مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

المَرأة وَالعَمَل


الشهيدة بنت الهدى ..
يقوم تقسيم الوظائف في كلّ مجتمع ومحيط على أساس تقبّل الأشخاص لتِلك الوظائف ، وإمكانيّاتهم للقيام بها على أحسَن وجه ، وتقسيم العمل هو ضرورة من ضرورات المجتمع في جميع النواحي والمجالات ، وتقسيم العمل يؤدّي إلى سهولة القيام به مهما كان صعباً ، ويؤدّي أيضاً إلى سرعة الانتاج مهما كان بطيئاً .
وتقسيم العمل والوظائف يُساعد المتخصّص في كلّ قسمٍ منه على النبوغ في ذلك القسم والتعمّق فيه ، خلافاً لِما لو اختلف توزيع العمل وتعاقَبَت الأعمال المختلفة على العامل فإنّه سوف يخسَر مرونته وعبقريّته التي قد يُحرزها في عمل واحد. فإنّ لكلّ شخصٍ من الأشخاص استعداده الخاص ، وطبيعته الخاصّة به وتكوينه الفطري والنفسي ، فنحن لا ينبغي لنا مثلاً أنْ نجعل مِن فنّانٍ مهندساً ، أو نجعل مِن مهندس فنّاناً ؛ فإنّ لكلٍّ منهما هوايته واستعداده الخاص ولا ينبغي لأيٍّ منهما أنْ يُخالف اتجاهه الطبيعي أو يُعاكس أهواءه واستعداده . فنحن إذا أَجبرنا العامل الميكانيكي مثلاً على أنْ يكون فنّاناً ، وإذا أجبرنا الفنّان على أنْ يكون ميكانيكيّاً نحكُم على مواهب كلٍّ من الطرفين بالعدَم ، في الوقت الذي نحصِل فيه على أبرَع عامل ميكانيكي وعلى أروع فنّان ، لو تركنا كلاًّ منهما يسير وراء هوايته وطبيعته الفطرية . فتقسيم العمل يعتبر من أهمّ الظواهر الطبيعية ، وقد شمِل حتى تكوين الإنسان وتركيبه العضوي ، فإنّ لكلّ عضوٍ من أعضاء الإنسان عمله الخاص وفائدته الخاصّة وبهذا تكون جميع أعضاء الإنسان متساوية من ناحية الاستهلاك ومتوازية في إنجاز المهام مثلها في ذلك كمثل تقسيم العمل في المعمل الصناعي ، فتقسيم العمل في المعمل الصناعي مِن شأنِه أنْ يستوجب استعمال كافّة الآلات الموجودة في مصنع من المصانع في وقت واحد . ولا شكّ أنّ هذا الاستعمال مفيد من عدّة نواحي ، فهو مفيد للآلات نفسها إذ أنّ الحركَة أفضل لها من الوقوف ، كما هو مفيد بالنسبة للإنتاج إذ أنّ العامل الذي يتخصّص في إدارة آلةٍ معينة يستطيع أنْ يحصل على أكبر فائدة مرجوّة منها؛ وبذلك تصِل قوّة الإنتاج إلى أقصى درجتها ، وحتى على الصعيد الدولي فإنّا نجد أنّ تقسيم العمَل قد انتشر بين الدوَل والأقاليم ، بل وحتى في الدولة الواحدة نفسها ، وذلك تبَعاً لصفات السكّان فيها واستعدادهم الذاتي لأيّ أنواع العمل ، وبحسَب تربتها ومناخها ونوع المعادن الموجودة فيها ونوعيّة المحصولات التي تنتجها والقوى المتحرّكة وتوزيعها .
فقد تتخصّص بعض الدوَل في صناعة المنسوجات وبعضها في صناعة المواد الكيميائيّة مثلاً ، وقد تتخصّص غيرها في تربية الأغنام أو زراعة القطن ، أو إنتاج النفط بناءً على استعداد الدولة وإمكانياتها ، ولا شكّ أنّ تقسيم العمَل بين الأفراد في جميع المجالات له أثَر كبير في حياتنا الاجتماعية فعلاوةً على المزايا العديدة التي يتضمّنها فإنّه يحكم الروابط بين الأفراد ويُشعِر الإنسان بحاجته إلى أخيه الإنسان وبأنّه لنْ يستطيع أنْ ينتج بنفسه كافّة الأشياء اللازمة له فهو مضطر إلى أنْ يعتمد على غيره في الحصول عليها .
وعلى هذا فإنّ كلّ واحد من المجموعة البشريّة يشعر بأنّه مشدود جذرياً إلى أخيه الإنسان وهذا الشعور يولّد التقارب اللا اختياري في المجتمع ، فإذا كان تقسيم العمَل شاملاً لكلّ المجالات في جميع الأحوال ، وإذا كانت الحياة قائمة على أساس تقسيم العمل في جميع نواحيها ، فمَن الطبيعي جدّاً أنْ يأخذ الإسلام بهذا المبدأ في تقسيم العمل بين المرأة والرجل ، فيسند لكلّ منها الدور الذي هو أكثر كفاءة للقيام به . فإنّ لكل من المرأة والرجل مزاجاً خاصّاً وتكويناً معيّناً لا ينبغي لأيٍّ منهما أنْ ينحرف عنه أو ينفصل منه .
فتوزيع المهام إذاً بين الرجل والمرأة لا يقوم على أساس تسخير أحدهما للآخر ، بل على أساس تقسيم العمل وإعطاء كلّ منهما نوع المهمّة التي تنسجم مع طبعه ومزاجه ، ولولا توزيع هذه الوظائف والتهيئة التكوينيّة ، لهذا التوزيع لَما أمكَن للبشرية أنْ تعيش على وجه الأرض ، فكما أنّ على المرأة أنْ تقوم بوظائفها الطبيعية في الحياة كذلك على الرجل أيضاً أنْ يقوم بمهامّه بالنسبة للمجتمع والحياة ، ويكون إنجاز هذه الوظائف الطبيعية على سبيل التعاون والتكافؤ لا على سبيل التسخير والاستخدام .
هذا هو التقسيم السماوي للوظائف البشرية دون استغلال من أحَد الطرفين ، وهكذا شاءت العدالة الربّانية أنْ تجعل البشر متساوين في الوظائف متكافئين في الأعمال دون ظلم أو إجحاف ، وتقسيم الوظائف على هذا النحو يحفظ لكلّ من الطرفين مكانته الاجتماعية ويُحافظ في الوقت نفسه على كيانه الخاص ، ويجعلهما معاً خادِمَين للمجتمع على صعيدين متساويين ، وكلٌّ حسبما تفرضه عليه طبيعته ويدلّه إليه تكوينه .

ولذلك فقد أسنَد للمرأة خِدمة المجتمع في داخل البيت وأسنَد للرجل خدمة المجتمع في خارج البيت ؛ وذلك لأنّ المرأة بطبيعتها الأنثوية الرقيقة أجدر بإدارة البيت الذي يقوم على الحبّ والعطف والحنان .
ولكنّ هذا التوزيع العادِل للوظائف أخَذ يُستغَل من قِبَل بعض دعاة الشرّ ؛ لإِبرازه في صورةٍ معاكسة تماماً للواقع ، تنتج عنه تصوّرات خاطئة عن أنّ المرأة في الإسلام لا تُعَد إلاّ كونها أداة عمل وآلة إنتاج تحت سيطرة الرجل ، وكان نتيجة لهذه الدعايات السامّة أنْ أخذت المرأة المسلمة تستشعر بنقطة ضعف موهومة ، وصارت تحاول أنْ تمحو عنها هذا النقص .
وبما أنّ الوسيلة الوحيدة التي تُمكّنها من ذلك هي عدالة السماء وتفهّمها الواقعي للحكمة العادلة في هذا التوزيع ، وبما أنّها قد انصرفت عن هذه الناحية بعد أنْ توهّمت اليأس منها ، فإنّها لنْ تتمكّن من الاهتداء إلى ما تسعى ، مهما حاولَت ذلك ، ومهما بذلَت في سبيل ذلك الغالي والرخيص من عزّتها وكرامتها وطهرها الغالي الثمين .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد