قرآنيات

فروق لغوية في الكتاب المجيد (٤)

 

النموذج السادس: الفرق بين امرأة المرءِ، وزوج المرءِ

قال تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}.

وقال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}.

لماذا عبّر الله سبحانه في سورة مريم عن زوجة زكريا (عليه السلام) بلفظ "امرأتي" وفي سورة الأنبياء "زوجه" فهل هناك فرق بينهما؟ وبعبارة أخرى متى يطلق على المرأة أنها "امرأة" ومتى يطلق عليها "زوجة"؟

قال الراغب في مفرداته: "يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج، وكل قرينين فيها وفي غيرها زوج، كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضادًا زوج، قال تعالى: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى}... و"زوجة" لغةٌ رديئة، وجمعها زوجات... جمع الزوج أزواج".

فمعنى "الزوج" إذن يقوم على الاقتران القائم على التماثل والتشابه والتكامل. فحتى يتمّ الاقتران لا بدّ من وجود صفات بين الطرفين تُحقّق التماثل والتشابه عند اجتماعهما وتكاملهما واقترانهما، وهذا المعنى متحقّق في الزوجين الذكر والأنثى.

فالله تعالى خلق الذكر ميّالاً إلى الأنثى، طالبًا لها، راغبًا فيها.

والله خلق الأنثى ميّالة للذكر، راغبة فيه. والإسلام نظّم العلاقة بينهما، بأن جعلها عن طريق مباح، هو الزواج الشرعي وملك اليمين.

فيطلق على الرجل زوج لأنه يسدّ النقص الموجود في المرأة، ولولاه لبقي هذا النقص، فهو يلبي لها حاجتها النفسية والاجتماعية وغيرها، وكذلك المرأة سميت "زوجًا" لأنها تسد النقص الموجود في الرجل، ولولاها لبقي هذا النقص النفسي والاجتماعي وغيرهما، ولهذا كل منهما "زوج" لصاحبه، يقترن معه ويزاوجه.

 

ولكن متى يطلق على المرأة زوجة؟

عند تتبّع الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظان، نلحظ أن لفظ "زوج" يُطلق على المرأة إذا كانت الزوجية تامّة بينها وبين زوجها، وكان التوافق والاقتران والانسجام تامًّا بينهما، بدون اختلاف ديني أو نفسي أو نفور أو خيانة...

فإن لم يكن التوافق والانسجام كاملاً، ولم تكن روح الزوجية متحقّقة بينهما فإن القرآن يطلق عليها "امرأة" وليست زوجًا، كأن يكون بينهما اختلاف ديني عقائدي أو نفور بينهما أو خيانة...

ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.

وبهذا الاعتبار جعل القرآن حواء زوجًا لآدم في قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}. فإذا لم يتحقّق الانسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع من الموانع فإن القرآن يسمّي الأنثى "امرأة" وليس "زوجًا".

ورد في القرآن: "امرأة نوح"، و"امرأة لوط"، ولم يقل: "زوج نوح" أو "زوج لوط"، وهذا في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} لأنهما خانتاهما، مع أن كل واحدة منهما امرأة نبي، ولكن خيانتها لم تحقّق الانسجام والتوافق بينها وبين بعلها النبي (عليه السلام). ولهذا لم يسمها القرآن "زوجًا" له، وإنما هي "امرأة" تحته.

وبهذا الاعتبار ورد في الكتاب الكريم: "امرأة فرعون"، في قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}. لأنه بينها وبين فرعون مانع من الزوجية، فهي مؤمنة وهو كافر، ولذلك لم يتحقّق الانسجام بينهما، فهي "امرأته" وليست "زوجه".

وكذلك بالنسبة لامرأة العزيز، فقد عبّر عنها بالمرأة لعدم الانسجام الزوجي بينهما، لما صدر منها من الخيانة، قال تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ للهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}.

وكذلك إذا كان هناك خلاف بين الزوجين يعبّر القرآن بـ"المرأة" قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا...}.

ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين "زوج" و"امرأة" ما جرى في إخبار القرآن عن دعاء زكريا (عليه السلام)، أن يرزقه ولدًا يرثه. فقد كانت امرأته عاقرًا لا تنجب، وطمع هو في آية من الله تعالى، فاستجاب الله له، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة.

عندما كانت امرأته عاقرًا أطلق عليها القرآن كلمة "امرأة"، قال تعالى على لسان زكريا: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا}. وعندما أخبره الله تعالى أنّ دعاءه قد استجيب، وأنه سيرزقه بغلام، أعاد الكلام عن عقم امرأته، فكيف تلد وهي عاقر، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}.

وحكمة إطلاق كلمة "امرأة" على زوج زكريا (عليه السلام) أن الزوجية بينهما لم تتحقّق في أتمّ صورها وحالاتها، رغم أنه نبي، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة، وكانا على وفاق تامّ من الناحية الدينية الإيمانية. ولكن عدم التوافق والانسجام التامّ بينهما، كان في عدم إنجاب امرأته، ومن أهم أهداف الزواج النسل والذرية، فإذا وُجد مانع عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب، فإن الزوجية لم تتحقّق بصورة تامّة.

وبعدما زال المانع من الحمل، وأصلحها الله تعالى، وولدت لزكريا ابنه يحيى، أطلق عليها كلمة "زوج"، لأن الزوجية تحقّقت بينهما على أتمّ صورة. قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}.

والخلاصة أن امرأة زكريا (عليه السلام) قبل ولادتها يحيى هي "امرأة" زكريا في القرآن، لكنها بعد ولادتها يحيى هي "زوج" وليست مجرّد امرأته.

ولا ينقض على ما ذكر بقوله تعالى في قضية "زيد" والسيدة "زينب بنت جحش" رضوان الله عليها: {وإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}، حيث عبَّر عن زينب بالزوجة، مع أن زيدًا كان مريدًا لطلاقها.

لأننا نقول : إنه لم يظهر من خلال هذه الآية السبب في طلاق زيد لزينب، إذ لم يظهر وجود خلاف عقائدي أو نشوز أو عقم أو أي من الأسباب التي تهدم الحياة الزوجية.

وبهذا عرفنا الفرق الدقيق بين "زوج" و"امرأة" في التعبير القرآني العظيم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد