مقالات

الامام الحسين عليه السلام رمز الحق و القيم الانسانية


السيد جواد علي شبر ..

الحسين رمز
قد يبدو للنظرة الأولى أن كلمة الحسين تعني عند الشيعة المعنى الظاهر منها، وأن دلالتها تقف عند ذات الحسين بن علي وشخصه، وأن الشيعة ينفعلون بهذه الشخصية إلى حد الجنون .. ولكن سرعان ما تتحول هذه النظرة إلى معنى أشمل وأكمل من الذات والشخصيات لدى الناقد البصير، ويؤمن إيماناً لا يشوبه ريب بأن كلمة الحسين تعني عند الشيعة مبدأ الفداء ونكران الذات، وأن الحسين ما هو إلا مظهر ومثال لهذا المبدأ في أكمل معانيه .. ودليل الأدلة على هذه الحقيقة هو أدب الشيعة أنفسهم .. فلقد كان الأدب، وما زال الصورة الحية التي تنعكس عليها عقيلة الأمة وعقيدتها، وعاداتها وبيئتها.
وإذا رجعنا إلى التراث الأدبي لشيعة أهل البيت وجدناه يعكس الاحتجاج الصارخ على الظلم والظالمين في كل زمان ومكان، والثورة العنيفة في شرق الأرض وغربها، وأن أدباء الشيعة، وبخاصة شعراءهم يرمزون باسم الحسين إلى هذه الثورة، وذاك الاحتجاج، لأن الحسين أعلى مثال وأصدقه على ذلك، كما يرمزون إلى الفساد والطغيان بيزيد وبني حرب وزياد وأمية وآل أبي سفيان، لأنهم يمثلون الشر بشتى جهاته، والفساد بجميع خصائصه على النقيض من الحسين .. وإليك هذه الأبيات كشاهد ومثال:


فمن قصيدة لأديب شيعي:
سهم رمى أحشاك يا ابن المصطفى * سهم به قلب الهداية قد رمي
ومن قصيدة لآخر:
بنفسي رأس الدين ترفع رأسه * رفيع العوالي السمهرية ميد
ولثالث:
اليوم قد قتلوا النبي وغادروا الإ * سلام يبكي ثاكلًا مفجوعا


فهذه الأبيات والألوف من أمثالها تنظر إلى الإنسان نظرة شاملة واعية، وتزخر بالثورة على كل من ينتهك حقًّا من حقوق الناس، وترمز إلى هذه الحقوق بكلمة الحسين، وتعبر بقلبه عن قلب الهداية، وبرأسه عن رأس الدين، وبقتله عن قتل رسول الله ودين الله .. واستمع إلى هذه الصرخة الغاضبة يطلقها الشيخ أحمد النحوي في وجوه حكام الجور الذين اتخذوا مال الله دولًا، وعباده خولا:
عجبًا لمال الله أصبح مكسبًا * في رائح للظالمين وغاد
عجبًا لآل الله صاروا مغنمًا * لبني يزيد هدية وزياد
فيزيد وزياد رمز لكل من يسعى في الأرض فسادًا، وأوضح الدلالات كلها هذا البيت:
ويقدم الأموي وهو مؤخر * ويؤخر العلوي وهو مقدم


فإنه ينطبق على كل من يتولى منصبًا، وهو ليس له باهل .. وبهذا نجد تفسير الأبيات التي يستنهض بها الشعراء صاحب الأمر ليثأر من قاتلي الحسين، ويفعل بهم مثل ما فعلوا، وهم يقصدون بالحسين كل مظلوم ومحروم، وبقاتليه كل ظالم وفاسد، وبصاحب الأمر الدولة الكريمة العادلة التي تملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد ما ملئت ظلمًا وجورًا وإليها يرمز السيد الحلي بقوله:
لا تطهر الأرض من رجس العدى أبداً *** ما لم يسل فوقها سيل الدم العرم
هذا، إلى أن الحسين (ع) قد مضى على استشهاده ألف وثلاثمئة سنة او تزيد، ومن يومه إلى يومنا هذا، والأجيال من قوميات شتى ينظمون فيه الأشعار بالفصحى وغير الفصحى، وقد تغيرت الحياة ومرت بالعديد من الأطوار، وقضت على الكثير من العادات إلا الاحتفال بذكرى الحسين، والهتاف باسم الحسين نثراً وشعراً، فإنه ينمو من عصر إلى عصر، تماماً كما تنمو الحياة، وسيستمر هذا النمو - والسين في يستمر للتأكيد لا للتقريب - قياساً للغائب على الشاهد .. وما عرفت البشرية جمعاء عظيماً من أبنائها قيل فيه من الشعر ما قيل في الحسين بن علي (ع) .. ولو تصدى متتبع للمقارنة بين ما نظم فيه، وما نظم في عظماء الدنيا مجتمعين لتعادلت الكفتان، أو رجحت كفة الحسين، وما هذه المجموعة (الشبرية) إلا نقطة من بحر، وحبة من رمل، والسر الأول والأخير يكمن في المبدأ الذي مضى عليه الحسين، وأشار إغليه بقوله؛ وهو في طريقه إلى ربه: (أمضي على دين النبي): إذن، تعظيم الحسين تعظيم لدين النبي.
وقد يقال: إن مسألة النظم في الحسين (ع) مسألة طائفية، لا مسألة إسلام وإنسانية؟.
ونقول في الجواب: إن تمجيد الثورة ضد الظلم والطغيان هو تمجيد للإنسانية نفسها، حتى ولو كان الدافع الطائفية أو الحزبية أو القومية، فإن الثورة الفرنسية والجزائرية والفيتنامية ثورات قومية، ومع ذلك فهي إنسانية، ومصدر الإلهام لكثير من الثورات.


وبهذه المناسبة أنقل هذا المقطع من كتابي (الاثنا عشرية):
إن التطور لم يقف عند حدود المادة، بل تعداها إلى الأفكار واللغة، لأنها جميعاً متلازمة متشابكة لا ينفك بعضها عن بعض، وكلمة الحسين كانت في البداية اسمًا لذات الحسين بن علي (ع) ثم تطورت مع الزمن، وأصبحت عند شيعته وشيعة أبيه رمزاً للبطولة والجهاد من أجل تحرير الإنسانية من الظلم والاضطهاد، وعنواناً للفداء والتضحية بالرجال والنساء والأطفال لإحياء دين محمد بن عبد الله، « ص » ولا شيء أصدق في الدلالة على هذه الحقيقة من قول الحسين: أمضي على دين النبي.
أما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسمًا لابن معاوية، وهي الآن عند الشيعة رمز الفساد والاستبداد، والتهتك والخلاعة، وعنوان للزندقة والإلحاد، فحيثما يكون الشر والفساد فثم اسم يزيد، وحيثما يكون الحق فثمَّ اسم الحسين...

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد