شيخ الإشراق:
يعتبر الشيخ شهاب الدين السهروردي شيخ الإشراق(549-587 هـ)، زعيماً لهذه المدرسة في العصر الإسلاميّ. وهو ينسب في أول كتابه "حكمة الإشراق" امتداد هذه المدرسة لجماعة من الفلاسفة المتقدمين اليونانيين أمثال فيثاغورس وأفلاطون، معتبراً أنّهم كانوا من دعاة الحكمة الذوقيّة الإشراقيّة، زاعماً أنّ أفلاطون هو شيخ الإشراقيّين. ونحن لا يهمّنا مدى صحّة هذا الزعم، وأنّه كان بصدد تأييد فلسفته هذه بانتسابها للحكماء السابقين أم لا، وما يهمّ هو أنّه أسّس مدرسةً في الأوساط الإسلاميّة، تختلف عن المدرسة المشائيّة، عُرفت بِاسمِ المدرسة الإشراقيّة، أو بفلسفة الإشراق.
سبب التسمية:
لماذا يُطلق على هذه المدرسة اسم فلسفة الإشراق؟
الإشراق يعني انبثاق النور. ومن خلال هذه الكلمة أراد أصحاب هذه المدرسة أن يبيّنوا المنهج الذي يعتمدون عليه، بحيث يميّزهم عن المنهج المشّائي. يقول المحققون: إنّ سبب ذلك هو أنّ العلم نورٌ يُشرق في قلب العارف، فهم يعتقدون "أنّ مثل القلب مثل المرآة المجلوّة المصقولة، محاذياً للّوح المحفوظ وما عليه من العلوم والحقائق الإلهيّة، فكما لا يمكن أن يكون شيءٌ محاذياً للمرآة المصقولة ولا يؤثر فيها، فكذلك لا يمكن أن يكون شيءٌ محاذياً للوح المحفوظ وهو لا يرى في المرآة القلبيّة الصافية". فهم يدّعون أنّهم بتطهير القلب من أدران الذنوب، وبصقل النفوس من أوساخ التعلّقات الدنيويّة، تشرق العلوم والمعارف في قلوبهم، فيطّلعون على حقائق الأشياء.
ميّزات الفلسفة الإشراقيّة:
يميّز هذه المدرسة عن غيرها من المدارس اعتمادها في تحصيل معارفها على عدة أمورٍ:
الأول: العقل والاستدلال المنطقيّ والفلسفيّ، فالسهروردي يقول في كتابه "المشارع والمطارحات": "ومن لم يتمهّر في العلوم البحثيّة، فلا سبيل إلى كتابي الموسوم بحكمة الإشراق. وهذا الكتاب ينبغي أن يقرأ قبله وبعد تحقيق المختصر الموسوم بالتلويحات".
الثاني: الذوق الفطري وصفاء الباطن، "وأمّا أنت إذا أردتَ أن تكون عالماً إلهيّاً من دون أن تتعب وتداوم على الأمور المقرّبة من القدس، فقد حدّثتَ نفسَك بالممتنع، أو شبيه الممتنع، فإن طلبتَ واجتهدت لا تلبث زماناً طويلاً إلا ويأتيك البارقة النورانيّة وسترتقي إلى السكينة الإلهيّة الثابتة".
فهذه المدرسة في الوقت الذي تتحرّى فيه الدليل العقليّ والاستدلال المنطقيّ والفلسفيّ، تبتنى على كمال الطالب المعنوي، ورياضته الروحيّة في جلاء الباطن حتى يصفو القلب من الكدورات، فتشرق في أعماقه المعارف. وعلى هذا فإنّ حكمة الإشراق تسعى لإيجاد الرابطة بين عالم العقل والاستدلال وعالم الإشراق، وبعبارةٍ أخرى بين الاستدلال العقلي والشهود الباطنيّ، فهي برزخٌ بين الفلسفة المشائيّة والكلام وبين التصوّف، فمزجت بين المنهجين ممّا جعلها مدرسةً مستقلّةً.
بل تترقى هذه الفلسفة لتقارن بين المشاهدة والبرهان: "وأمّا من حيث وجدان الدليل وتأكد البرهان المبين، فإن المشاهدة أقوى من الاستدلال (...) وقد سئل بعض الصوفيّة: ما الدليل على وجود الصانع؟ فقال: قد أغنى الصباح عن المصباح".
الثالث: اعتمادها على ظواهر القرآن الكريم، والسنّة الشريفة، وهذا ملحوظ في كثيرٍ من أبحاثها ومطالبها، فعلى سبيل المثال عند تفسيره للوطن يقول السهروردي: "ومعنى قوله تعالى في كلامه المجيد ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾، فالرجوع يقتضي سابقة الحضور، ولا يقال لمن ما رأى مصر: ارجع إلى مصر. وإيّاك أن تفهم من الوطن دمشق أو بغداد وغيرهما، فإنهما من الدنيا، وقد قال الشارع (حب الدنيا رأس كلّ خطيئة).
وعلى هذا تكون هذه الفلسفة قد مزجت بين العقل والشهود والقرآن الكريم والسنّة الشريفة، طبعاً على مستوى النظريّة.
الرابع: سعت هذه المدرسة لتقدّم رؤيةً كونيّةً، عن الوجود والكون والله والآخرة. ومن هنا نجدها تتعرّض لأهمّ النظريّات التي ذكرها أفلاطون، وتدافع عنها بأسلوبها وطريقتها، وهي المثُل الأفلاطونيّة، والروح، والاستذكار.
تقويم هذه المدرسة:
لقد استطاعت هذه المدرسة أن تتخلّص من المشكلة التي واجهت المدرسة المشائيّة، وأوجدت لقواعدها ورؤيتها أصولاً مستقاةً من أكثر من منبعٍ واحدٍ، وحاولت أن تمزج بين هذه المباني، فتعتمد عليها جميعاً، خصوصاً أن مؤسّسها فيلسوفٌ مسلمٌ مطلّعٌ على الكتاب الكريم والسنّة النبويّة، وقد اطلع على الفلسفات السابقة عليه، وهو كما اشتهر عنه نابغة عصره، وآثاره ومدرسته دليلٌ على ذلك. لكن إلى أيّ حدّ استطاعت هذه المدرسة أن تطبّق النظريّة على الواقع؟ وكم كانت قدرتها على إثبات هذه الدعاوى من استعمال كلّ هذه الأصول في إثباتها ذوقيّاتها ومعارفها؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال بحاجةٍ إلى دراسةٍ عميقةٍ لآراء هذه المدرسة، وتتبع نتاجها العلميّ والذوقيّ، ولكن يمكن القول، بنحو الإجمال: لم تستطع هذه المدرسة أن تحقّق النجاح العملي الذي حقّقته على مستوى التنظير، وإنّما كان حليف مدرسة الحكمة المتعالية.
أهم كتب السهروردي:
لشيخ الإشراق مصنّفات كثيرة، جُمعت مؤخراً تحت عنوان مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق، مؤلفة من خمسة مجلدات، تحوي كلّ مؤلفاته ورسائله وكتبه العربية والفارسيّة،وأشهرها:
1- حكمة الإشراق.
2- المطارحات.
3- التلويحات.
4- اللمحات.
5- الألواح العماديّة.
6- هياكل النور.
7- المقاومات.
ويمكن القول على العموم إنّ أغلب لغة هذه المؤلفات رمزيّة، لا يمكن فهمها على ظاهرها دون اطلاعٍ على مدرسته واصطلاحاتها ورموزها.
* علم الفلسفة, سلسلة مداخل العلوم، جمعية المعارف الإسلامية.
إيمان شمس الدين
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
الشيخ علي الجشي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)
نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته
الأسرة الدافئة (1)
جنة عدن
القرآن كتاب كامل ودائم ومستقلّ في دلالته
الولادة الميمونة لفاطمة (عليها السلام)
السيّدة الزّهراء: تحفة سماويّة الملامح
تطوّر اللّغة واضطراباتها، جديد المترجم عدنان الحاجي
القرآن وخلق العالم
مفهوم العبادة وحدّها