قرآنيات

الأخبار الغيبية في القرآن الكريم(3) - مريم بنت عمران


بعض الإشكالات حول التناقض بين المضامين القرآنية والرد عليها
كيف تكون مريم بنت عمران أختًا لهارون؟
من جملة الإشكالات المطروحة حول بعض المضامين القرآنية، ما له علاقة بقصة مريم ابنة عمران أم المسيح عليه السلام، والإشكال هو أن القرآن الكريم يقصّ علينا، أن مريم عليها السلام حين عادت إلى قومها وهي تحمل المسيح عليه السلام، عيّرها قومها بذلك، واتهموها بالبغي، ومن جملة ما عيّروها به، أن أباها لم يكن امرء سوء، وأن أمها لم تكن بغية.
فكيف تقوم بفعل البغي بحسب اعتقادهم؟ ومن جملة ما ذكر القرآن الكريم مخاطبة قومها لها أنها أخت هارون! حيث يقول تعالى: ﴿يـأُخْتَ هَـرُونَ مَا كَانَ أَبوُكِ امْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّ﴾(مريم:28) وقد اعتبر البعض أن هذا تناقض صريح بين آيات القرآن الكريم، واشتباه من المؤلف، وقد خلط بين هارون الذي هو أخو موسى بن عمران، باعتبار هارون أيضا ابنا لعمران، وبين مريم بنت عمران، وبين عصر هارون وعصر مريم سنوات طوال!؟
والجواب عن الإشكال؛ أن هارون المذكور في الآية، ليس هارون أخو موسى عليه السلام، بل إن هارون؛ رجل طاهر صالح إلى الدرجة التي يضرب به المثل بين بني إِسرائيل، فإذا أرادوا أن يصفوا شخصاً بالطهارة والنزاهة، كانوا يقولون: إِنّه أخو أو أخت هارون، وقد نقل العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان هذا المعنى في حديث قصير عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد ورد أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثه إلى نجران لدعوتهم إلى الإِسلام، فقالوا (معترضين على القرآن): "ألستم تقرؤون (يا أخت هارون) وبينهما كذا وكذا" (حيث تصوروا أنّ المراد هو هارون أخو موسى)، فلمّا لم يستطع المغيرة جوابهم ذكر ذلك للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: "ألا قلت لهم: إِنّهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين منهم" أي ينسبون الأشخاص الصالحين منهم إلى الأنبياء.
وقد احتمل بعض المفسرين بعض الاحتمالات الضعيفة ،منها أن المقصود به هارون أخو موسى بن عمران، وحينها لا يكون المقصود بالأخوة الأخوة النسبية، بل أخوة الانتساب، ومنها أن المقصود بهارون رجل سيء السمعة في بني
إسرائيل يريدون ذمًها والحطّ من قدرها، ومنها أن مريم كان لها أخ من أبيها، وليس من أمّها، وكل تلك الأقوال لا يوجد فيها أي تناقض، ولكنها ضعيفة والأقرب ما ذكر أولاً من أن هارون رجل صالح في بني إسرائيل.


هل عاش هامان في عصر فرعون؟
الإشكال الآخر يتعلق بمعاصرة هامان لفرعون، وقد ذكرت العديد من الآيات الكريمة معاصرة فرعون لهامان، ومنها قوله تعالى: ﴿وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب﴾ (غافر:36) وقد اعترض البعض على هذه الآية المباركة، باعتبار أن هامان حسب مدّعاهم لم يكن معاصرا لفرعون، بل جاء بعده بألف عام تقريبًا، ولم يكن في مصر بل كان في بابل بحسب ما ذكرته التوراة، واعتبروا هذه الآية والآيات التي تتحدث عن هذه القضية من جملة الأخطاء القرآنية التي تثبت أن القرآن ليس كتابًا من عند الله تعالى!
والجواب؛ أنه لا مانع من تكرار اسم هامان في التاريخ كما تكرر اسم فرعون! وقد اعترض البعض على أنه لو كان يوجد شخصية كهامان في عصر فرعون، فلن تكون شخصية مخفية، باعتبار أنه وزير ولن تكون شخصية بهذا المستوى خافية على علماء التاريخ والآثار! والجواب: إن الكثير من الحقائق التاريخية تكتشف تباعًا نتيجة لقراءة الآثار الموجودة، وقد ذكر مجموعة من علماء الآثار نتيجة لتحليلهم للغات الموجودة في ذلك العصر، أن اسم هامان كان موجودًا ومعاصرًا لفرعون، وأنه كان رئيس مقالع الحجار، وهو ما ينسجم مع ما ذكر في القرآن الكريم من طلب فرعون من هامان أن يبني له صرحًا.
على أن يراجع القارئ الكريم الأبحاث التاريخية في مصادرها الموثوقة، كون هذه المقالات تهدف إلى بيان عدم وجود تناقض بين القرآن الكريم وبين الحقائق التاريخية والعلمية دون الخوض في تفصيل البحث العلمي والتاريخي.