من التاريخ

تاسع الأئمّة المعصومين


التقيّ الجواد
الولادة:
وقع الخلاف في ولادته والأشهر بين العلماء أنه ولد في التاسع عشر أو الخامس عشر من شهر رمضان سنة (195هـ) في المدينة المنورة، وقيل أن ولادته صادفت العاشر من شهر رجب حسب ما ورد في دعاء الناحية المقدسة.
الشهادة: المشهور أنّه استشهد في آخر ذي القعدة سنة (220 هـ) وقيل اليوم السادس من ذي الحجة، وذلك بواسطة زوجته أم الفضل بنت المأمون، التي سمّته بعد تحريض عمّها المعتصم.
مدة الإمامة: مدة خلافته لأبيه عليه السلام سبع عشرة سنة.
ألقابه: التقي، الجواد، المختار، المنتجب، المرتضى، القانع، العالم.
كنيته: أبو جعفر الثاني تميزاً عن جدّه محمّد بن عليّ الباقر  عليه السلام.
نقش خاتمه: (نعم القادر اللّه)، وقيل (العزة للّه).
مدفنه: بغداد في مقابر قريش في ظهر جده الإمام موسى بن جعفر  عليه السلام.
كان الشيعة ينتظرون بفارغ الصبر ولادة الإمام الجواد من أبيه الإمام الرضا عليه السلام، وذلك لعلمهم بهذا الأمر، ولكن الإمام الرضا عليه السلام كان قد مرّ على عمره الشريف أكثر من أربعين سنة ولكنه لم يرزق ولداً بعد، وعندما كان يسأل عن ذلك يجيب:
«إن اللّه سوف يرزقني ولداً يكون الوارث لي، والإمام من بعدي».

وأخيراً ولد الإمام سنة (195ه). وقال الإمام الرضا عليه السلام عند ولادته:
«قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار وشبيه عيسى بن مريم، قدّست أم ولدته، قد خلقت طاهرة مطهّرة». ثم قال عليه السلام: «يقتل غصباً فيبكي له وعليه أهل السماء ويغضب اللّه على عدوه وظالمه فلا يلبث إلا يسيراً حتى يعجل اللّه به إلى عذابه».
وولادة الإمام عليه السلام أزالت القلق من قلوب الشيعة حيث كان يحزنهم أن لا يكون للإمام الرضا عليه السلام خليفة.
ولكن المسألة الجديرة بالاهتمام هي تولي منصب الخلافة في سن السابعة أو الثامنة من عمره الشريف مما شكل سابقة في الفكر الإمامي، ولكن هذا الأمر ليس بغريب في حياة الأولياء التي فيها الكثير من المعجزات والكرامات التي اخترقت نواميس الطبيعة.
إن الزمان الذي عايشه الإمام الجواد عليه السلام تميّز بوجود المأمون على سدة الحكم، وكان دهاؤه وأسلوبه في العمل مغايرٍ لغيره ممّن توالوا على الحكم، وتصدّوا لمواجهة الأئمّة عليهم السلام.                                                                                    
خطة المأمون
لقد اتّبع المأمون سياسة أخرى مع الشيعة تتركز على محاولة تضعيف الفكر الشيعي والطعن به من الداخل بشكل يحدث زلزالاً في وجدانهم وعقائدهم فيقضي عليهم بشكل لا تقوم لهم قائمة بعده. وقد لاحظ أن الإمامة هي الحصن الأساسي لهذا الفكر. من هنا كان سعيه بهذا الاتجاه من جهات عدة:
1 - محاولة تحطيم عقيدة الشيعة بعصمة الإمام عليه السلام من خلال استدعائه  إلى دار الخلافة ليعيش في بذخ القصور بشكل يسقط مفهوم العصمة.
2 - محاولة تحطيم عقيدتهم بعلم الإمام عليه السلام من خلال تشكيل المناظرات مع أبرز العلماء الذين تصل يده إليهم بحضور رؤساء القوم وأشرافهم علّه يحصل اشتباه أو توقف فيحصل مراد المأمون.
3 - إذا لم ينجح في تحطيم فكرة الإمامة فهو على الأقل سيضمن الإمام إلى جانبه كشخص تابعٍ للسلطان فيتحول الشيعة من معارضين إلى اتباع لسلطان بني العباس وحكمهم.
بالإضافة إلى أن عمل الشيعة بالتقية والخفاء يشكل مشكلة حقيقية بالنسبة للدولة، وقرب الإمام من المأمون ووقوعه تحت نظره في جميع الأوقات يسمح للمأمون برصد جميع تحركات الإمام عليه السلام واتصالاته وبالتالي كشف وجهاء الشيعة.
وقد واجه المأمون الإمام الرضا عليه السلام بهذا الاسلوب وبهذه السياسة ولكن سياسته باءت بالفشل الذريع ولم يستطع أن يسجل موقفاً واحداً على الإمام يستطيع أن يستفيد منه في خطته هذه، إلى أن فقد الأمل ووجد أن الدّفة تميل لغير صالحه وأن الإمام الرضا عليه السلام، وبسبب هذه المناظرات والمواقف، وجد شهرة في البلاد وحبّاً شديداً بين العباد، وشيعته تزداد يوماً بعد يوم، فلم يبق أمامه إلا حل واحد وهو دس السم والتخلص من وجوده الشريف المبارك.
وفي هذه الظروف والأجواء انتقلت المواجهة إلى الإمام الجواد عليه السلام، وكان له من العمر ما يقارب الثماني سنوات، وعندها وجد المأمون نفسه أمام الإمام الجواد عليه السلام الذي ما زال في عمره صبياً صغيراً، فتجدد أمله بتحقيق مخططه وعبر أسلوبه القديم، فإن الذي يواجهه الآن ليس الإمام الرضا عليه السلام بل هو صبي لم يبلغ الحلم، ومن كان في عمره عادة لن يستطيع أن يناظر كبار العلماء أو يصمد أمام مغريات السلطان ودار الخلافة بكل ما فيها. من هنا نراه يستدعي الإمام الجواد عليه السلام إلى بغداد.

مواجهة الإمام الجواد  عليه السلام
لقد واجه الإمام الجواد عليه السلام هذه السياسة من اللحظة الأولى التي وطأت قدماه فيها بغداد، وأسقطها تباعاً:
1 - على المستوى العلمي، هيأ المأمون للمناظرات بين الإمام عليه السلام وبين القاضي يحيى بن أكثم بحضور جمع من الأشراف ورؤساء القوم، وقد صرح المأمون بغرضه من تلك المناظرات حيث قال ليحيى «اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضا عليه السلام مسألة تقطعه فيها» ولكنها كانت دائماً تسير لصالح الإمام عليه السلام وكان يتوقف خصمه ويدهش لشدة ما يراه من إحاطة وسعة في علمه عليه السلام.
 2 - وأما من جهة العصمة، فقد حاول المأمون الطعن بها وتسجيل ولو خطأ واحد على الإمام  عليه السلام ، لكنه فشل بتحقيق ذلك.
ورغم الحقيقة الراسخة في عصمة الإمام عليه السلام إلا أن المأمون كان قادراً على الاستفادة من وجود الإمام في قصر الخلافة من الجهة الإعلامية ليعكسها بشكل سلبي على الشارع الشيعي، وقد واجه الإمام عليه السلام ذلك أيضاً وأسقطه.
3 - لم يستطع أن يحول الشيعة إلى المشروع العباسي ويستفيد منهم كأتباع لهذا المشروع، بل على العكس فقد استفاد الإمام عليه السلام من هذه السياسة في تقوية المشروع الإسلامي الأصيل.
استمر المأمون بسياسته هذه إلى أن توفّي وحكم بعده أخوه المعتصم، فسار مدة بسيرة المأمون، ولكنه سرعان ما فقد الأمل من تحقيق أهدافه، ولم تزد هذه السياسة مشروعه إلا ضعفاً ووهناً، والشيعة إلا علوّاً ومتانة، وأحس بالإحباط والفشل، فدسّ السمّ للإمام الجواد عليه السلام، واستشهد عن عمر لم يتجاوز الخمسة وعشرين عاماً.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد