مقالات

الآداب القلبية للقُنوت


الإمام الخميني "قدس سره"

اعلم أنّ القنوت من المستحبّات المؤكّدة. ولا ينبغي تركُه. بل الأحوط الإتيانُ به؛ لأنّ بعض الأصحاب قال بوجوبه، وظاهرُ بعض الروايات أيضاً الوجوب، وإنْ كان الأقوى في الصناعة الفقهية عدمُ الوجوب، كما هو المشهور بين العلماء الأعلام.
وهو على هذه الكيفية الخاصّة المتعارفة بين الإمامية رضوان الله عليهم، بمعنى أنه متقوّمٌ برفع اليد حذاءَ الوجه، وبسطِ باطن الكفّين نحو السماء، والدعاء بالمأثور أو غير المأثور...
وقال الفقهاء: أفضلُ الأدعية فيه دعاء الفرَج، ولم يرَ الكاتب دليلاً فقهياً معتدّاً به للأفضلية، ولكن مضمون الدعاء دالٌّ على أفضليته التامّة، لأنه:

- مشتملٌ على التهليل والتسبيح والتحميد؛ وهي روحُ التوحيد...
- وهو مشتمل أيضاً على الأسماء العظيمة الإلهية؛ كـ«الله» و«الحليم» و«الكريم» و«العَلِيّ» و«العظيم» و«الربّ».
- وهو أيضاً مشتمل على ذكر الركوع والسجود. [في بعض صيَغ الدعاء]
- وهو مشتمل أيضاً على أسماء الذّات والصّفات والأفعال.
- وهو مشتمل أيضاً على تجليات الحقّ جلّ وعلا.
- وهو مشتمل أيضاً على السلام على المرسلين، وإنْ كان الأحوط تركُه، ولكن الأقوى جوازه. [باعتباره قرآناً في مقام الدعاء]
- وهو مشتمل أيضاً على الصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام.

فكان هذا الدعاء، باختصاره مشتملاً على جميع الوظائف الذِّكرية للصلاة، ويُمكن إثبات أفضليّته بقول الفقهاء رضوان الله عليهم، إمّا بالتسامح في أدلّة السُّنن، وإن كان للكاتب فيه تأمّل، وإمّا بالكشف عن دليلٍ معتبَرٍ خفيَ عنّا، كما هو مبنيُّ الإجماع في نظر المتأخّرين.
وعن الأدعية الشريفة التي لها فضلٌ عظيم. وهو مشتملٌ أيضاً على آداب مناجاة العبدِ الحقَّ، ومشتملٌ على تعداد العطايا الكاملة الإلهية الذي يناسب حال القنوت، وهو حال المناجاة والانقطاع إلى الحقّ مناسبة تامّة، وبعض المشايخ العِظام رحمه الله كان مواظباً ومداوماً عليه تقريباً، وهو دعاء «يا مَن أظهرَ الجميل..»، وهو من كنوز العرش وتحفة الحقّ تعالى لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولكلٍّ من فقراته فضائل وثواب كثير، كما في (توحيد) الشيخ الصدوق رحمه الله.
ومع أن الصلاة جميعها إظهارٌ للعبودية وثناءٌ على الله، فإنّ الذات المقدّسة للحقّ جلّ وعلا فَتَحَ باب المناجاة والدعاء للعبد بالخصوص في حال القنوت، وهو حال المناجاة والانقطاع إلى الحقّ، وشرّفَه بهذا التشريف. فالأفضلُ في أدب عبودية العبد السالك أيضاً أن يراعي أدب المقام المقدّس الربوبيّ، ويراقب أدعيتَه لتكون مشتملةً على تسبيح الحقّ تعالى وتنزيهه، وتتضمّن ذِكرَ الحقّ وتذكُّره، ويكون ما يسأل الحقّ تعالى في هذه الحالة الشريفة من سِنخ المعارف الإلهية وطلَبِ فتح باب المناجاة والأُنس والخلوة والانقطاع إليه، ويحترز عن سؤال الدنيا والأمور الخسيسة الحيوانية والشهوات النفسانية، فيُصيبه الخجلُ في محضر الأطهار، ويصير بلا حرمةٍ ووقار في محضر الأبرار.

أيها العزيز.. إن القنوت هو قطعُ اليد عن غير الحقّ، والإقبال التامّ على عزّ الربوبية، ومدُّ يدِ السؤال خاليةَ الكفّ إلى الغنيّ المطلق. والكلامُ عن البطن والفرج وذِكر الدّنيا في هذا الحال - حالَ الانقطاع - كمالُ النقصان وتمام الخسران.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد