علمٌ وفكر

الضرورة والوجوب


الشيخ محمد رضا المظفر

الضرورة والوجوب، والمراد من ذلك أن الشيء ما لم يجب لم يوجد ووجوب الشيء لا يحصل إلّا بسد أنحاء عدمه ولا يسد أنحاء عدمه إلّا بوجود علته التامة؛ لأنه ممكن بالذات والممكن بالذات لا يقتضي الوجود كما لا يقتضي العدم. فاذا فرض أن وجود شيء مشروط بألف شرط، فلا يمكن وجوده إلّا باجتماع شروطه وتحقق علته، فإذا فقد شرط من بين هذه الشروط، لا يجب وجوده ولا يوجد، فإذا تحققت الشروط ووجب وجوده به وجد، فوجود الممكن مسبوق بضرورة الوجود رتبة وضرورة وجود الممكن قبل وجوده حاكية عن وجود علته، إذ بدونها لا وجود ولا ضرورة له.
وهذا الحكم لا يختص بوجود دون وجود، بل يشمل جميع الموجودات سواء كانت مترتبة أم غير مترتبة؛ لأن السلسلة المترتبة الممكنة بالذات ما لم يجب وجودها لم توجد، ولا يجب وجودها إلّا بوجود علة مستقلة ليست بمعلولة وبدونها لا يجب وجود السلسلة؛ لأنها ممكنة بالذات وما دام لم يجب وجودها لم توجد وحيث كانت الموجودات موجودة بالعيان فعلم أنها وجبت قبل وجودها رتبة، فوجوبها وضرورتها ليس إلّا بوجود علة مستقلة ليست بمعلولة وهو الواجب تعالى.
ويمكن تقرير هذا البرهان بصورة اخرى وهي أن يقال: إن وجود النظام الإمكاني مسبوق بضرورة الوجود له ووجوبه وإلّا لم يوجد، والممكن ليس له ضرورة الوجود ووجوبه إلّا بالواجب بواسطة أو بدونها. فوجوب النظام الإمكاني وضرورته قبل وجوده لا يكون إلّا بوجود الواجب المتعال وهو المطلوب. ففي هذا البرهان يكون الحد الوسط هو الضرورة ووجوب الممكن بالغير التي هي من أحكام المعلولية.

وهذا البرهان من عوالي الأدلة والبراهين وكذلك قال الأستاذ الشهيد المطهري: إن هذا البرهان من البراهين التي في عين كونها دليلًا على وجود الواجب، تكون برهانًا على امتناع التسلسل أيضًا، ولذا ذكره الخواجة نصير الدين الطوسي ـ قدس‌سره ـ لوجود الواجب من دون حاجة إلى إبطال التسلسل قبله (١).
ولعل إليه يؤول ما حكي عن الفارابي من أن الممكن سواء كان واحدًا أو متعددًا، مترتبًا أو متكافئًا لا يقتضي وجوب الوجود فلا بد في وجود الممكن المترتب على وجوبه من موجود واجب بالذات (٢).
وإليه يشير أيضًا ما حكي عن المحقق الطوسي ـ قدس‌سره ـ حيث قال: إنه لو لم يكن الواجب موجودًا لم يكن لشيء من الممكنات وجود أصلًا، واللازم كالملزوم في البطلان. وبيان الملازمة أن الموجود يكون حينئذ منحصرًا في الممكن وليس له وجود من ذاته كما تقدم، بل من غيره، فإذا لم يعتبر ذلك الغير لم يكن للممكن وجود، وإذا لم يكن له وجود لم يكن لغيره عنه وجود؛ لأن إيجاده للغير فرع وجوده لاستحالة كون المعدوم موجدًا (٣).
______________
(١) اصول فلسفة : ج ٥ ص ١٠٠.
(٢) تعليقة على نهاية الحكمة : ص ٤١٥.
(٣) اللوامع الالهية : ص ٧٠.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد