مقالات

تحديد الإسلام بكلمة واحدة


الشيخ محمد جواد مغنية ..

قرأت في جريدة الجمهورية المصرية تاريخ 21 نيسان سنة 1967 كلمة قال كاتبها ضياء الريس : أنه قرأ مقالًا في مجلة أدبية لكاتب عربي شهير، قال فيه: إنه ـ أي الكاتب ـ حين كان عضوًا في البعثة العلمية بإنكلترا اشتبك في نقاش حاد مع إنكليزية مثقفة حول الإسلام والمسيحية، فقالت الإنكليزية ـ متحدية جميع المسلمين بشخص الكاتب المسلم ـ إني ألخص مبادئ المسيحية كلها بكلمة واحدة، وهي المحبة، فهل تستطيع أنت ـ أيها المسلم ـ أن تأتي بكلمة تجمع مبادئ الإسلام؟ فأجابها الكاتب المسلم: أجل، إنها كلمة التوحيد .
وبعد أن نقل الريس هذا الحوار قال: لم يكن الجواب موفقًا، وذكر أسبابًا وجيهة وصحيحة تدعم حكمه على الكاتب بعدم التوفيق، وبعد أن انتهى الريس من حكمه وأسبابه الموجبة قال: لو وجه إلي هذا السؤال لأجبت بأن هذه الكلمة هي الرحمة ، واستدل على صحة جوابه هذا بالعديد من الآيات والروايات مبتدئا بـ ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ 1 .. إلى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ 2 .. الخ وصدق الريس في قوله: إن الكاتب لم يكن موفقًا في جوابه .. ولكن الريس أيضًا لم يكن موفقًا في اختياره كلمة الرحمة، لأنه لم يزد شيئًا على ما قالته الإنكليزية، حيث أخذ كلمة المحبة منها، و ترجمها إلى كلمة الرحمة، وعلى هذا لا يكون للإسلام أية ميزة على المسيحية .

ولو كنت حاضرًا مع البعثة العلمية بإنكلترا لأجبت بكلمة « الاستقامة » فإنها الكلمة الجامعة المانعة الشاملة للاستقامة في العقيدة بما فيها التوحيد والتنزيه عن الشبيه، وأيضُا تشمل الاستقامة في الأعمال والأخلاق والأحكام وجميع التعاليم بما فيها الرحمة والمحبة والتعاون.
إن الرحمة من مبادئ الإسلام، وليست الإسلام بكامله، كما أن التوحيد أصل من أصوله، لا أصوله بأجمعها .وبما أن الاستقامة تجمع المحبة والرحمة والتوحيد، وسائر الأصول الحقة، والأعمال الخيرية، والأخلاق الكريمة المستقيمة، وبما أنها المقياس الصحيح للفضيلة والكمال الذي يبلغ بالإنسان إلى سعادة الدنيا والآخرة .. لذلك كله أمرنا أن نكرر في صلاتنا صباح مساء : ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ﴾ 3 ..  وقال عز من قائل مخاطبا نبيه الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) : ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ 4 .  وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ 5 .

ولا شي‏ء أدل على أن الاستقامة هي الكل في الكل من قول إبليس اللعين : ﴿ ... لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ 6 .
وجاء في الحديث الشريف : « قال سفيان الثقفي: يا رسول اللّه قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك. قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله ): قل: آمنت باللّه، ثم استقم » .
واختصارًا إن معنى الاستقامة أن نقف عند حدود اللّه، ولا ننحرف عن الحق إلى الباطل، وعن الهداية إلى الضلال ، وأن نسير بعقيدتنا وعاطفتنا ، وجميع أقوالنا وأفعالنا على الصراط المستقيم ، ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ 7 8 .
ـــــــــــ
•  1. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 1 .
•  2. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 107 ، الصفحة : 331 .
•  3. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 1 .
•  4. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 112 ، الصفحة : 234 .
•  5. القران الكريم : سورة فصلت ( 41 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 480 .
•  6. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 16 ، الصفحة : 152 .
•  7. القران الكريم : سورة الفاتحة ( 1 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 1 .
•  8. تفسير الكاشف : 1 / 26 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد