قرآنيات

الخوف في القرآن(١)

 

العلامة السيد حسين إسماعيل الصدر ..

الخوف خُلُق من أخلاق القرآن الكريم نبّه عليه وحثّ عليه ودعا له وأمر به، فقال عز من قائل في سورة آل عمران: وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

وقد جعل شرط الإيمان وصحته الخوف منه، قال تعالى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ.

وقد جعل تأثير القرآن المجيد للإنسان الذي يخاف الله سبحانه وتعالى و يحذر وعيده، قال سبحانه عن عباده الأبرار الأخيار: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ.

هذا النوع من الخوف القائم على المراقبة لله عز وجل؛ هو الخوف المحمود الذي يدعو إليه القرآن الكريم والذي يقابله الأمن القائم على الاغترار أو الكفران أو الجهل، وقد حذّر منه القرآن الكريم فقال : أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ -أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ -أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ .

وقال تعالى: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا - أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا .

والخوف هو الخشية من تبعات عمل الإنسان، فقد قدّر الله لأفعال الإنسان المخالفة للقوانين التكوينية أو التشريعية الإلهية تبعات إن في الدنيا أو في الآخرة سواء أكانت من ترك الواجبات أو فعل المحرمات.

ولقد تكررت الدعوة إلى الخوف في القرآن الكريم، كقوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً.

وقال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

وأكد كتاب الله المجيد توجيهه إلى الخوف من مقام الله جل جلاله مع بيان نتيجته فقال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ.

وقال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى - فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى.

وقال عز من قائل: وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ .

وقد كرر القرآن الكريم ذكر الخوف من يوم الحساب فقال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ .

وقال سبحانه: قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.

وقال عز من قائل: إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا.

 

الخوف ليس ذلاً وهواناً:

إن الخوف الذي يدعو إليه القرآن الكريم ويمجد شأنه؛ إنما هو الخوف القائم على المراقبة لله والخضوع لأمره والخشية من عقابه، وليس معنى هذا أن القرآن يرضى لأهله الخوف بمعنى الذل والهوان أو تهيّب أحد من الناس، بل إنه حين يدعو أهله إلى الخوف من الله يحررهم بذلك من الخوف من غيره أو الذل لسواه، ويحررهم من كل أنواع الخوف الأخرى، ولذلك يقول سبحانه: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .

أي أنهم لا يلحقهم خوف من أهوال يوم القيامة ولا هم يحزنون على فوات الثواب، وأنهم لا خوف عليهم من وسوسة الشيطان، ولا مما يعقبها من الشقاء والخسران، فهم لا يخافون مما هو آت ولا يحزنون على ما فات، لأن اتّباع الهدى يسهّل عليهم طرق اكتساب الخيرات.

ويقول القرآن في ذلك: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

ويقول عز وجل: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا.

ويقول تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

 

الخوف واجب:

والخوف من الله سبحانه وتعالى ومن حسابه وعقاب هو محارمه فرض على كل مؤمن.

يقول تعالى:  فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

فربط سبحانه الخوف منه بالإيمان به، أي أنه من كان مؤمناً بالله لا بد أن يكون خائفاً منه. وهذا الخوف من الله عز وجل يستلزم عند صدقه الرجوع إلى الله سبحانه دائماً والاعتصام بحبله والتمسك ببابه، ولذلك قال أحد العارفين: الخوف سوط الله يقوّم الشاردين على بابه.

وقال آخر: الخوف سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل لينالوا بهما مرتبة القرب من الله تعالى.

وهكذا ما دام القلب مستشعراً روح الخوف من الله سبحانه، فإنه يظل عامراً بالإيمان والورع والاستقامة واليقين.

ولهذا قال أحد العارفين: ما فارق الخوف قلباً إلا خرب.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة