من التاريخ

تدوين الحديث (2)

 

الشيخ محمد العبيدان
التدوين عند الشيعة:
طبقاً للوارد في كتب أبناء السنة، أنه لم يرد نهي من قبل النبي(ص) حول كتابة الحديث في عهده، بل المستفاد منها أن التدوين لأحاديثه(ص) كان أمراً متداولاً بين المسلمين، وأن المسلمين كانوا ينظرون إلى مسألة تدوين أحاديثه الشريفة، على أنها حاجة ماسة وضرورية، بل إن رسول الله(ص) قد أكد مسألة الكتابة بوجه خاص، وحث على ذلك بعبارات مختلفة، وكان أصحاب رسول الله(ص) كلاً حسب ما أوتي من الفهم والاستعداد يدون ما كان يسمعه من رسول الله(ص)، ومن أولئك الذين دونوا الحديث على عهد النبي(ص) أبو بكر[o6] .
ومنهم عبد الله بن عمرو بن العاص الذي قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله(ص) أريد حفظه، فنهتني قريش. وقالوا: تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله(ص)، ورسول الله بشر يتكلم في الرضا والغضب!. قال: فأمسكت. فذكرت ذلك لرسول الله(ص). 
فقال(ص): اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق…….-وأشار بيده إلى فيه-[o7] . 


التدوين في عهد أمير المؤمنين(ع):
وقد استمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) وشيعته في عملية تدوين الحديث، وجمعها. ففي صحيح البخاري عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: لم يكن عندنا كتاب نقرأه إلا هذه الصحيفة- ثم أخرج صحيفة فيها أحكام الجراحات، الديات، وأسنان الإبل، المشروطة في صحة الزكاة-وأن المدينة حرم ما بين عير وثور.
وكذا أخرج عن الإمام علي(ع) أنه خطب على المنبر، فأخرج من قراب سيفه صحيفة فنشرها، ثم قرأ فيها بعض الأحكام[o8] .
ونقل البخاري ومسلم في صحيحهما أحاديث كثيرة بمتون مختلفة وأسانيد متواترة حول صحيفة أمير المؤمنين(ع)، وذكرا بعض الحكام التي استخرجت من هذه الصحيفة أو الصحائف الأخرى له(ع)[o9] .
هذا وإن الأحكام التي يمكن استخراجها من هذه الصحائف طبقاً لما نقله البخاري ومسلم في صحيحهما، وإن لم تكن كثيرة. إلا أن التمعن في نصوص الأحاديث يسوقنا إلى معرفة حقيقتين مهمتين:
الأول: تعدد هذه الصحائف وكثرتها.
الثاني: جامعيتها وشموليتها، كما أشير إلى تلك الشمولية في بعض الحاديث، بأن هذه الصحائف تـتضمن جزئيات الأحكام وفروعها مثل أحكام الديات والقصاص وأسنان الأبل، وحتى حدود جزئيات المدينة والجبال التي حولها، وبالإلتفات إلى هذه النقاط تظهر لك جامعية تلك الصحائف.
نعم ذكر ابن حجر أنه صحيفة واحدة، وليست عدة مجموعة[10] . ولا يخفى عليك أن هذا غير ضائر، حيث لا يهمنا كثرتها وقلتها، بل ما يهمنا الأمرين اللذين أشرنا لهما، وسابقية أمير المؤمنين(ع) وشيعته في التدوين.
 

الإمام الباقر والصحيفة العلوية:
نقل النجاشي عن محمد بن عذافر الصيرفي أنه قال: كنت مع الحكم بن عتيـبة-عيـينة- عند أبي جعفر(ع) فجعل يسأله، وكان أبو جعفر(ع) له مكرماً، فاختلفا في شيء. فقال أبو جعفر(ع): قم يا بني، فاخرج كتاب علي(ع)، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً وفتحه وجعل ينظر، حتى أخرج المسألة. فقال أبو جعفر(ع): هذا خط علي(ع)، وإملاء رسول الله(ص)، وأقبل على الحكم وقال: يا أبا محمد، اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينـزل عليهم جبرئيل(ع)[ 11] .
ويظهر من هذا النص مضافاً لما سبق نقله عن الصحيحين، أن الصحائف التي كانت عند أمير المؤمنين(ع) والتي ورثها الإمام الباقر(ع) من جده أمير المؤمنين(ع)، كانت تحتوي على الشرائع والسنـن الإلهية، ولا توجد صحيفة قبلها في تاريخ تدوين الحديث، وكان الأئمة من أهل البيت(ع) يفتخرون بوجودها، ويعتبرونها ثروة غنية، وقد ذكرها علماء الشيعة وغيرهم في كتبهم المعتبرة.
وهذه الصحيفة أو الصحائف هي أساس الصرح العلمي الشاهق عند الشيعة، وعلى هذا النهج سار شيعة علي(ع) في كتابة السنة على نحو أنه لم يحصل بين تاريخ صدور الحديث وكتابته أي فتور وانقطاع. وقد اشتهر في كل عصر العشرات من العلماء وعرفوا باسم
(كتّاب الحديث والمحدثين).


إحصاء مؤلفي الحديث وطباقتهم:
هذا وقد ذكر النجاشي في كتابه فهرست النجاشي، والمعروف اليوم برجال النجاشي، أسماء ما يقارب ألف ومائـتين راوٍ من أصحاب الأئمة(ع) ورجال الشيعة وترجم لهم وأشار إلى ما ألفوه من الكتب في موضوع واحد أو مواضيع متعددة، وقال في مقدمة كتابه: أنا أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح[12] .
وقد قسم علماء الرجال المؤلفين والمصنفين المعروفين إلى عهد الإمام الصادق(ع) إلى ثلاث طبقات[13] . 
ومع هذا فإنه لم يعرف عددهم دقيقاً، لأنه من المستبعد أن يكون في أصحاب الأئمة(ع) من تشرف بمجلسهم وتـتلمذ على يد أحدهم ولم يصنف كتاباً.


التدوين في عصر الإمام الصادق:
وفي عهد أبي عبد الله الإمام جعفر بن محمد(ع) حيث سنحت له تلك الفرصة الثمينة بأن يحدّث ويدّون الحديث إلى أوسع نطاقه، حتى بلغ عدد الذين تـتلمذوا عنده وأخذوا منه العلوم المختلفة كالفقه والكلام والطبيعيات، أربعة آلاف شيخ[14] .
وعلى أثر تشويق الإمام الصادق(ع) الدائم وحثه الدائب وتأكيده على نقل الحديث وكتابته وصيانته صنفت كتب كثيرة بحيث لا يمكن إحصاؤها وإحصاء مؤلفيها، ولكن جمعت من بين تلك الكتب أربعمائة كتاب لأربعمائة مؤلف أو أقل من أصحاب أبي عبد الله الصادق(ع) في الفقه والعقائد فقط، واشتهرت فيما بعد بالأصول الأربعمائة.
ولما كانت هذه الأصول مشتـتة، وبعضها فقدت بادر بعض أصحاب الإمام الرضا كالبزنطي، وجعفر بن بشير، وبن فضال، إلى لمّ الموجود وضبطه في كتاب مستقل كل حسب طريقته الخاصة، وسماه بالجامع، واختص به.
وهذه الجوامع هي غير الكتب التي ألفها أصحاب الأئمة(ع) إلى زمن الغيـبة، والتي تـتضمن مواضيع عديدة وعناوين مختلفة.
ومن بعد ذلك العصر، أي في زمن الغيـبة الصغرى، وحلول الظلام بغيـبة المولى(عج) جاء دور مؤلفين آخرين، فكتب شيخنا الكليني(ره) كتابه الكافي، ومن بعده الصدوق، وهكذا.

 

——————————————————————————–
 [6]تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5.
[7]سنـن أبي داود ج 3 ص 318 كتاب العلم باب 3 ،باب في كتابة العلم ح 3646، مستدرك الصحيحين ج 1 ص 104و 106.
[8]صحيح البخاري ج 1 ص 38 كتاب العلم، ج 3 ص 25 كتاب الحج باب حرم المدينة، ج 4 ص 122 باب ذمة المسلمينو ص 124 باب من عاهد ثم غدر و ص 183 باب فكاك الأسير، ج 8 ص 192 كتاب الفرائض باب إثم من تبرأ من مواليه. صحيح مسلم ج 2 ص 1147 كتاب العتق باب 4 باب تحريم تولي العتيق غير مواليه ح 30. سنـن النسائي ج 8 ص 19 كتاب القسامة باب القود بين الحرار والمماليك في النفس، وص 23 باب سقوط القود من المسلم للكافر.
[9]راجع المصادر السابقة.
[10]فتح الباري ج 1 ص 166.
[11]رجال النجاشي ترجمة أحمد بن عذافر رقم 967.
[12]راجع مقدمة رجال النجاشي.
[13]راجع رجال النجاشي ، فهرست الشيخ الطوسي، أعيان الشيعة للسيد الأمين، الذريعة لآقا بزرك الطهراني.
[14]الإرشاد للشيخ المفيد ص 289.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد