علمٌ وفكر

النظم والتناسب


الشيخ محمد رضا المظفر

النظم والتناسب، وتقريب ذلك ومن الواضح أن النظم هو عمل منظوم لغرض صحيح كخلقة آلة السمع للاستماع وآلة اللسان للتكلم وهكذا والتناسب هو مناسبة الأعمال المنظومة بعضها مع بعض في ترتب الغاية المترتبة عليها لتناسب الأيدي والأرجل أو تناسب الأسنان بالنسبة إلى الغاية المترتبة عليها ومن الواضح أن النظم والتناسب بالمعنى المذكور أمر يراه كل ذي لب في أجزاء العالم أو الأشياء بعضها مع بعض، يكفيك ما تراه في بدنك من القلب والسمع والبصر وجهاز الهاضمة وجهاز التناسل والتوالد والعروق والعظام، وما تحسه من القوى المودعة في نفسك من الإحساس والتحفظ والتعقل، وغير ذلك من اللأمور العظيمة الفخيمة التي لا تنقضي عجائبها ولا ينال الإنسان بعظمتها وأهميتها، إلّا إذا فقدها.
ثم إن النظم والتناسب لا سيما إذا كان متعددًا ومستمرًّا لا يصدر إلّا من ذي شعور عالم حكيم، ولذا يطمئن الإنسان بوجود البناء إذا رأى دارًا مجهزة بالأجهزة اللازمة، وهكذا بوجود الصانع إذا رأى سيارة مجهزة بالأجهزة اللازمة، ولا يصغى باحتمال الصدفة؛ لضعفه إلى حد يعجز عن حسابه الإنسان بحساب الاحتمالات، بل الفعل المتقن المنظم المتناسب المكرر المستمر لا يسانخ الصدفة الفاقدة للشعور، كما لا يخفى.
سأل زنديق من الإمام الصادق ـ عليه‌السلام ـ ما الدليل على صانع العالم؟ فقال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعها صنعها ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيًا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده (1).
فإذا عرفت ذلك ظهر لك أن للنظم والتناسب المشاهد في أجزاء العالم ناظمًا شاعرًا وعالـمًا وحكيمًا مطلقًا وهو الله تعالى؛ لأن الحكمة في الخلق كثيرة عظيمة لا تسانخ إلّا للواجب «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (2).
ــــــــــ
(1) بحار : ج ٣ ص ٢٩.
(2) البقرة : ١٦٤.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد