علمٌ وفكر

الأطفال متفائلون طبيعيون - وهذا له إيجابيات وسلبيات


المترجم : أبو طه / عدنان أحمد الحاجي

قد تتردد في تقييم (الحكم على)  شخصية  شخص ما  من  اللقاء الأول ( *انطر التعريف من خارج النص في آخر المقال). ربما يرغب معظم البالغين في رؤية كيف يتصرف الغريب في ظروف مختلفة، ليقرروا ما إذا كان الشخص الجديد  لطيفًا أو لئيمًا أو جديرًا بالثقة.
الأطفال الصغار أقل حذرًا بشكل مدهش عند تقييمهم للشخصية. غالبًا ما يظهرون انحيازًا  إيجابيًّا: وهو الميل للتركيز على الأفعال الإيجابية أو معالجة المعلومات التي تعزز بشكل انتقائي الآراء الإيجابية عن الذات أو عن الآخرين أو حتى الحيوانات والأشياء (* المزيد من تعريف الإنحياز الإيجابي من خارج التص في آخر المقال) .
لماذا هو مهم  لو أن الأطفال لا يرون إلاّ الأشياء الجميلة في العالم ؟ الأطفال الذين لديهم تفاؤل مفرط قد يجدون أنفسهم بدون قصد في أوضاع غير آمنة، أو قد يكونون غير قادرين أو غير راغبين في التعلم من التغذية الاسترجاعية feedback البناءة. وفي عصر "الأخبار المزيفة" والمصادر المعلوماتية التي لا تعد ولا تحصى، فمن المهم أكثر من أي وقت مضى تربية مفكرين نقاد أقوياء وعندما يكونون بالغين يأخذون قرارات مستنيرة في الحياة. علماء النفس أمثالي يدرسون هذا التفاؤل الذي يبدو أنه يظهر في وقت مبكر جدًّا من الحياة حتى يعرفوا  المزيد عن  كيف يعمل  - وكيف ولماذا يتناقص مع مرور الوقت.


أطفال أذكياء متفائلون  
بعدة طرق، الأطفال مفكرون محنكون. في مرحلة الطفولة المبكرة، يقومون بجمع البيانات بعناية من بيئتهم لبناء نظريات عما  حولهم. على سبيل المثال، يدرك الأطفال أن الأحياء، كالحيوانات، تعمل بشكل مختلف تمامًا عن الجمادات، كالكراسي. حتى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة يستطيعون معرفة الفرق بين المتخصصين وغير المتخصصين (1) كما أنهم يدركون أن أنواع  المتخصصين المختلفين يعرفون أشياء مختلفة (2) - مثلاً، يعرف الأطباء كيف تعمل الأجسام  البشرية والميكانيكيون يعرفون كيف تعمل السيارات. حتى أن الأطفال يتتبعون سجلات دقة الأشخاص لتحديد ما إذا كان يمكن الوثوق بهم كمصادر (3) لتعلم أشياء مثل أسماء أشياء غير معروفة.
هذا المستوى من الشكوك مثير للإعجاب، لكنه ناقص إلى حد كبير عندما يُطلب من الأطفال اتخاذ آراء تقييمية بدل ان تكون محايدة. هنا، يظهر الأطفال دليلًا واضحًا على وجود إنحياز إيجابي.
على سبيل المثال، أظهرنا أنا وزملائي أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين ٣ و ٦ سنوات يحتاجون فقط إلى رؤية سلوك إيجابي واحد للحكم على شخصية القصة أنه طيب، ولكن يحتاجون إلى العديد من السلوكيات السلبية للحكم على شخصية أنه لئيم. لقد وجدت أيضًا أن الأطفال يرفضون الأوصاف السلبية عن الغريب  (مثل "لئيم") من متفرسين ذوي مصداقية، ولكنهم يقبلون بسهولة الأوصاف الإيجابية (مثل "طيب").

في حين يستخدم الأطفال المعلومات عن الخبرة بفعالية في المجالات غير التقيمية - كما هو الحال عند التعرّف على سلالات الكلاب - فهم متردّدون في الثقة بالمختصين الذين يقومون بتقييمات سلبية. على سبيل المثال، وجد مختبري أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ٦ و ٧ سنوات يثقون بالأوصاف الإيجابية لحيوان غير مألوف (مثل "ودود") من قبل حارس حديقة حيوانات، لكنهم يتجاهلون الأوصاف السلبية (مثل "خطير"). وبدلاً من ذلك، فقد وثقوا بغير المختص الذي قدم أوصافًا إيجابية.
في بحثنا الآخر، كان الأطفال لا يثقون في التقييم السلبي  للمختص عن عمل  فني (لوحة فنية)، وبدلاً من ذلك وثقوا بمجموعة من الأشخاص العاديين الذين قيموه بشكل إيجابي. ويميل الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة إلى تقييم أدائهم في حل المسائل الرياضية وفي الرسم بشكل إيجابي حتى بعد إخبارهم بأن أداء أحد الأقران قد تفوق على أدائهم .
إجمالاً، يكشف البحث أن الانحياز الإيجابي موجود في سن مبكرة حتى عند من هم في الثالثة من العمر، وتصل إلى الذروة في مرحلة الطفولة المتوسطة، وتضعف فقط في مرحلة الطفولة المتأخرة.


لماذا لا نرى إلا الأشياء الجميلة عندما نبدأ الحياة؟
لا يعرف علماء النفس على وجه اليقين سبب تفاؤل الأطفال. من المحتمل أن يرجع ذلك جزئيًّا إلى التجارب الاجتماعية الإيجابية التي يحالف معظم الأطفال الحظ بأن توجد لديهم مبكرًا في حياتهم.
مع التقدم في العمر، يتعرض الأطفال لواقع أكثر قسوة. يبدأون في رؤية تباينات في الأداء بين الناس، بما في ذلك أقرانهم، وهذا يعطيهم شعوراً  بما هم  عليه بالنسبة للآخرين. يتلقون في النهاية تغذية استراجعية (تعليقات) تقييمية من معلميهم ويبدأون في التعرض إلى مجموعة متنوعة من الممارسات العلائقية السلبية، مثل التنمر.

ومع ذلك، فإن الأطفال غالبًا ما يظلون وبشكل مكابر متفائلين على الرغم من الأدلة المخالفة. قد تكون هناك قوى مختلفة تلعب دورًا هنا: لأن الإيجابية مغروسة جدًّا في أذهان الأطفال، فقد يكافحون ليهتموا ويدمجوا بين الأدلة المتناقضة في نظرياتهم العاملة عن الناس. الأطفال الأمريكيون يُعلّمون ألا يقولون أشياء غير لائقة عن الآخرين وقد يشككون في نوايا الأشخاص ذوي النوايا الحسنة الذين يتحدثون حقائق مطلقة. قد يكون هذا هو السبب في أن الأطفال يضعون الأولوية للطف على الخبرة عندما يتعلمون معلومات جديدة.
يمكن أن تؤثر الروح التي تُعرض بها المعلومات السلبية على ما إذا  كان لها القدرة في  اختراق الانحياز الإيجابي للطفل. في إحدى الدراسات في مختبري، قدمنا التغذيات الاسترجاعية السلبية على أنها تركز على التحسن (كلمات مثل "تحتاج إلى عمل" بدلاً من "سيئ للغاية"). في هذه الحالة، كان الأطفال أكثر استعدادًا لقبول التقييمات السلبية وفهموا أن التعليقات (التغذية الاسترجاعية) كانت تهدف إلى أن تكون مفيدة. من المرجح أن يستفيد الأطفال أكثر من التعليقات البناءة عندما يفهمون أن المقصود منها هو مساعدتهم وأيضاً عندما يركز أولياء الأمور والمدرسون على عملية التعلم بدلاً من الإنجاز (5).


الانحياز الإيجابي يخف مع مرور الوقت
هل يقلق مقدمو الرعاية بشأن الانحياز الإيجابي؟ عموماً، ربما لا.
ميزة واحدة هي أن الانحياز الإيجابي يفتح الأطفال على تجربة أشياء جديدة دون خوف وربما يساهم في التعلم. الأطفال الذين يقاربون  الآخرين بشكل إيجابي من المرجح أن ينتقلوا من الروضة إلى المدرسة بنجاح ويحققوا نجاحًا اجتماعيًّا أكبر ( 4).
ولكن في عصر يتحدث فيه الناس عن فيلم  "بيبي جيناسيس baby geniuses" (معلومات عن الفيلم موجودة على هذه الصفحة :https://en.m.wikipedia.org/wiki/Baby_Geniuses)، يجب على الوالدين والمعلمين إدراك أن الأطفال ليسوا محنكين كما قد يبدون، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالآراء (بالأحكام) التقويمية. من المهم أيضًا ألا نفترض أن الأطفال الأكبر سنًّا لديهم بالضرورة مقاييس أفضل من الأطفال الأصغر سنًّا في إصدار مثل هذه التقيمات (الآراء). التحدث إلى الأطفال عن معتقداتهم قد يساعدهم على التفكير في الأدلة التي تدعمهم والتأمل في المعلومات المتاحة.


تعريفات من خارج النص:
١- تعريف تقييم الشخصية ( منقول )
تقييم (الراي في) الشخصية هي العملية التي من خلالها يرى الأشخاص شخصيات بعضهم البعض من خلال تلقي معلومات معينة عن بعضهم، أو مقابلة الآخرين شخصيًا. الغرض من تقييم الشخصية إما أن نفهم سلوكًا سابقًا  أو نتوقع سلوكًا مستقبليًّا يظهره الأشخاص. تركز النظريات المتعلقة بتقييم  الشخصية على دقتها، وتأثيرها على مختلف جوانب التفاعلات الاجتماعية.  إن تحديد كيف يقيم الناس الشخصية أمر مهم لأن التقييم غالبًا ما يؤثر على سلوكيات الأشخاص. تقييم  الشخصية هي مزيج من الشخصية ونطاقات السايكلوجيا الاجتماعية. هذا المزيج من المجالات يسمح بالتنبؤ السلوكي المعتدل ( ترجمنا التعريف منhttps://en.m.wikipedia.org/wiki/Personality_judgment).

٢- تعريف الانحياز الإيجابي (منقول):
(البوليانية أو الانحياز الإيجابي) هو ميل الأشخاص لِتَذَكُّر الأشياء الجيدة بِدِقَّة أكبر مِن الأشياء المزعِجة أشارت الأبحاث إلى أنَّ، على مستوى اللاوعي، يميل العقل للتركيز على التفاؤل بينما، على مستوى الوعي، يميل للتركيز على السلبيات. تَحَيُّز اللاوعى للإيجابيات يوصف غالبًا بأنه مبدأ بوليانا. اشتق الاسم من رواية لإليانور بورتر ر عام 1913 بعنوان بوليانا والتي تصف فتاة تلعب لعبة السعادة وهي أن تحاول العثور على شيء ما يبعث على السعادة في كل الأوضاع التي تتواجد فيه ( المصدر: https://ar.m.wikipedia.org/wiki/مبدأ_بوليانا).


المصادر التي وردت داخل النص:
1-https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0022096515002064?via%3Dihub
2-https://onlinelibrary.wiley.com/doi/ahttps://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0022096515002064?via%3Dihubbs/10.1111/1467-8624.00458
3-http://journals.sagepub.com/doi/10.1111/j.1467-9280.2006.01778.x
4-http://dx.doi.org/10.1037/0003-066X.47.1.46
5-http://www.jstor.org/stable/1130613?seq=1#page_scan_tab_contents

المصدر الرئيسي   
https://theconversation.com/children-are-natural-optimists-which-comes-with-psychological-pros-and-cons-93532?utm_medium=email&utm_campaign=Latest%20from%20The%20Conversation%20for%20April%2021%202018%20-%2099868688&utm_content=Latest%20from%20The%20Conversation%20for%20April%2021%202018%20-%2099868688+Version+B+CID_87469823660b99c30d9120c8b6b71797&utm_source=campaign_monitor_us&utm_term=Children%20are%20natural%20optimists%20%20which%20comes%20with%20psychological%20pros%20and%20cons

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة