قرآنيات

منشأ الخطأ في نظر القرآن


الشهيد مرتضى مطهري ..

من جملة مناشئ الخطأ التي ذكرها القرآن هي أن الإنسان يأخذ الشك مأخذ اليقين (1) إذا تقيد الإنسان دائمًا باليقين ولم يقبل بالظن، فلن يقع في الخطأ (2) وهذا ما يؤكده القرآن كثيرًا، حتى إنه يصرح بأن أكبر مزالق الفكر البشري هو اتباعه الظن.
وفي مكان آخر يخاطب النبي قائلًا: (إن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل الله إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وإن هم إلاّ يخرصون) (3).
وفي آية أخرى: (ولا تقف ما ليس لك به علم). (4)
هذه تذكرة تصدر من القرآن لأول مرة في تاريخ البشر، تنهى الإنسان عن ارتكاب مثل هذا الخطأ.
المنشأ الثاني لحصول الخطأ في مادة الاستدلال، وبخاصة في الأمور الاجتماعية، هو التقليد. فبعض الناس يثقون بصحة الأمر مادام المجتمع يثق بصحته.أي إن الأمر المقبول عند المجتمع، أو إن الأسلاف الأقدمين قد ارتضوه، يكون مقبولًا عند الجبل الحاضر أيضًا (5).
أما القرآن فيقول: عليكم أن تزنوا كل أمر بميزان العقل. لا أن تثقوا بكل ما كان أجدادكم يفعلون، ولا أن تنبذوه كليا لهذا السبب.ثمة مسائل كثيرة طرحت في الماضي، وكانت خطأ في الوقت نفسه، ولكن الناس تقبلوها.وثمة مسائل أخرى كانت صحيحة في زمانها، ولكن الناس رفضوها من باب الجهل.لا بد من أخذ رأي العقل في قبول الامور أو رفضها، لا أن نقلد الآخرين فيها تقليدًا أعمى. والقرآن يضع اتبّاع الآباء والأجداد، في معظم الأحوال، في تعارض مع العقل.
 (وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون). (6)
يؤكد القرآن إن قدم الفكرة لا يكون دليلًا على صحتها أم خطأها. إن لتقادم الزمن أثرًا في الأمور المادية، ولكن حقائق الوجود لا يمكن أن يصيبها البلى مهما تقادم عليها الزمان. فحقيقة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) تظل صادقة ما دامت الدنيا قائمة.
يقول القرآن إنه تجب مواجهة الأمور بسلاح العقل والفكر.فلا ينبغي نبذ عقيدة صحيحة لمجرد كون بعضهم يلصقها بالناس، ولا أن نتقبل أخرى لمجرد كونها تقترن باسم هذا أو ذاك من الشخصيات المعروفة.بل يلزم القيام بالدرس والتحقيق في كل المسائل (7).
من العوامل المؤثرة في حصول الخطأ والمذكورة في القرآن هو اتباع هوى النفس، وميولها، أغراضها المريضة.وفي ذلك يقول مولوي ما مضمونه: إذا ما برزت الأغراض حجب الفن، ومدّ مئة ستار بين القلب والعين.فما من إنسان استطاع أن يكون سليم التفكير إلاّ إذا ابتعد عن شر التغرض والتحيز.أي إن العقل يستطيع أن يعمل في محيط يخلو من أهواء النفس.
هنالك بهذه المناسبة، حكاية تروى عن العلامة الحلي جديرة أن نضرب بها مثلًا هنا.سئل العلامة الحلي مرة عن مسألة فقهية، وهي أنه إذا مات حيوان في بئر وبقيت الميتة النجسة في البئر، فكيف يمكن الاستفادة من ماء البئر؟ وقد حدث من باب المصادفة والاتفاق أن وقع حيوان ميت في بئر دار العلامة الحلي نفسه.الأمر الذي اضطر معه إلى أن يستنبط لنفسه حكما شرعيًّا بهذا الشأن.لم يكن أمامه غير طريقين: فإما أن يعمي البئر نهائيًّا، ويستفيد من بئر أخرى، أو أن يستخرج مقدارًا معينا من ماء البئر، ومن ثم يستعمل البئر دون وازع.ولكنه رأى إنه لا يستطيع أن يحكم في هذه المسألة دون أن يلتفت إلى مصلحته الشخصية.فكان أن أمر بدفن البئر أولا.ومن ثم راح يفكر براحة بال ودون وسوسة النفس في استنباط الحكم.وفي القرآن إشارات كثيرة إلى اتباع هوى النفس، منها: (إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وما تهوى الأنفس) (8).


1- لا بد أن نشير هنا إلى أنه في حالات الظن والشك، حيث لا يمكن بلوغ اليقين، يجب أن نأخذ تلك الحالات بنظر الاعتبار.
أي أن نقبل بالظن على أنه ظن، والاحتمال على أنه احتمال، لا أن نأخذ الظن والاحتمال على أنهما يقين، إذ إن هذا يقود إلى الخطأ..
2- سورة الأنعام: 116.
3- سورة الإسراء: 36.
4- سورة البقرة: 170.
5- إن مسألة تقليد الأسلاف. والكبار، والبدع المعاصرة، والصبغة الاجتماعية، التي نهى القرآن عنها بشدة يجب ألا تختلط بمسألة المجتهد الأعلم والأعدل، المذكورة في الفقه، إذ هى أمر واجب ومبني على الاستفادة من العلم والتخصص.
6- سورة النجم: 23 .
7- سورة ق: 37.
8- دلم رميده شد وغافلم من دروش                      
كه اين شكارى سركشته را جه آمد بيش.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة