من التاريخ

العقبة الأولى والثانية وإسلام الأنصار


الشيخ محمد باقر المجلسي ..
في سنة إحدى عشرة من نبوته كان بدء إسلام الأنصار، وذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في الموسم يعرض نفسه على القبائل فبينا هو على العقبة إذ لقي رهطًا من الخزرج، فقال: من أنتم: فقالوا: من الخزرج، قال: أفلا تجلسون أكلمكم ؟
قالوا: بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عزوجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، وكان أولئك يسمعون من اليهود أنه قد أظل زمان نبي يبعث، فلما كلمهم قال بعضهم لبعض: والله إنه للنبي الذي يعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه، وانصرفوا راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا، وكانوا ستة أنفس: أسعد بن زرارة، وعون بن الحارث وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك بن عجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، فلما قدموا المدينة على قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم دينهم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي سنة اثنتي عشرة من نبوته كان المعراج، وفي هذه السنة كانت بيعة العقبة الأولى، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج عامئذ إلى الموسم، وقد قدم من الأنصار اثنا عشر رجلًا، فلقوه بالعقبة وهي العقبة الأولى فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وآله. قال عبادة ابن الصامت: بايعنا رسول الله ليلة العقبة الأولى، ونحن اثنا عشر رجلًا أنا أحدهم، فلما انصرفوا بعث معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن. وفي سنة ثلاث عشرة كانت بيعة العقبة الثانية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج إلى الموسم فلقيه جماعة من الأنصار، فواعدوه العقبة من أوسط أيام التشريق، قال كعب بن مالك: اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلًا ومعهم امرأتان من نسائهم: نسيبة بنت كعب أم عمار، وأسماء بنت عمرو بن عدي وهي أم منيع فبايعنا وجعل علينا اثني عشر نقيبًا منا: تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بالخروج إلى المدينة، فخرجوا أرسالًا، وأقام هو بمكة ينتظر أن يؤذن له.


الأوس والخزرج:
كان النبي صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم، فلقي رهطًا من الخزرج فقال: ألا تجلسون أحدثكم ؟ قالوا: بلى، فجلسوا إليه فدعاهم إلى الله، وتلا عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض: يا قوم تعلمون ؟ والله إنه النبي الذي كان يوعدكم به اليهود، فلا يسبقنكم إليه أحد، فأجابوه، وقالوا له: إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم، وعسى أن يجمع الله بينهم بك، فستقدم (1) عليهم وتدعوهم إلى أمرك، وكانوا ستة نفر، قال: فلما قدموا المدينة فأخبروا قومهم بالخبر فما دار حول إلا وفيها حديث رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلًا، فلقوا النبي صلى الله عليه وآله فبايعوه على بيعة النساء (2) ألا يشركوا بالله شيئًا، ولا يسرقوا، إلى آخرها، ثم انصرفوا، وبعث معهم مصعب بن عمير يصلي بهم، وكان بينهم بالمدينة يسمى المقرئ فلم يبق دار في المدينة إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا دار أمية وحطيمة ووائل وهم من الأوس، ثم عاد مصعب إلى مكة، وخرج من خرج من الأنصار إلى الموسم مع حجاج قومهم، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلًا، وامرأتان في أيام التشريق بالليل، فقال صلى الله عليه وآله: أبايعكم على الإسلام، فقال له بعضهم:
نريد أن تعرفنا يا رسول الله ما لله علينا، وما لك علينا، وما لنا على الله، فقال:
أما ما لله عليكم فأن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئًا، وأما ما لي عليكم فتنصرونني مثل نسائكم وأبنائكم، وأن تصبروا على عض السيف وإن يقتل خياركم، قالوا: فإذا فعلنا ذلك ما لنا على الله؟ قال: أما في الدنيا فالظهور على من عاداكم، وفي الآخرة رضوانه والجنة، فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحق لنمنعك (3) بما نمنع به أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب، وأهل الحلفة، ورثناها كبارًا عن كبار، فقال أبو الهيثم: إن بيننا وبين الرجال حبالًا، وإنا إن قطعناها أو قطعوها فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم، ثم قال: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبًا، فاختاروا، ثم قال:

أبايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريين كفلاء على قومهم بما فيهم، وعلى أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه على ذلك، فصرخ الشيطان في العقبة: يا أهل الجباجب هل لكم في محمد والصباة معه ؟ قد اجتمعوا على حربكم، ثم نفر الناس من منى، وفشا الخبر فخرجوا في الطلب فأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو، فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فأخذوه وربطوه بنسع (4) رحله، وأدخلوه مكة يضربونه، فبلغ خبره إلى جبير بن مطعم والحارث ابن حرب بن أمية فأتياه وخلصاه، وكان النبي صلى الله عليه وآله لم يؤمر إلا بالدعاء والصبر على الأذى، والصفح عن الجاهل، فطالت قريش على المسلمين، فلما كثر عتوهم أمر بالهجرة، فقال صلى الله عليه وآله: إن الله قد جعل لكم دارًا وإخوانًا تأمنون بها، فخرجوا أرسالا حتى لم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله إلا علي وأبو بكر، فحذرت قريش خروجه، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب يتشاورون في أمره .
________


(1) في المصدر: فتقدم.
(2) المراد ببيعة النساء ما ورد في سورة الممتحنة من قوله تعالى: " يا ايها النبي إذا جاءك
المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن " إلى آخر الآية: 12.
(3) في نسخة: لنمنعنك.
(4) النسع: سير أو حبل عريض طويل تشد به الرحال.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة