مقالات

أهل البيت وإحياء مصيبة الحسين (عليهم السّلام)


الشيخ عباس القمي ..

كما كانت هذه حالة وسيرة أئمتنا الأبرار (عليهم السّلام) ارجع هنيئة إلى الأخبار والآثار وانظر فعل زين العابدين (عليه السلام) مع الفرزدق وكثرة العطاء والبذل له بعد إنشاده تلك القصيدة المعروفة وانظر إلى عطاء مولانا الصادق (عليه السلام) إلى أشجع السلمي بعد ما جاء لعيادته وانشد بيتين أولهما «البسك اللّه من عافية» فكان عند الإمام من المال أربعمائة درهم فأعطاها له ، فأخذه وشكر الإمام ثم ذهب : فدعاه الإمام (عليه السلام) وأعطاه خاتما قيمته عشرة آلاف درهم ، وحكاية إعطاء الإمام الرضا (عليه السلام) لدعبل الخزاعي الدراهم الكثيرة والجبة وخاتم عقيق - على رواية - وقميصًا من الخز الأخضر قد صلى فيه ألف ليلة في‏ كل ليلة ألف ركعة وختم فيه القرآن ألف ختمة، معروفة.
وعن الغرر والدرر للسيد (المرتضى) أنّ دعبل بن عليّ وإبراهيم بن العباس كانا صديقين فجاءا إلى عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) بعد ولاية عهده فقرأ دعبل:
مدارس آيات خلت من تلاوة               ومنزل وحي مقفر العرصات‏
وأنشد إبراهيم قصيدة مطلعها:
أزالت عزاء القلب بعد التجلد               مصارع أولاد النبي محمد

فأعطاهما الإمام (عليه السلام) عشرين ألف درهم مسكوكة باسمه الشريف بأمر المأمون ، فجاء دعبل بسهمه إلى قم فاشترى أهل قم كل درهم منه بعشرة دراهم فصارت حصته مائة ألف درهم  لكن إبراهيم احتفظ بالدراهم حتى مات.
وقيل إنّ (رجلًا) علّم ولد الحسين (عليه السلام) «الحمد» فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلّة ، وحشا فاه درّا ، فقيل له في ذلك ، فقال : وأين يقع هذا من عطائه؟ - يعني تعليمه.


وقد مرّ أنّه (عليه السلام) أعطى أربعة آلاف درهم للأعرابي الذي قرأ له:
لم يخب الآن من رجاك ومن‏              حرّك من دون بابك الحلقة
ومع هذا اعتذر منه وقال (عليه السلام) «خذها فإنّي إليك معتذر» .
وموسى بن جعفر (عليه السلام) أنّه جلس مكان المنصور يوم العيد بأمره فجاء الناس إلى رؤيته ومعهم هدايا وتحف كل بحسب حاله ، ثم جاء بعد الكل شيخ هرم ، فقال : ليس لي شي‏ء أهديه إليك يا ابن رسول اللّه إلا ثلاثة أبيات أنشدها جدّي لجدّك الحسين (عليه السلام).
فقرأ الشيخ الأبيات فقال الإمام (عليه السلام) : قد قبلت هديتك ، ثم أجلسه إلى جنبه وبعث المنصور يسأله عن الهدايا والتحف ، فوهبها المنصور إلى الإمام ، فوهبها الإمام (عليه السلام) إلى ذلك‏ الشيخ.
وذكر المؤرخ الأمين المسعودي رحمه اللّه في مروج الذهب عند بيان سبب العصبية بين النزارية واليمانية التي صارت مقدمة لسلطة العباسيين وهلاك المروانيين ، فقال : لما قال الكميت بن زيد الأسدي ، الهاشميات قدم البصرة فأتى الفرزدق ، فقال : يا أبا فراس أنا ابن أخيك ، قال : ومن أنت؟ ، فانتسب له ، فقال: صدقت فما حاجتك؟ ، قال : نفث على لساني وأنت شيخ مضر وشاعرها وأحببت أن أعرض عليك ما قلت فإن كان حسنًا أمرتني بإذاعته وإن كان غير ذلك أمرتني بستره وسترته عليّ ، فأنشده:
طربت وما شوقًا إلى البيض أطرب‏                ولا لعبًا منّي، وذو الشيب يلعب‏
(فأمره بإظهارها وبثها بعد تحسينه له فقدم الكميت) المدينة فأتى أبا جعفر (عليه السلام) فأذن له ليلًا ، فأنشده فلما بلغ من الميميّة قوله:
وقتيل بالطف غودر منهم‏                 بين غوغاء أمة وطغام‏
بكى أبو جعفر (عليه السلام) ثم قال : يا كميت لو كان عندنا مال لأعطيناك ولكن لك ما قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لحسان بن ثابت : لا زلت مؤيدا بروح القدس ما ذببت عنّا أهل البيت ، فخرج من عنده ، فأتى عبد اللّه بن الحسن بن عليّ ، فأنشده ، فقال : يا أبا المستهل إنّ لي ضيعة قد أعطيت فيها أربعة آلاف دينار وهذا كتابها وقد أشهدت لك بذلك شهودا ، وناوله إياه ، فقال : بأبي أنت وأمّي إنّي كنت أقول الشعر في غيركم أريد بذلك الدنيا والمال ، ولا واللّه ما قلت فيكم شيئًا إلا للّه وما كنت لآخذ على شي‏ء جعلته للّه مالُا ولا ثمنًا ، فألح عبد اللّه عليه وأبى من إعفائه ، فأخذ الكميت الكتاب ومضى فمكث أيامًا ثم جاء إلى عبد اللّه فقال : بأبي أنت وأمي يا بن رسول اللّه إنّ لي حاجة ، قال : وما هي؟
وكل حاجة لك مقضية ، قال : هذا الكتاب تقبله وترتجع الضيعة ، ووضع الكتاب بين يديه فقبّله عبد اللّه.

ونهض عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب فأخذ ثوبًا جلدًا فدفعه إلى‏ أربعة من غلمانه ثم جعل يدخل دور بني هاشم ويقول : يا بني هاشم هذا الكميت قال فيكم الشعر حين صمت الناس عن فضلكم وعرّض دمه لبني أميّة فأثيبوه بما قدرتم ، فيطرح الرجل في الثوب ما قدر عليه من دنانير ودراهم ، وأعلم النساء بذلك فكانت المرأة تبعث ما أمكنها حتى أنّها لتخلع الحليّ عن جسدها ، فاجتمع من الدنانير والدراهم ما قيمته مائة ألف درهم ، فجاء بها إلى الكميت ، فقال : يا أبا المستهل أتيناك بجهد المقلّ ونحن في دولة عدوّنا وقد جمعنا لك هذا المال وفيه حلي النساء كما ترى فاستعن به على دهرك.
فقال : بأبي أنت وأمي قد أكثرتم وأطيبتم وما أردت بمدحي إياكم إلّا اللّه ورسوله ولم أك لآخذ لذلك ثمنًا من الدنيا ، فاردده الى أهله، فجهد به عبد اللّه أن يقبله بكل حيلة ، فأبى‏ .
وروت العامة عن صاعد مولى الكميت أنّه قال : جئت مع مولاي إلى الإمام الباقر (عليه السلام) فأنشد الكميت قصيدة مطلعها : «من لقلب متيّم مستهام».
فقال (عليه السلام): «اللهم اغفر للكميت، اللهم اغفر للكميت».
وقال صاعد أيضًا : جاء الكميت يوما إلى مولانا الباقر (عليه السلام) فأعطاه الإمام ألف دينار وثيابًا ، فردّ الكميت الدنانير وأخذ الثياب تبرّكا ، وقال أيضًا : ذهبنا يوما إلى فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) فقالت : هذا شاعرنا أهل البيت فجاءت إليه بقدح من السويق ، فشرب منه ثم أمرت بإعطائه ثلاثين دينارًا ومركبًا فبكى الكميت وقال : واللّه لا آخذها إنّي ما أحببتكم لأجل الدنيا.
وقس على هذا من القضايا الكثيرة ، والغرض من هذا التطويل التنبيه لبعض النفوس الناقصة الذين يقيمون مجالس العزاء لسيد الشهداء (عليه السلام) تنبيههم الإهانة والاستخفاف بأهل المنبر والذكر والمراثي ، ويزعمون أنهم اشتروا الخطيب وصار عبدًا لهم بسبب ذلك المبلغ المختصر الذي يعطونه بعد أيام مديدة ، فيأمرونه وينهونه ويتوقعون منه أمورًا في غير محلّها ، مضافًا إلى المفاسد الأخرى الكثيرة التي تصدر منهم ، وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟، لكن للعالم أن يظهر علمه ، نبّهنا اللّه وإياكم من رقدة الغفلة والسلام على من اتبع الهدى.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة