من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

سرية محمّد بن مسلمة


الشيخ جعفر السبحاني ..
لقد وصل نبأ انتصار المسلمين في معركة « بدر » عن طريق رجلين من المسلمين.
ولم يكن الجيش الإسلامي الظافر قد وصل إلى المدينة بعد ، عندما انزعج « كعب بن الأشرف » ـ الذي كانت أمه من يهود « بني النضير » وكان شاعرًا قويًّا ، وخطيبًا بارعًا ـ من الفتح الذي أصابه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون في « بدر » فقال : والله لئن كان محمّد أصاب أشراف العرب وملوك الناس ( ويعني سادة قريش وصناديدهم الذين قتلوا في بدر على أيدي المسلمين لبطن الأرض خير من ظهرها!! وبدأ يبث الأكاذيب والشائعات في المدينة ومضى يشكك في انتصارات المسلمين في بدر.
وقد كان يسيء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قصائده حتى قبل معركة « بدر » ويحرّض الناس على المسلمين.
ثم إنه لما تيقن الخبر خرج حتى قدم مكة وجعل يحرّض قريشًا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أنشد في هذا المجال أشعارًا يبكي فيها أصحاب القليب من قريش وقد ذكرتها المصادر التاريخية.
ثم رجع كعب هذا إلى المدينة فشبّب بنساء المسلمين حتى آذاهم!!
ولا شك أنه بهذه المواقف المعادية كان من أظهر مصاديق المفسد في الأرض ، الأمر الذي آل إلى أن يقرّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التخلص منه ، وكفاية المسلمين شره ، وقد أوكل هذه المهمة الصعبة إلى « محمد بن مسلمة ».
وقد خطّط « ابن مسلمة » للتخلص من « كعب » خطة رائعة ، وألّف لتنفيذها فريقًا كان من بينهم «أبو نائلة» الأخ الرضاعي لكعب بن الأشرف ، ليمكن من هذا الطريق التمويه على كعب وتنفيذ الخطة المذكورة.
فخرج أبو نائلة إلى كعب وجلسا يتحادثان ، ويتبادلان الشعر.
ثم إن أبا نائلة قال لكعب ـ بعد أن طلب منه أن يخرج كل من كان هناك من ذويه وأهله ـ : إني قد جئتك في حاجة إليك أريد ذكرها لك فاكتم عني ، وإني كرهت أن يسمع القوم كلامنا ، فيظنون! لقد كان قدوم هذا الرجل ( يعني رسول الله ) علينا من البلاء ، وحاربتنا العرب ، ورمتنا عن قوس واحدة ، وقطّعت السبل عنا حتّى جهدت الأنفس ، وضاع العيال ، أخذنا بالصدقة ولا نجد ما نأكل.
فقال كعب : قد والله كنت أحدّثك بهذا يا ابن سلامة إن الأمر سيصير إلى ما أقول.
فقال أبو نائلة : إنّ معي رجالًا من أصحابي على مثل رأيي ، وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك طعامًا ، أو تمرًا وتحسن في ذلك إلينا ، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة.
فقال كعب : وما ذا ترهنونني يا أبا نائلة ، أبناءكم ونساءكم؟؟!
فقال أبو نائلة : لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا ، ولكنا نرهنك من الحلقة ( أي السلاح ) ما ترضى به.
فرضي كعب بن الأشرف بذلك.
وإنما قال أبو نائلة هذا القول لابن الأشرف حتى لا يستغرب إذا رأى السلاح بيد الرجال الذين سيأتون معه.
ثم خرج أبو نائلة من عند ابن الأشرف على ميعاد ، فأتى أصحابه ، فأخبرهم بما دار بينه وبين كعب ، فأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده ، ثم أتوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشاء وأخبروه ، فمشى معهم حتى أتى البقيع ، ثم وجّههم ، ثم قال :
« امضوا على بركة الله وعونه اللهم أعنهم ».
فمضوا حتى أتوا ابن الأشرف ، فلمّا انتهوا إلى حصنه هتف به أبو نائلة ، وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس ، فوثب من فراشه ، فأخذت امرأته بناحية ملحفته وقالت : أين تذهب ، إنك رجل محارب ، ولا ينزل مثلك في هذه الساعة؟؟
فقال ابن الأشرف : ميعاد ، إنما هو أخي أبو نائلة.
ثم نزل إليهم فحيّاهم ، ثم جلسوا فتحدثوا ساعة حتى اطمأن إليهم.
ثم قالوا له : يا ابن الأشرف : هل لك أن تتمشّى إلى شعب العجوز ( وهو موضع قرب المدينة ) فنتحدث فيه بقيّة ليلتنا.
فخرجوا يتماشون حتى ابتعدوا عن حصنه ، وبينما هم كذلك إذ أدخل أبو نائلة يده في رأس كعب ثم شم يده فقال: ويحك ما أطيب عطرك هذا يا ابن الأشرف ، ثم مشى ساعة ، ثم كرّر هذا العمل ثانية حتى اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه وقال : اضربوا عدوّ الله ، فضربوه بسيوفهم ، وطعنه أبو نائلة بخنجر في بطنه ، وصاح صيحة ثم وقع على الأرض ولم تنفعه استغاثاته.
ثم عاد هذا الفريق الفدائي إلى المدينة من فورهم ولما بلغوا « بقيع الغرقد » كبّروا ، وقد قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الليلة يصلّي ، فلما سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تكبيرهم بالبقيع كبّر ، وعرف أنهم قد قتلوه.
وبهذا أعلنوا عن نجاح عمليّتهم الفدائية الجريئة التي أراحت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه من شرّ ذلك المفسد الخطير الذي لم يفتأ عن إيذاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتناول أعراض المسلمين في أشعاره ...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة