من التاريخ

من أحوال السِّبط الزكيّ عليه السلام

 

المحقّق عليّ بن عيسى الإربليّ
الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، الإمام الثاني والسِّبطُ الأوّل، سيّدُ شباب أهل الجنّة. وُلد عليه السّلام بالمدينة ليلةَ النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل سنة اثنتين. وكنيتُه أبو محمّد.
 جاءت به أمّه فاطمة سيّدة النّساء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يومَ السابع من مولده في خُرقةٍ من حرير الجنّة نزلَ بها جبرئيل عليه السلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فسمّاه «حَسَناً»، وعقّ عنه كبشاً. وقُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وله سبعُ سنين وأشهر...
قام بالأمر بعد أبيه عليه السلام وله سبعٌ وثلاثون سنة، وأقام في خلافته ستّة أشهرٍ وثلاثة أيام. وصالح معاوية سنة إحدى وأربعين، وإنّما هادنَه خوفاً على أصحابه، ولم يبقَ معه إلا جماعةٌ من شيعته لا يقومون بأهل الشام.
وكتب إليه معاوية في الهدنة والصّلح، فشرط عليه الحسنُ عليه السلام شروطاً كثيرة، فأجابه معاوية إلى ذلك كلّه وعاهدَه على الوفاء به، فلمّا استتمّت الهدنة، نقضَ معاويةُ عهدَه.
وخرج الحسن عليه السلام من الكوفة إلى المدينة وأقام بها عشرَ سنين، ومضى إلى رحمة الله تعالى لليلتَين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة، وله سبعٌ وأربعون سنة وأشهر، مسموماً بدَسيسةٍ من معاوية، وتولّى أخوه الحسين عليه السلام غَسله وتكفينه ودفْنَه عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم، بالبقيع.
قال ثعلبة بن أبي مالك: «شهدنا حسنَ بن عليّ يومَ مات، ودفنّاه بالبقيع، فلقد رأيتُ البقيع لو طُرحت إبرةٌ ما وقعت إلَّا على إنسان».
وعن أَنَس بن مالك، قال: «لم يكن أحدٌ أشبهَ برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الحسن بن عليّ عليهما السلام».
ورُوي أنّ فاطمة عليه السلام أتتْ بابنَيها الحسن والحسين عليهما السلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في شكواه التي توفّي فيها، فقالت: «يا رسولَ الله، هذان ابناكَ فَوَرِّثْهُما شَيئاً.
فقال: أمّا الحسنُ، فإنَّ لَهُ هَديِي وَسُؤدُدِي. وأمّا الحُسَين، فَإنَّ لَهُ جُودِي وَشَجَاعَتِي».
ورواه بعضهم: «أمّا الحَسَنُ فَلَهُ هَيبَتِي وَسُؤدُدِي. وأمّا الحُسَين فَلَهُ جُرأَتِي وَجُودِي».
وكان عليه السلام إذا بلغ بابَ المسجد رفع رأسه، ويقول: «إلَهي ضَيفُكَ بِبابِكَ، يَا مُحْسِنُ قَدْ أَتَاكَ المُسِيءُ، فتَجاوَزْ عَنْ قَبيحِ مَا عِنْدِي بِجَمِيلِ مَا عِنْدَكَ يَا كَرِيمُ».
 

إمامتُه وبيعته عليه السلام
وكان الإمام الحسن عليه السلام يجلسُ في مجلس رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم يحدّث فيه، ويجتمعُ الناس حوله، وكان إذا تكلَّم أخذ بمجامع قلوب سامعيه، وودّوا أن لا يسكت، وكان معاوية يقول لمن يريد أن يخاصم الحسن عليه السّلام: «لا تفعل، فإنّهم قومٌ أُلهموا الكلام».
قال الشيخ المفيد رحمه الله في (إرشاده): «والإمامُ بعدَ أمير المؤمنين صلوات الله عليه ابنُه الحسن عليه السلام، بنُ سيّدة نساء العالمين فاطمة، بنت محمّد سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله الطاهرين..».
والكلام في الحسن بن عليّ عليهما السلام في باب الإمامة لا يخالفنا فيه أحد من المسلمين... فإنّ القائلين بإمامة الجماعة بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قائلون بإمامة الحسن عليه السلام، بما روَوه «أنّ الخلافةَ بعَدي ثلاثونَ سنةً، ثمّ تعودُ مُلْكَاً»، وبأنّ عليّاً عليه السلام أوصى بها إليه، وأفاض رداءها عليه، فهو عليه السلام مسألةٌ إجماع، وقد سلِم مدّعى إمامته عن النزاع.
وأمّا أصحابنا [الإمامية] فإنّهم يقولون بوجوب الإمامة في كلّ وقت، وقد ثبت ذلك من طريق العقل في كتب الأصول، وأنّ الإمام لا بدّ أن يكون معصوماً منصوصاً عليه، وأنّ الحقّ لا يخرج عن أمّة محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم... وفي تواتر الشيعة ونقْلِهم خلفاً عن سلف أنّ أمير المؤمنين عليه السلام نصّ على ابنه الحسن، وحضر شيعته، واستخلفه عليهم بصريح القول.
ومن الأخبار الواردة في ذلك، ما رواه محمّد بن يعقوب الكلينيّ، بسنده عن سليم بن قيس الهلاليّ، قال: «شهدتُ أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن، وأشهد على وصيّته الحسين ومحمّداً وجميع وُلده ورؤساءَ شيعته وأهلَ بيته، ثمّ دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال له: يا بُنَيّ، أَمَرَني رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم أن أُوصِي إليكَ وأدفعَ إليكَ كُتُبي وَسِلاحي، كَما أَوصَى إليَّ ودفعَ إليَّ كُتُبَه وسِلاحَه، وأمرَني أن آمرَك إذا حضرَك الموتُ أن تدفعَها إلى أخيك الحسين.
ثمّ أقبل على الحسين عليه السلام، فقال: وأمرَكَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن تدفعَها إلى ابنِك هذا. ثمّ أخذ بِيَدِ عليّ بن الحسين، وقال: وَأَمَرَكَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن تدفعَها إلى ابنك محمّد، فَأَقْرِئهُ من رسول الله صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم، ومنّي السلامَ».

* وعنه... عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: «إنّ أميرَ المؤمنينَ عليه السلامُ لمّا حضرتْه الوفاةُ قال لابنه الحسن: ادنُ منّي حتّى أُسِرَّ إليكَ ما أَسَرَّ إليّ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم، وأئتمنَكَ على ما ائتمَنَني عليه. فَفَعَل».
* وقد روى جماعة – منهم أحمد بن حنبل في مسنده - أنّه [الحسن عليه السلام] خطبَ صبيحةَ الليلة التي قُبض فيها أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ قام عبد الله بن العباس بين يدَيه فقال: معاشر الناس، هذا ابنُ نبيّكم، ووصيُّ إمامكم فبايعوه. فتبادرَ الناسُ إلى بيعته.
* وقد نُقل أنّ حَبَابة الوالبيّة أتت عليّاً عليه السلام في رَحْبَة المسجد، فقالت: يا أميرَ المؤمنين، ما دلالةُ الإمامة رحمَك الله؟
فقال عليه السلام: ائتِني بتلكَ الحَصَاة. وأشار بيده إلى حصاة، فأَتتْه بها. قالت: فطبعَ لي فيها بخاتمه، وقال: يا حَبابةُ، إن ادّعى مُدَّعٍ الإمامةَ، وقَدِرَ أنْ يفعلَ كَما فعلتُ، فاعلَمي أنّه مُحِقٌّ مُفترَضُ الطّاعة، فالإمامُ لا يَعْزُبُ عنهُ شيءٌ يُريدُه.
قالت: ثم انصرفتُ حتّى قُبض أميرُ المؤمنين عليه السلام، فأتيتُ الحسنَ عليه السلام وهو في مجلس أمير المؤمنين والناسُ يسألونه، فقال لي: حَبابة الوالبيّة؟
فقلت: نعم يا مولاي. قال: هاتِ مَا مَعَكِ. فأعطيتُه الحصاةَ، فطبعَ فيها كما طبعَ أميرُ المؤمنين عليه السلام..» الخبر.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد