علمٌ وفكر

إتحاد العقل والمعقول


بحث اتحاد العاقل والمعقول ذو خلفية عريقة، وقد طُرح لأول مرة من قبل فيلسوف يدعى "فرفوريوس" وذلك في القرن الثالث الميلادي، وطوّره الفلاسفة الإسلاميون. وظل ابن سينا ـ رغم نبوغه ـ عاجزاً عن فهم ذلك الجزء منه ذي الصلة بالعلم الحصولي وأنكره، في حين أثبته الفارابي وملاّ صدرا وملا هادي السبزواري عن طريق الاستدلال الصرف، وقد أخذ السيد روح الله باستدلالاتهم.
وعنوان هذا البحث الفلسفي هو أنّ من يُفكِّر وما يُفكِّر فيه شيءٌ واحد، ومن السهل قبول هذا المفهوم في العلم الحضوري، لكن من العسير جداً قبوله في العلم الحصولي. ومن الأمثلة على العلم الحضوري: حينما يفكر المرء في قرارة نفسه كيف يهذب هذه النفس، أو حينما يمتدحها ويثني عليها، أو حينما يختلي في زاوية ما ويلعن ما في نفسه من حسد وغضب وسخط، فهل ذلك الذي يجب أن يهذّب نفسه وذلك الذي يجب أن يُهذب، موجودان أم موجود واحد؟ وهل ذلك الذي يثني على نفسه أو يلعنها وذلك الممدوح أو الملعون، شيئان أم شيء واحد؟ من اليسير التصديق بأن الشيئين شيء واحد، حينما يكون موضوع الإنسان شيئاً في داخل الإنسان نفسه. أما حينما يكون التفكير في المجرات والوجود، فمن الصعب التصديق من خلال الاستدلال الذهني البسيط والشهادة القلبية أنّ ما يفكَّر فيه ومَن يفكِّر، شيء واحد.
غير أن السيد روح الله تقبّل بسرعة فكرة اتحاد العاقل والمعقول والعقل، ووجد فيها الإجابة على كثير من أسئلته الفلسفية. ومن الطبيعي أنه مرّت عليه سنوات طويلة كي يؤلّف بين التفكير الاستدلالي لهذه الفكرة وبين الشهود العرفاني (الحضور) ويطابق بينهما. والشهود الحضوري في أبسط مفاهيمه هو أنّ الزمان والمكان ليسا سوى أمر طارئ على الوجود، والجهل غلّ يقيّد الفكرة، ولو حطمنا هذه الأشياء الثلاثة لكنا في كافة أنحاء الوجود. ويدل بيته الشعري التالي على هذه الفكرة:
افتح هذا القفص وحطم هذا القيد عن القدم
وانطلق إلى ديار الحبيب محلّقاً مُبدِّداً الحُجُب

والبيت التالي يكشف هو الآخر ببساطة عن الوجه الآخر لهذا المفهوم وهو، أن نفس الإنسان تتّسع باتساع علمه. أي أن وجود الإنسان يتسع كلما ازداد علمه بالوجود. وبتعبير آخر أن مقدار معقولات العاقل تمثل سعة وجوده:
النفس ليست سوى الخبر في الامتحان
من زادت أخباره زادت نفسه

فهل كان ذلك كل ما تعلَّمه السيد روح الله من درس الفلسفة، أم هناك المزيد؟ عندما كان يتلقى التعليم كان واضحاً ماذا يدرس. وحينما كان يحاضر كان ذلك معلوماً أيضاً إلى حد ما. غير أنّ من العسير جداً تتبع علمه الفلسفي خلال الفترة التي لم يكن يتعلم فيها ولم يحاضر، أي حينما كان يخلو إلى نفسه وينفرد بها، لأنّ الفقه والأصول والعرفان والفلسفة والسياسة والأخلاق متداخلة بالشكل الذي بات فيه كلامه مركباً من كافة هذه الموضوعات.


* الخميني روح الله ـ سيرة ذاتية
المركز الإسلامي للتبليغ

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد