانصراف عن غير اللّه، وتلبس بمعنى قوله تعالى: قل اللّه ثم ذرهم"، وهذا درجة الأنبياء والصديقين والمقربين، ويترتب عليه الوصول إلى المشاهدة واللقاء، والفوز بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد. وإلى هذا الصوم أشار مولانا الصادق عليه السلام حيث قال:
قال النبي صلى الله عليه وآله: الصوم جنة، أي ستر من آفات الدنيا وحجاب من‏ عذاب الآخرة، فإذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات، وقطع الهمة عن خطرات الشياطين، وأنزل نفسك منزلة المرضى، ولا تشتهِ طعامًا ولا شرابًا، وتوقع في كل لحظة شفاءك من مرض الذنوب، وطهر باطنك من كل كدر وغفلة وظلمة يقطعك عن معنى الإخلاص لوجه اللّه. قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: قال اللّه تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به.
والصوم يميت مراد النفس وشهوة الطبع، وفيه صفاء القلب، وطهارة الجوارح، وعمارة الظاهر والباطن، والشكر على النعم والإحسان إلى الفقراء، وزيادة التضرع والخشوع والبكاء، وحبل الالتجاء إلى اللّه، وسبب انكسار الهمة، وتخفيف الحساب، وتضعيف الحسنات، وفيه من الفوائد ما لا يحصى ولا يعد، وكفى بما ذكرنا لمن عقله ووفق لاستعماله"


تتميم‏:
من صام شهر رمضان إخلاصا للّه وتقربًا إليه، وطهر باطنه من ذمائم الأخلاق، وكف ظاهره عن المعاصي والآثام، واجتنب عن الحرام، ولم يأكل إلا الحلال، ولم يفرط في الأكل، وواظب على جملة من النوافل والأدعية وسائر الآداب المسنونة فيه، استحق للمغفرة والخلاص عن عذاب الآخرة، بمقتضى الأخبار المتواترة. ثم إن كان من العوام، حصل له من صفاء النفس ما يوجب استجابة دعوته، وإن كان من أهل المعرفة، فعسى الشيطان لا يحوم على قلبه، فينكشف له شي‏ء من الملكوت، لا سيما في ليلة القدر، إذ هي الليلة التي تنكشف فيها الأسرار، وتفيض على‏ القلوب الطاهرة الأنوار، والمناط والعمدة في نيل ذلك تقليل الأكل بحيث يحس ألم الجوع، إذ من جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام فهو محجوب عن عوالم الأنوار، ويستحيل أن ينكشف له شي‏ء من الأسرار.


*جامع السعادات

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة